بعد مرور عشرين عاماً على عملية السور الواقي: الضفة الغربية أكثر هدوءاً لكنها لا تزال تغلي
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • الذين لم يسافروا بحثاً عن الحرب الأوكرانية، بإمكانهم الاكتفاء بنسختها المصغرة على بُعد ساعات قليلة عن البلد. بعيداً عن التغطية الإعلامية، وعن الاهتمام العام، وتحديداً، خلال المأساة في أوروبا الشرقية، تستمر الاحتكاكات الأمنية والهجمات الجوية ما وراء الحدود، وفي الأساس المواجهات في المناطق. في الشهر الماضي، قُتل سبعة فلسطينيين بنيران الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية. في شمال الضفة وفي منطقة جنين ونابلس، والمقصود في الأساس حوادث إطلاق نار مع خلايا فلسطينية مسلحة. في جنوب الضفة، قُتل شاب خرج لإلقاء زجاجة مشتعلة على سيارة إسرائيلية، كما قُتل طالب في كمين للجيش الإسرائيلي، على ما يبدو عن طريق الخطأ.
  • في ليل الاثنين، وبعد نصف عام، قلّل الجيش من دخوله إلى مخيم اللاجئين في جنين، نفّذ هناك عملية ليلية لاعتقال مطلوب من "حماس". في صباح اليوم التالي، جمع قائدا المنطقة الشمالية والمنطقة الوسطى قادة كتائبهما والألوية التابعة لهما في نقطة مراقبة عند جبل جرزيم [الطور] في مدينة نابلس، في يوم دراسي بمناسبة مرور 20 عاماً على عملية "السور الواقي"، التي حدثت في آذار/مارس 2002. تضافُر هذين الحدثين أثار عدة أفكار بشأن العقدين اللذين مرّا منذ ذلك الحين، والسؤال: إلى أي حد تغيرت الأمور، وما هي الوقائع التي ظلت في النهاية على حالها تقريباً؟
  • تشكل عملية "السور الواقي" نقطة تحوّل في الانتفاضة الثانية. فقد وافق رئيس الحكومة، آنذاك، أريئيل شارون على بدء العملية العسكرية، بعد عام ونصف العام من العمليات الانتحارية التي زرعت الموت في المدن الإسرائيلية. حتى ذلك الحين، لم تنجح الردود العسكرية العنيفة في ردع الفلسطينيين عن كفاحهم. وخلال العملية التي بدأت في أعقاب المجزرة التي وقعت ليلة الفصح في فندق بارك في نتانيا، احتلت خمس فرق من الجيش الإسرائيلي كل المدن الفلسطينية الواقعة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية. بعدها جرى بذل جهد أمني عنيف وواسع لضرب البنية التحتية لـ"فتح" والمنظمات الفلسطينية في الضفة، وصولاً إلى إخماد الهجمات الانتحارية (وفي الواقع الانتفاضة كلها) في سنة 2005.
  • منذ ذلك الحين، وبالتدريج، استعادت السلطة الفلسطينية السيطرة على مدن الضفة، بينما "حماس" طردت "فتح" من القطاع وسيطرت عليه في سنة 2007. أعادت السلطة ترسيخ نفسها من جديد كحكم أكثر استقراراً، لكنه فاسد. وعلى الرغم من الاشتباكات الموسمية و4 عمليات عسكرية كبيرة قامت بها إسرائيل في تلك الأعوام - فإن الضفة الغربية هي اليوم مكان أكثر أمناً للإسرائيليين والفلسطينيين، نسبياً، مما كانت عليه عند نشوب الانتفاضة الثانية في أيلول/سبتمبر 2000. بالإضافة إلى التنسيق الأمني مع السلطة، فإن الاستقرار النسبي تحقق بفضل أسلوب "جز العشب"، الآلية التي تتسم بالنجاعة والوحشية التي يستخدمها الجيش والشاباك لإحباط الهجمات، من خلال التعقب والوشايات والاعتقالات والتحقيقات، وأحياناً أيضاً الاغتيالات.
  • نتيجة ذلك، يتم إحباط جزء كبير من الهجمات قبل أن ينفَّذ. وفعلاً، توقفت الهجمات الانتحارية في الضفة، سواء بسبب عدم قدرة فلسطينية، أو عدم وجود رغبة ناجمة عن الردع الإسرائيلي.
