الهجمات السيبرانية لن تُسقط النظام الإيراني
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- شكّل آلاف السائقين الذين انتظروا هذا الأسبوع ساعات طويلة في طوابير أمام محطات المحروقات جرّاء هجوم سيبراني استهدف نظام الدفع "الذكي" الذي تستخدمه الحكومة في إيران، الأمل الذي يتطلع إليه من يسعون لإسقاط النظام في الجمهورية الإسلامية. وسارعت جهات إسرائيلية وغربية إلى التكهن بأن هجوماً كهذا يمكن أن يؤجج الرأي العام ويلحق الضرر خصوصاً بالطبقة الوسطى، ويزعزع ثقة الجمهور في النظام، ومن هناك تصبح الطريق ممهدة للثورة وللإطاحة بالسلطة، أو على الأقل إجبارها على المضي قدماً بالمفاوضات المتعلقة بالمسألة النووية.
- وعلى الرغم من إخفاقات الماضي فإن استراتيجيا إسقاط النظام في إيران بواسطة الشارع كوسيلة لوقف المشروع النووي، لم يُفقد الأمل منها بعد. وقد تجلت هذه الاستراتيجيا في السنة الماضية من خلال سلسلة أعطال ضربت خدمات القطار ومحطات الطاقة في إيران، بالإضافة إلى الهجمات المركزة على المنشآت النووية، مثل المنشأة في نتانز. لكن الجمهور الإيراني لم يعد منذ وقت طويل ينتظر هجمات سيبرانية كي يفقد الثقة في النظام أو كي يخرج للتظاهر ضده. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2019 عندما قررت حكومة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني تقليص الدعم خرج آلاف المواطنين إلى الشوارع احتجاجاً على رفع سعر ليتر البنزين من عشرة إلى 13 سنتاً، وقُتل خلال المواجهات 150 شخصاً على الأقل وجُرح واعتُقل الآلاف.
- لكن نظام آيات الله بقي على حاله. ومن أجل التخفيف من وقع القرار، قررت الحكومة التعويض مباشرة على العائلات المحتاجة وزيادة حصة البنزين المدعوم البالغة 100 ليتر شهرياً والتي يحق لكل سائق الحصول عليها بواسطة بطاقات ذكية شهرية، يمكن الدفع من خلالها لمحطات الوقود. أمّا من يحتاج إلى كميات إضافية فيتعين عليه أن يدفع ثمنها 26 سنتاً لليتر، وهو سعر مدعوم أيضاَ.
- ويوم الثلاثاء الماضي عندما علم المواطنون في إيران أن محطات الوقود تعرضت لهجوم وأنهم لن يتمكنوا من استخدام بطاقاتهم الذكية فسروا ذلك فوراً بأنه مؤامرة حكومية لرفع الأسعار من جديد، وإجبارهم على شراء الوقود بثمن كامل، بينما لم يتوقف تزويد المحطات بالوقود لأن ذلك لا يتطلب استخدام بطاقات ذكية. ولم يُقنع توضيح الحكومة بأن ما جرى هو هجوم خارجي يهدف إلى المس بالدولة والنظام الجمهور الإيراني الذي وجّه انتقادات مباشرة للحكومة.
- بخلاف آمال الذين خططوا للهجوم السيبراني على محطات الوقود، لم يخرج آلاف المواطنين إلى الشوارع للتظاهر احتجاجاً، وخلال أقل من يوم عاد معظم محطات الوقود إلى العمل كالعادة...
- من لا يزال يعتقد أن الهجوم على أهداف مدنية سيعمق عدم الثقة في الحكومة والنظام فهو لم يقتنع على ما يبدو بأن الجمهور الإيراني سبق وأعرب عن إحباطه ويأسه من النظام في الانتخابات الأخيرة. فرسمياً، شارك فقط 40% ممن يحق لهم الاقتراع في انتخابات حزيران/يونيو الماضي، لكن التقديرات الحقيقية لنسبة المشاركة تتأرجح بين 20 إلى 28% فقط. ومع ذلك لا يزال النظام الإيراني يحظى بالاعتراف الدولي ولا مفر من إجراء المفاوضات النووية معه.
- وتبدو الفرضية القائمة على وجود فرصة لاستبدال النظام الإيراني أو إسقاطه بواسطة هجمات موضعية غير واقعية في هذه المرحلة. وفي الوقت عينه فإن نيات إيران بشأن الاتفاق النووي ليست منفصلة عن الضغوط الداخلية والشعبية والسياسية. إذ إن إعلان وزير الخارجية الإيراني استئناف المفاوضات النووية قبل نهاية تشرين الثاني/نوفمبر من دون أن يحدد تاريخاً معيناً لم يأتِ نتيجة الهجوم على محطات الوقود، لكنه استند إلى الموازنة بين الإنذارات الأميركية-التي لا تعبّر فقط عن نفاذ الصبر بل أيضاَ عن التوجه نحو صوغ استراتيجيا جديدة مع الدول الأوروبية ضد إيران إذا لم تعد إلى طاولة المفاوضات-والضغوط الاقتصادية واحتمال الربح مع مرور الوقت.
- وكان وزير الخارجية الإيراني قد طالب الولايات المتحدة بتسوية عشرة مليارات دولار موجودة في المصارف لديها ولدى دول أُخرى كبادرة حسن نية، بالإضافة إلى الحصول على ضمانات من الولايات المتحدة ومن الدول المشاركة في الاتفاق بعدم فرض عقوبات على إيران. وهذه المطالب، لا تدل فقط على نقاط الخلاف التي بقيت بين الأطراف في المحادثات النووية، بل تدل في الأساس على أن الهدف الذي تسعى إليه إيران من خلال المفاوضات هو اقتصادي وليس عسكرياً.
- حالياً، يبدو موقف إيران من معاودة المفاوضات من حيث توقفت غامضاً، والسؤال هل إن إيران في ظل حكم رئيسي مستعدة للموافقة على الاتفاقات التي تحققت حتى الآن، أم إنها تريد العودة من جديد إلى البنود التي اتُفق عليها في المحادثات الأخيرة في حزيران/يونيو. وفي هذا الإطار ذكر دبلوماسي أوروبي من الدول المشاركة في المفاوضات لصحيفة "هآرتس" أنه فيما يتعلق بالعقوبات يبدو أن الرئيس بايدن مستعد لإبداء مرونة وهو فعلاً رفع عقوبات معينة عن مؤسسات وشخصيات إيرانية....
- ولا يبدو أن إعلان وزير الخارجية الإيراني استئناف المفاوضات في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر يضمن التوصل إلى نتيجة خلال وقت قصير، كما لا يضمن عدم عودة إيران إلى ممارسة سياسة التأجيل التي تميزت بها في فترة حكم أحمدي نجاد. لكن بالمقارنة مع العقد الماضي، فإيران الآن في وضع اقتصادي صعب للغاية. فإذا كانت التظاهرات الضخمة التي جرت في أعقاب انتخاب أحمدي نجاد في 2009 طالبت بالديمقراطية، وحقوق الإنسان وإلغاء فوزه في الانتخابات-الذي اعتمد على التزوير-فإن الاحتجاج اليوم سيكون اقتصادياً ومن الصعب جداً لجمه وقمعه.
الكلمات المفتاحية