تقرير: حزب الله أقام 16 موقع مراقبة إضافية على الحدود مع إسرائيل منذ نيسان/أبريل
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

لم يستغرق الأمر سوى دقائق معدودة لوصول المجموعة الصغيرة العدد من الأشخاص في الأول من أمس إلى الطريق الترابي لموقع الجيش الإسرائيلي القريب من موشاف دوفيف بالقرب من الحدود اللبنانية، كي تجذب انتباه الطرف الآخر. بسرعة خرجت دراجة نارية عليها شخصان بلباس مدني وتوقفت في مواجهة الطريق المواجه للحدود، وأخرج أحدهم آلة تصوير وقام بتصوير المجموعة بينما كان الثاني يتنقل ذهاباً وإياباً حتى تأكد من مغادرة المجموعة الإسرائيلية المكان.

من المعقول الافتراض أن راكبيْ الدراجة هما عناصر من حزب الله وصلا من موقع أقامه الحزب على مسافة بضعة أمتار من هناك، تحت غطاء جمعية للمحافظة على البيئة تحمل اسم "أخضر بلا حدود". عملياً، يعتبر الجيش الإسرائيلي هذه الجمعية تابعة لعناصر الحزب، وهو يستخدمها للمراقبة وجمع المعلومات الاستخباراتية لما يحدث في الجانب الإسرائيلي من الحدود. لكن هذه المواقع لها هدف آخر هو فرض حالة ردع معينة لدى الجيش الإسرائيلي والسكان الإسرائيليين على الحدود الشمالية، وإبعاد عناصر القوات الدولية عن الأماكن التي استولى عليها الحزب.

هذه المواقع أُقيمت أولاً في نقاط على طول الحدود قبل 5 سنوات. وقد كشفت إسرائيل هذه المواقع بجهد مشترك من الحكومة والجيش، وقدمت شكوى إلى الأمم المتحدة. بدءاً من نيسان/أبريل هذا العام أُقيم أكثر من 16 موقعاً جديداً على طول المنطقة، وقد جرى استقدام حاويات قبل إقامة عدد من أبراج المراقبة. ومن الموقع المحاذي لموشاف دوفيف يمكن رؤية حاوية وبرج مراقبة وعدد من السيارات. وفور ملاحظة حركة في الجانب الإسرائيلي حول الموشاف، وصل عناصر حزب الله بسرعة وصوروا وقاموا بإثبات وجودهم.

مؤخراً، طرحت إسرائيل مجدداً القضية في محادثات جرت في الأمم المتحدة في نيويورك. وعرض وفد ضم ممثلين عن الجيش وعن وزارة الخارجية وعن سفارة إسرائيل في الأمم المتحدة صوراً ووثائق عن المواقع الجديدة على الأمم المتحدة وعلى مندوبي دولتين ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن هما الولايات المتحدة وفرنسا.

في مطلع حزيران/يونيو نشر الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي صوراً عن عدد من المواقع مرفقة بتحذير من قائد المنطقة الشمالية اللواء أمير برعام جاء فيه: "نحن نعرف الناشطين الذين أقاموا هذه المواقع بالاسم ونعرف كيف نصل إليهم. وعندما يحين الوقت سيدفعون الثمن، هم والذين أرسلوهم وكذلك القرى الأمامية التي يستخدمونها قاعدة إرهاب عسكري. سندمر بنيتهم التحتية على خط التماس". ومؤخراً، تكثر التصريحات الإسرائيلية عن "القرى الأمامية"، وهي قرى شيعية تقع بالقرب من الحدود نشر فيها حزب الله سراً قياداته ومخازن سلاحه ومنصات صواريخه.

وتُعتبر إقامة هذه المواقع جزءاً من عملية مدروسة لحزب الله هدفها تسجيل وقائع على الأرض من خلال الالتفاف على القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن والذي نظّم الوضع في الجنوب اللبناني بعد حرب لبنان الثانية في تموز/يوليو 2006. ويمنع القرار أي نشاط مسلح لحزب الله في المنطقة الواقعة بين الحدود جنوباً حتى نهر الليطاني شمالاً، وكلّف قوات اليونيفيل مهمة المحافظة على الهدوء في المنطقة وأعطاها صلاحيات وقف أي نشاط مسلح لحزب الله. عملياً، يتحرك عناصر من الحزب منذ عدة سنوات بلباس مدني على طول الحدود. وتكتفي قوات اليونيفيل بتسيير دوريات مراقبة لكنها تتجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع عناصر حزب الله بحجة أن هذه النشاطات المشبوهة تجري في ممتلكات خاصة ليس لدى قوات اليونيفيل صلاحيات الدخول إليها وإجراء عمليات تفتيش.

