لا يجوز هدر الفرصة الاستراتيجية إزاء لبنان وسورية بالكلام
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

المؤلف
  • في ضوء تفاؤل واشنطن المبالَغ فيه بشأن إمكان انضمام سورية ولبنان إلى اتفاقيات أبراهام، يتعين على إسرائيل التصرف بحكمة، وعليها تجنُّب فعل ما لا يجب فعله! لقد فُتحت فرص جديدة إزاء دمشق وبيروت، لكن قطف الثمار يتطلب صبراً وحذراً.
  • إن الاعتقاد السائد في أوساط الرئيس ترامب، ومفاده أن سورية ولبنان جاهزان للانتقال إلى علاقات سلام مع إسرائيل، ينجح في تشويه تفكير بعض الأشخاص الجيدين عندنا. لكن مع الأسف، يجب رؤية الأشياء مثلما هي، من دون أن نعقد عليها آمالاً وأوهاماً كاذبة. صحيح أن هناك فرصة لتغيير شبكة العلاقات مع جارتَينا في الشمال، لكن في المستقبل المنظور، من غير المجدي أن ننتظر حدوث تحوُّل كامل.
  • على سبيل المثال، أوضح الأميركيون للحكومة اللبنانية الجديدة أنهم يتوقعون منها التحرك نحو إعلان انتهاء حالة الحرب مع إسرائيل والتخلي عن العلاقات العدائية. وائل أبو فاعور، أحد النواب في البرلمان اللبناني قال، علناً، إن إدارة الرئيس ترامب أوضحت لرئيس الجمهورية اللبناني جوزف عون أن هذا هو هدفها. وأيضاً الموفد الخاص ستيف ويتكوف الذي لا يُعتبر دبلوماسياً خبيراً، ولا يدقق كثيراً في تصريحاته، كانت رسالته واضحة: نتوقع من الحكم الجديد في لبنان، وكنتيجة مباشرة للضربات التي تلقاها حزب الله خلال الحرب، أن يتبنى منظومة علاقات مختلفة مع إسرائيل، وهذا ما يدركه الإعلام اللبناني، وأيضاً كل الأطياف السياسية.
  • وينقل الأميركيون رسائل مشابهة إلى الحكم الجديد في سورية: من الأفضل لكم التخلي عن نهج بشار الأسد حيال إسرائيل، والانفصال عن "محور المقاومة"، والبحث عن سبيل لتفاهمات جديدة، حتى لو كنتم غير مستعدين للتطبيع الكامل، ربما ستفعلون ذلك، بعد أن يقوم به السعوديون.
  • حتى الآن، النتيجة أن الرئيس السوري الموقت أحمد الشرع لم يعد يتحدث عن "الكيان الصهيوني"، بل عن "دولة إسرائيل".  ونادراً ما يدين هجمات سلاح الجو الإسرائيلي على مخازن السلاح التي بقيت من النظام السابق، وتلك التابعة لحزب الله. كذلك، هو يتهرب فعلاً من إدانة العمليات الإسرائيلية ما وراء الحدود، في الجولان، بصورة تثير غضب الإيرانيين وعناصر حزب الله. وعلى الأقل، هناك مَن يعتقد في قيادة دولة الإمارات أنه من الممكن إحراز تقدُّم مع شخص كان يُعتبر جهادياً خطِراً طوال سنوات. قبل كل شيء، هم يقترحون التوصل إلى تفاهمات محدودة تتعلق بمزارع شبعا، وهي أراضٍ سورية، حتى لو ادّعى نصر الله أنها أراضٍ لبنانية.
  • يجب ألّا ننسى أن جماعة الشرع لا يسيطرون على كامل الأراضي الواقعة جنوبي دمشق. فالميليشيات التي عادت إلى الحياة، وخصوصاً تلك التي يقودها أحمد العودة [قائد أهم الفصائل المسلحة في منطقة درعا]، لا تشارك في النقاشات بشأن تأليف الحكومة المقبلة في دمشق، وترفض الدمج في الجيش السوري الجديد الذي يخططون لبنائه، وهذا هو موقف دروز محافظة السويداء. فالدروز المنقسمون إلى فصائل مسلحة مختلفة، لا يسمحون لأنصار الشرع بالدخول إلى مناطقهم، وأيضاً لا تعجبهم قط تصريحات نتنياهو العلنية ودعمه لهم. يجب التصرف بحذر في هذا الموضوع. أن نفعل أكثر، وأن نتحدث أقل.
  • للتذكير، حالياً، تسيطر إسرائيل على نحو 460 كلم مربعاً وراء الحدود في الجولان، والجيش الإسرائيلي موجود على بُعد 23 كلم فقط عن دمشق، وهناك أكثر من 30 قرية وبلدة سورية واقعة اليوم تحت سيطرته. ولا يحتج الشرع وجماعته على هذا الوضع. لذا، يجب على إسرائيل التشديد على أن المقصود هو إجراء دفاعي موقت، وأن تطالب فوراً باستئناف مبادرة حُسن الجوار وتقديم المساعدة لسكان جنوب سورية. وقبل كل شيء، يجب عليها إعادة تشغيل المستشفى الميداني الذي أقامته على خط الحدود. ويجب أن نوضح للسكان المحليين، وللشرع وجماعته، أن المقصود ليس نيات توسعية، وأن إسرائيل مهتمة بإقامة نسيج علاقات جديدة مع سورية، وأنها اضطرت إلى اتخاذ خطوات دفاعية.
  • وينطبق هذا على لبنان أيضاً، حيت يسيطر الجيش الإسرائيلي على خمس نقاط استراتيجية على طول الحدود، ويمنع، مثلاً، سكان قرية الضهيرة من العودة إلى أحيائهم المتاخمة للسياج الحدودي. من الضروري القول، من دون اعتذار، إن هدف هذه الخطوات الدفاع عن عودة سكان الشمال إلى منازلهم، وليس انتهاك السيادة اللبنانية. وبعكس ما يُقال عندنا، فإن الستة آلاف جندي لبناني الذين انتشروا في جنوب الليطاني (أقل بعشرة آلاف مما خططوا له) يقومون بعمل غير سيئ حتى الآن. لقد أمر حزب الله مقاتليه، الذين لا تقع قراهم بالقرب من السياج، بالعودة إلى منازلهم. ولا توجد فرصة في أن نرى أغلبية في البرلمان اللبناني تؤيد اتفاقات مع إسرائيل في المستقبل المنظور، لكن هناك فرصة للانتقال من منظومة العداء الناشط إلى إطار من التفاهمات والتعاون.
  • بعبارة أُخرى، ومن دون بناء أحلام كاذبة، مثلما يفعل البعض، عندنا وفي واشنطن، ومن دون الانفصال عن أرض الواقع الصلبة، هناك ما يمكن تحقيقه في المستقبل القريب، بدأ العرب يطلقون عليه اسم "الضفة الشمالية".