  • نجاح الأسلوب لم يمنع مفارقة مهمة. الأغلبية الساحقة من كبار مسؤولي الجيش والشاباك، الذين خدموا في المناطق بعد تسريحهم من الخدمة، يظهرون كأنهم يساريون في نظرتهم. وهذا يتعلق بالثمن الذي دفعوه: الآثار النفسية التي تركتها الانتفاضة الأولى والثانية وما بينهما. هؤلاء هم جيل من مقاتلي الجيش الإسرائيلي الذين شاركوا في القتال هناك مع الظلم الأخلاقي المرافق له. ينطبق هذا أيضاً على الفترات التي وقعت عملية "السور الواقي" خلالها، والتي حاربت فيها إسرائيل دفاعاً عن نفسها، وللتصدي لإرهاب الانتحاريين.
  • لقد كان للانتفاضة أيضاً تداعيات سياسية بعيدة المدى. الهجمات المخيفة على الباصات، وعلى المطاعم والطرقات، رجّحت كفة اليمين في وسط الجمهور الإسرائيلي، وأدت إلى عدم ثقة عميقة في مدى استعداد الفلسطينيين للسلام. الذكريات والندوب من هذه الفترة تجعل من الصعب، حتى اليوم، الحصول على تأييد من أجل إحراز تقدُّم حقيقي في العملية السياسية.
  • لقد كان هدف العملية الليلية في جنين اعتقال ناشط من "حماس" متهم بتورطه بالإرهاب. دخل مقاتلو وحدة المستعربين في حرس الحدود (الذين بدوا كأنهم خارجون من المسلسل التلفزيوني "فوضى") إلى مخيم اللاجئين بسيارات فلسطينية. ونظراً إلى أن المطلوب هو أب لأربعة أولاد، جرى اقتحام باب المنزل من دون استخدام إطلاق النار.
  • سيطر المستعربون عليه من دون مقاومة فعلية، وخرجوا معه سيراً عبر شوارع المخيم. هناك اصطدموا، كما هو منتظَر، بصعوبات أكبر: بدأ عشرات الشبان برشقهم بالحجارة والزجاجات المشتعلة، وبسرعة انضم إليهم نشطاء مسلحون. ولدى وصول الجيب العسكري لقائد الفرقة العسكرية والجيب العسكري لقائد اللواء الإقليمي إلى خط التماس، بين المخيم والمدينة، تطور هناك مشهد أشبه بالغرب المتوحش. فقد طارد عدد من الدراجات النارية ومن المسلحين في سيارات الجيبين العسكريين، ومن حين إلى آخر، أطلقوا النار بصورة عشوائية. قناصة من المستعربين قتلوا فلسطينيين إثنين، هما: سجين سابق مسلح من الجهاد الإسلامي، وشاب في الـ18 من عمره، صودف وجوده هناك، بحسب السكان، لكن بحسب الجيش، كان هو أيضاً مسلحاً. بعد الخروج من المدينة، كانت مدهشة رؤية نجاعة الدفاع العسكري. فقد أصابت رصاصة واحدة الباب الخلفي للسيارة العسكرية لقائد الفرقة من دون أن تخترقه، والمقاتلون الذين كانوا خارج سياراتهم تعرّضوا، طبعاً، لخطر أكبر بكثير.
  • العملية الليلية والحوادث الأُخرى التي وقعت في الفترة الأخيرة تزيد في حدة ما هو مفروغ منه - أيادي الجيش الإسرائيلي في المناطق ليست مكبلة. هذا الكلام هو هراء مطلق من صنع مغني الراب "الظل" (هو مغنٍّ إسرائيلي وناشط سياسي يميني) واليمين المتشدد. تعليمات إطلاق النار واسعة النطاق للغاية، وتترك القرار في أيدي القادة والجنود. لكن القادة بصورة عامة يعرفون كيف يركزون على الهدف الأساسي - في هذه الحالة، اعتقال المطلوب- وليس على تعداد جثث المسلحين. لو لم يُشرح للمقاتلين سلّم الأولويات، لكانت تلك الليلة انتهت مع عشرة قتلى من الفلسطينيين، من دون أن تجد النيابة العامة العسكرية ومكتب التحقيق الجنائي عيباً في سلوك المقاتلين.
  • طرقات الضفة تشهد مناوشات من نوع آخر. ازدياد الهجمات على السيارات الإسرائيلية يؤدي إلى شعور المستوطنين بعدم الأمان، ويضغط على القادة كي يتحركوا. عدد من الكمائن على جانبي الطرقات ينتهي بإطلاق النار على راشقي الحجارة والزجاجات المشتعلة، وأغلبيتهم من الأولاد والشباب.