تعمل قوات اليونفيل تحت تأثير الردع الذي خلقه حزب الله الذي يُشك في أنه وراء تفجير مركبة مدرعة تابعة للفرقة الإسبانية في اليونفيل في سنة 2007 بالقرب من بلدة الخيام في القطاع الشرقي من الجنوب اللبناني. وقد أدى الانفجار إلى مقتل 7 جنود ومنذ ذلك الحين تحرص قوات اليونيفيل على عدم إقحام نفسها في الأماكن الخطرة جداً. في المقابل تثني المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على العمل اليومي لضباط اليونفيل وتقول إن هؤلاء ساعدوا أكثر من مرة في تهدئة الأجواء على طول الحدود.

يعكس نشر المواقع الجديدة في الفترة الأخيرة، على ما يبدو، ثقة متزايدة بالنفس لدى حزب الله. يضاف إلى ذلك نقل آلاف المقاتلين من قوة النخبة "الرضوان" إلى الجنوب اللبناني، بعد أن قلّص الحزب تدخله في سورية بعد انتهاء الحرب الأهلية هناك في نهاية 2018. في تلك الفترة قامت إسرائيل بتدمير 6 أنفاق حفرها الحزب الشيعي تحت الحدود داخل أراضيها بهدف تسلل قواته من خلالها إذا نشبت الحرب.

المواقع الجديدة هي نوع من الالتفاف على القرار 1701، وهي تثير ذكريات غير محببة سبقت حرب لبنان الثانية [حرب تموز/يوليو 2006]. يومها حذّر قائد فرقة الجليل اللواء غال ريش من إقامة مواقع لحزب الله على طول الحدود. لكن الحكومة وهيئة الأركان العامة لم تهتم كثيراً بالتحذير والنهاية معروفة، العملية التي قام بها حزب الله وأدت إلى مقتل 8 مقاتلين من الجيش والاحتفاظ بجثماني جنديين في الاحتياط، وهو ما أدى إلى نشوب الحرب في تموز/يوليو 2006.

في ضوء تزايد وجود حزب الله في الجنوب اللبناني واستمرار الحزب في تسلحه تزايدت التهديدات الإسرائيلية للبنان مؤخراً. ويصف مسؤولون رفيعو المستوى وعلى رأسهم وزير الدفاع بني غانتس ورئيس الأركان أفيف كوخافي ما يمكن أن يحدث في لبنان إذا تحرك حزب الله من البلدات والقرى المكتظة سكانياً وأطلق منها صواريخ على السكان المدنيين في إسرائيل. يبدو أن إسرائيل تحاول أن تحضّر الأرضية في الساحة الدولية لحرب ثالثة في لبنان يمكن أن تؤدي إلى تدمير كبير للبنى التحتية ووقوع عدد كبير من الإصابات من المدنيين.

ومع ذلك فإن تقدير الاستخبارات الإسرائيلية يبقى من دون تغيير. فهي لا ترى أن لدى الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله رغبة في المبادرة إلى مواجهة عسكرية جديدة. أكثر من ذلك: فنصر الله الذي يكثر من تهديداته بمهاجمة إسرائيل تهرّب أكثر من مرة من محاولات الإيرانيين الطلب منه تصفية حسابهم مع إسرائيل رداً على عمليات الاغتيال المنسوبة إلى إسرائيل داخل الأراضي الإيرانية. السيناريو الأساسي الذي يقلق متخذي القرارات في البلد له علاقة بسلسلة حسابات خاطئة: حوادث محلية تؤدي إلى عملية رد من الجانب الثاني وتخلق سلسلة عمليات وردوداً يمكن أن تؤدي إلى حرب من دون أن يرغب الطرفان فيها فعلاً.