غزو أوكرانيا: اختبار سياسة بوتين في ضوء الواقع
المصدر
  • بعد أسبوع من بدء غزو أوكرانيا، وعلى الرغم من الفجوات في المعلومات والتضليل بشأن الوضع على الأرض، فإن التطورات في الساحة الدولية، بالإضافة إلى تطور القتال على الأرض، يبدو أنهما لا يتطابقان مع التقديرات والتطلّعات المسبقة للرئيس بوتين. فالضائقة الاستراتيجية والصعوبات العملانية يبدو أنها دفعت إلى توجيه بوتين تعليمات مغطاة إعلامياً إلى وزير الدفاع ورئيس الأركان لرفع مستوى جهوزية المنظومة النووية. والهدف هو نقل رسالة إلى دول الغرب بشأن حدود تدخُّلها في الأزمة، في ضوء التصعيد التدريجي في استخدام قوة الجيش الروسي، والذي سيؤدي إلى العديد من القتلى والدمار.
  • من خلال صور المعركة الدائرة، يمكن التقدير أنه يوجد تأخير في تنفيذ الخطط العملانية للجيش الروسي، ولا سيما السيطرة السريعة على كييف وإسقاط الحكم. مع ذلك، وفي ضوء الضباب الكثيف الذي يغطي ساحة القتال، وحقيقة أنه لم تمر سوى أيام معدودة على بدء المعركة، من الصعب الإشارة إلى عمق الفجوات بين الخطط العملانية وبين تنفيذها الفعلي.
  • عشية غزو أوكرانيا، يبدو أن الرئيس بوتين قدّر أن ظروف تصعيد الأزمة مع أوكرانيا ملائمة له، ومنها: غرق دول الغرب في أزمات داخلية في مواجهة الكورونا والتضخم المتصاعد؛ صورة زعامة غربية مأزومة - الرئيس الأميركي يبدو ضعيفاً ويتردد في استخدام القوة، ويركز على الساحة الداخلية، إلى جانب زعامة أوروبية ضعيفة (المستشار الألماني الجديد شولتس يبدو قليل الخبرة، والرئيس ماكرون عشية انتخابات رئاسية، ورئيس الحكومة البريطانية جونسون مشغول بشؤونه الداخلية)؛  الاعتماد الكبير للدول الأوروبية على الغاز الروسي؛ تعزيز المحور الاستراتيجي مع الصين. كل ذلك إلى جانب الوضع الاقتصادي، وهو أفضل من الماضي، مع فوائض في العملات الأجنبية تبلغ أكثر من 630 مليار دولار، ومعارضة داخلية مسحوقة.
  • يبدو أن بوتين كان على حق في تقديره عدم استعداد بايدن لاستخدام القوة العسكرية، لكنه أخطأ في تقديره بشأن إصرار الرئيس الأميركي وقدرته على بلورة جبهة واسعة وموحدة مع الدول الغربية وتدفيع روسيا ثمناً باهظاً نتيجة عدوانها. من المحتمل أيضاً أن تكون زلة لسان الرئيس بايدن، بأن العملية العسكرية المحدودة التي تقوم بها روسيا سيرد عليها بردّ ملائم، عززت تقدير بوتين للرد الضعيف المتوقع من الولايات المتحدة.
  • عملياً، وبعكس تقديرات بوتين، نجح بايدن من خلال نظرية القيادة التي وضعها الرئيس أوباما قبل عقد، وهي "القيادة من الخلف" (Leading From Behind)، في بلورة ائتلاف عريض يشمل عشرات الدول في أوروبا وآسيا وأستراليا. كلام بايدن في خطابه إلى الأمة، الذي أشار فيه إلى أن "الحكام المستبدين الذي لا يدفعون ثمن عدوانيتهم يتسببون بالفوضى"، يدل على إصراره على تدفيع روسيا ثمناً باهظاً على سلوكها.
  • بالإضافة إلى ذلك، بعد فترة طويلة بدا حلف الناتو خلالها كأنه فقد دلالته، نجح بايدن في إحياء الحلف من جديد، وبرزت أهميته في تأمين مظلة دفاعية لكل الدول الأعضاء فيه. كما أرسلت الولايات المتحدة وبريطانيا قوات وعتاداً إلى دول في شرق أوروبا أعضاء في الناتو، وأعلنتا التزامهما الدفاع عن كل الدول الأعضاء في الحلف. بالإضافة إلى ذلك، فإن حقيقة إظهار فنلندا والسويد، اللتين حرصتا طوال سنوات على المحافظة على الحياد، استعدادهما لعمل مشترك مع الناتو، تعكس الوحدة التي نشأت بين دول الغرب خلال الأزمة وحيال التهديد الذي تشكله النيات الروسية......

توصيات لإسرائيل

  • في الخلاصة، أثبتت تطورات المواجهة حتى الآن أن الاستخبارات الأميركية والبريطانية كانتا على حق بشأن نية بوتين غزو أوكرانيا، وأن الرئيس الروسي نفسه أخطأ في تحليل الردود المتوقعة من المنظومة الدولية، وبشأن قدرة الجيش الروسي على تحقيق حسم سريع.
  • يتعين على إسرائيل الاستمرار في انتهاج سياسة صحيحة توازنُ بين الاعتبارات الاستراتيجية والأخلاقية، وبين القيود الأمنية. في ضوء ذلك، إلى جانب التعبير عن إدانة الغزو الروسي والاستمرار في تقديم المساعدات الإنسانية، ونظراً إلى أهمية التنسيق الأمني مع روسيا من أجل المحافظة على عمليات "المعركة بين الحروب" في سورية، وأهمية العلاقات معها في مسائل أُخرى، يجب على إسرائيل الدفع قدماً بحوار بعيد عن الأضواء مع الولايات المتحدة وروسيا بهدف التوصل إلى تفاهمات هادئة في هذا الشأن.
  • في الوقت عينه، يوضح الرد الغربي لإسرائيل حدود التأييد من طرف واشنطن ودول أوروبا، وخصوصاً عند حدوث مواجهة عسكرية. بناءً على ذلك، يجب عليها مواصلة العمل على تطوير قدرات عمل مستقلة لمواجهة التهديدات التي تواجهها، في الأساس إزاء إمكانية أن يزيد الاتفاق النووي الجديد في التحديات من طرف طهران وحلفائها في المنطقة. في هذا السياق، وفي ضوء احتمال تجميد مفاوضات فيينا في الفترة المقبلة، يجب على إسرائيل محاولة استغلال هذه الفترة من الوقت لإقناع الأميركيين والأوروبيين بالتشدد في مواقفهم حيال مسائل جوهرية، كأحد الدروس التي يمكن استخلاصها من سلوك روسيا العنيف.