العاصفة الجديدة بشأن مذبحة الطنطورة تثبت أن الجانب الفلسطيني ما زال غارقاً في هدف إيجاد أدوات مناكفة سياسية جديدة تُستخدم من أجل المساس بإسرائيل
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

  • مؤخراً، ثارت مرة أُخرى عاصفة بشأن قضية الطنطورة، وذلك في إثر فيلم وثائقي جديد تضمن اعترافات لجنود الجيش الإسرائيلي بأنهم شاركوا في مذبحة ارتُكبت بحق سكان القرية سنة 1948. وهكذا يثبت من جديد أن "قصة 1948" لم تنتهِ قط، وأنها ما زالت تصوغ حياة الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني، لكنها مرفقة بمقاربة ثابتة يقوم فيها أحد الطرفين [الإسرائيلي] بجلد ذاته، في حين أن الطرف الثاني [الفلسطيني] يرفض أن يقوم بأي نقد ذاتي.
  • لا شيء جديداً في هذا النقاش الذي أثيرَ من جديد. وكانت المحكمة، التي بحثت قبل 20 عاماً في أطروحة البحث التي كتبها تيدي كاتس في هذا الشأن، بعد أن رفع جنود لواء ألكسندروني دعوى ضده بشبهة قيامه بنشر كاذب، قد أثبتت أن البحث كان ممتلئاً بالتزوير، ولا سيما الفارق الشاسع بين الأمور التي كُتبت وتلك التي قيلت على لسان شهود عرب، لكن هذه المحكمة لم تقرر بتاتاً عدم وقوع مذبحة.
  • إن النقاش الحالي هو حلقة إضافية في الخطاب الذي يجري في إسرائيل منذ منتصف الثمانينيات، حين بدأ يتطور تيار المؤرخين الجدد الذي يجري في إطاره اتباع خطاب نقدي بشأن تاريخ إسرائيل. غير أن ما ينبغي قوله هو أن الهجمة الفورية، التي تقوم بها محافل سياسية تتسلح منذ البداية بأدلة عن الطابع السلبي لإسرائيل وجرائمها التاريخية، تحبط مسبقاً أي نقاش موضوعي بشأن ذاكرة 1948. كما أن مطالبة الفلسطينيين بفتح تحقيق دولي في هذه القضية ودعوة أعضاء كنيست من القائمة المشتركة إلى تخليد الحدث تشهدان على أن هناك غياباً للاهتمام بالحقيقة المتوازنة بشأن الماضي، وأن الهدف هو إيجاد أداة مناكفة سياسية جديدة تُستخدم من أجل المساس بإسرائيل والتشكيك بالسردية التاريخية السائدة لدى الجانب اليهودي.
  • ولعل الأهم من كل هذا أنه يبرز في أوساط الفلسطينيين، ولا سيما في أوساط الكثيرين من الجمهور العربي في إسرائيل، تمسُّك برواية أحادية البعد مديدة الأعوام تحدّد طرفاً واحداً مطالباً بالاعتراف بجرائمه التاريخية، بينما الآخر نظيف منها وغير مطالَب بأي مراجعة نقدية للمذابح التي ارتكبها على مدى الأعوام، ولإعلانات زعمائه في سنة 1948 بأنهم سيبيدون الييشوف اليهودي، الأمر الذي أثّر بالطبع في وعي اليهود وأفعالهم، وكذلك مراجعة إجراءات عدائية ورافضة تم اتخاذها على غرار رفض مشروع التقسيم في سنة 1947، وهي إجراءات تنطوي على مسؤولية جسيمة عن وقوع الصدمة التاريخية التي ما زال الفلسطينيون يعانون جرّاء تداعياتها حتى يومنا هذا.
  • في رأيي، السؤال الذي يجب أن يُطرح ليس ما إذا وقعت بالفعل مذبحة في الطنطورة، وواضح أنه من الحيوي أن تنبش إسرائيل في جراح ماضيها حتى لو لم يكن الفلسطينيون يفعلون هذا، إنما السؤال هو كيف أن جهداً إيجابياً يصبح في أساسه حملة أحادية البعد تتحرك بقوة فكر وأهداف سياسية. ويبرز في هذا السياق باحثون يدّعون أنهم "كاشفون للمظالم التاريخية"، لكنهم يستندون عملياً إلى قوة استنتاجات تبلورت مسبقاً من دون تطلُّع إلى هدف بلورة صورة متوازنة، وهو ما يستلزم منهم الغوص أيضاً في أرشيفات عربية (المفتوح منها قليل)، وبالطبع إتقان اللغة العربية. إن ما يحدث عملياً في ظل غياب مثل هذا المسار هو أن ما يُفترض به أن يكون بحثاً تاريخياً مهنياً يصبح دعاية تشبه محاولة وصف الحرب العالمية الثانية، مع التركيز التام على المعاناة التي عايشها سكان اليابان وألمانيا.
  • ثمة مَن يتمسك بادعاءات فحواها أن الفلسطينيين ما زالوا ضحايا الصراع، وبناءً على ذلك، من غير الممكن مطالبتهم بنقد ذاتي، غير أن مثل هذه الادعاءات يصبح مسوغات ليس من شأنها إيجاد حوار، بل إنها تصعّب على الفلسطينيين إمكان التصدي لأخطائهم التاريخية. وربما حان الوقت من أجل نشوء "مؤرخين جدد" يتكفلون بتحرير الخطاب العقيم المتحجر بين الشعبين، وبالدفع قدماً بكل ما من شأنه المساهمة في بحث مستقبل الفلسطينيين الذي ما زال غائباً في هذه اللحظة.