بعد مرور 48 عاماً على نشوب حرب الغفران [حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973]، وبعد كتاب الالتماس الذي قدمه مركز حرب يوم الغفران والمحامي بني بيرتس إلى المحكمة العليا، رُفعت السرية عن محاضر جلسات المجلس الوزاري المصغر والحكومة التي شاركت فيها رئيسة الحكومة آنذاك غولدا مئير، كما جرى الكشف عن أجزاء من يوميات مدير مكتب رئيسة الحكومة. ويُظهر محتوى الوثائق الأجواء التي كانت سائدة خلال أيام الحرب، بدءاً من الفوضى التي كانت سائدة في الأيام الأولى للقتال وحالة النشوة التي سادت بعد انقلاب موازين القتال لاحقاً.
يكشف أحد المحاضر التي كتبها مدير مكتب رئيسة الحكومة صباح السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أي بعد يوم من بدء الهجوم المصري السوري المنسَّق على إسرائيل، أن غولدا مئير قالت بعد أن اتضح لها حجم الكارثة: "هم لن يتوقفوا عند خط وسيهاجموننا ويتحركون نحو خط آخر ويهاجموننا"، وتابعت: "العون الضئيل الذي نحصل عليه من العالم سيختفي، وسيرموننا إلى الكلاب. هم لا يحبون اليهود أبداً، وبالتأكيد لا يحبون اليهود الضعفاء". نموذج آخر عن حالة الهلع التي كانت سائدة آنذاك استخدام غولدا مئير كلمة "SOS" في حديث أجرته مع إيهود باراك الذي كان يومها قائد فرقة مدرعات.
في محضر آخر في اليوم التالي كشف رئيس الموساد آنذاك تسفي زامير أنه بلّغ غولدا مئير في 5 تشرين الأول/أكتوبر، أي قبل يوم من اندلاع الحرب، أنه التقى في لندن العميل الرفيع المستوى أشرف مروان الذي كان مقرباً من الرئيس المصري أنور السادات، وأن هذا الأخير حذّره من نشوب حرب وشيكة، لكن تقدير الاستخبارات الإسرائيلية أن هذا لن يحدث. أشرف مروان كان الوحيد الذي حذّر من ذلك، زامير أرسل برقية في هذا الشأن، لكن جرى تجاهلها من المسؤولين الإسرائيليين بصورة كاملة.
وتصف المحاضر كيف صوّر السكرتير العسكري لغولدا مئير العميد يسرائيل ليؤر الهجوم الإسرائيلي في الجنوب كهجوم ناجح، وادعى أن المنظومة العسكرية المصرية على وشك السقوط، وهو ما يشير إلى حالة النشوة التي كانت سائدة في إسرائيل وعدم الانتباه إلى التغير الذي طرأ على موازين القوى مقارنة بحرب الأيام الستة. وفي نهاية الأمر اتضح أن ما قاله العميد ليؤر، ليس صحيحاً وأن الهجوم الإسرائيلي فشل.
في المحاضر التي كُشفت عن جلسة المجلس الوزاري المصغر في 12 تشرين الأول/أكتوبر، بعد أن نجحت إسرائيل في دفع السوريين إلى خارج هضبة الجولان شمالاً، وتكبُّدها هزيمة في الجبهة الجنوبية، حيث اجتازت القوات المصرية قناة السويس، اقترح اللواء حاييم بار ليف، الذي كان قائداً للمنطقة الجنوبية، عملية عسكرية خطرة. في ذلك الوقت وصلت معلومات إلى رئيس الموساد عن أن المصريين يريدون البدء بالمرحلة الثانية من الهجوم، والتي تتضمن وصول قواتهم إلى غربي قناة السويس ومهاجمة معبر متلا غربي شبه جزيرة سيناء. تُظهر الوثائق أن إسرائيل أرادت حدوث هذه الخطوة بعد معرفة رؤسائها بأنهم قادرون على ضرب الدبابات المصرية. وكانت هذه المعلومة مهمة للغاية، ومن دونها لكانت إسرائيل خسرت المعركة.
في المحضر الذي حُرِّر بتاريخ 9 تشرين الأول/أكتوبر، أجرى وزير الدفاع موشيه دايان عملية "نقد ذاتي"، وأعرب عن استغرابه من عدم وجود إنذار، وكيف نجح المصريون في عبور قناة السويس. ومما قاله دايان: "لم نقدّر بصورة صحيحة قدرة المصريين القتالية". وقالت غولدا مئير أنه يجب التحقيق في الموضوع وتوضيحه. بعد يوم من ذلك التقى رئيس الموساد مرة أُخرى العميل أشرف مروان الذي أخبره أن السادات لن يوافق على وقف إطلاق النار، لأنه يفترض أن إسرائيل لن تصمد في الحرب لوقت طويل، الأمر الذي سيكون لمصلحته. وحصل زامير على معلومة إضافية من مروان تتعلق بهدف مصر من الحرب، الأمر الذي ساعد كثيراً في تحديد استراتيجية إسرائيل في الحرب.
وفي محاضر جلسة الحكومة التي عُقدت مساء 21 تشرين الأول/أكتوبر، تحدثت رئيسة الحكومة عن الخسائر الكبيرة التي تكبدتها إسرائيل في الحرب، وعن شعب إسرائيل، إذ الكل يعرف الكل، وبحسب كلامها: "هناك أمران يمتاز بهما الشعب اليهودي: البطولة، وعدم القدرة على تحمُّل الخسائر. نحن عائلة واحدة، وعندما يسقط فرد من هذه العائلة أرى التوتر يتصاعد". ولاحقاً، ادعت مئير في كلامها أنها اتخذت عدة قرارات صحيحة منعت سقوط المزيد من القتلى الإسرائيليين، مثل قرار التركيز على القتال في سورية وعلى عبور قناة السويس. وفي رأيها، أن هذه القرارات وفرت خسائر وجعلت إسرائيل في وضع متساوٍ مع العرب.