عشر سنوات على الحرب الأهلية السورية: الدرس الإسرائيلي
المصدر
يسرائيل هيوم

صحيفة يومية توزَّع مجاناً وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية. صدرت للمرة الأولى في سنة 2007، مالكها شيلدون أدلسون، وهو من الأصدقاء المقرّبين من بنيامين نتنياهو، وتنتهج خطاً مؤيداً له. ونظراً إلى توزيعها المجاني، فقد تحولت إلى الصحيفة الأكثر توزيعاً في إسرائيل.

  • الحرب الأهلية في سورية، والتي بدأت كثورة شعبية في محافظة درعا في آذار/ مارس 2011، أخذت إسرائيل على حين غرة. لم ينجح أي جهاز من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية المعروفة بقدراتها الممتازة والمتطورة في توقّع التطورات الداخلية المفاجئة في سورية والحرب الأهلية التي استمرت سنوات عديدة.
  • في الواقع، أدت الثورة الشعبية في سورية إلى انهيار عقيدة إسرائيل الأمنية حيال جارتها في الشمال. في البداية يبدو أن الإسرائيليين أمِلوا بانتهاء الاضطرابات في سورية كما بدأت، لكن سرعان ما تبين أن الواقع أكثر تعقيداً بكثير، ومع مرور الزمن ازداد عدد اللاعبين وازدادت المصالح في سورية. بعد الصدمة الأولى، كان الرأي السائد في قيادة المنظومة الأمنية كما عبّر عنه وزير الدفاع حينئذ إيهود باراك أن زمن حكم بشار الأسد قد حُسم، وأن سقوطه هو مسألة وقت.
  • احتاجت إسرائيل إلى  وقت كي تبلور سياستها إزاء سورية، وخلال فترة طويلة بدا أنها لا تقوم بالتعديلات المطلوبة. من أبرز النماذج على ذلك استمرار قوات الجيش الإسرائيلي في التدرب على احتلال مواقع الجيش السوري، والتأهب على طول الحدود لمواجهة تهديد لم يعد موجوداً. أيضاً الأجهزة الاستخباراتية التي جمعت معلومات عن الجيش السوري النظامي أصبحت في فترة معينة غير ذات صلة، واضطرت إسرائيل إلى إيجاد طرق جديدة لجمع المعلومات عن تهديدات جديدة على صورة تنظيمات إرهابية متعددة على الحدود، بما فيها تنظيم داعش وجبهة النصرة.
  • في البداية، كان أحد المخاوف الكبيرة في الجانب الإسرائيلي هو موجة اللاجئين الذين يحاولون الدخول إلى أراضي دولة إسرائيل فراراً من الفظائع التي تدور وراء الحدود. نتيجة ذلك أُعطيت التوجيهات إلى القوات التي كانت على الأرض بعدم السماح باجتياز الحدود إلى إسرائيل إلّا في حالات "طارئة جداً" يجري بحثها على حدة.
  • مع مرور الوقت، أدرك القادة على الأرض، وبينهم اللواء تامير هيمن وقائد المنطقة اللواء يائير غولان (عضو كنيست حالياً)، أنهم لا يستطيعون الوقوف مكتوفي الأيدي وترك المتمردين يموتون أمام أعينهم. في شباط/فبراير 2013 نشرت "يسرائيل هَيوم" خبراً عن نشوء توتر بين اللواء غولان وبين رئيس الأركان آنذاك بني غانتس بعد موافقة قائد المنطقة على دخول جرحى سوريين إلى أراضي إسرائيل من دون إعلام رئيس الأركان. وكان التخوف الكبير من أن ما جرى يمكن أن يشكل مقدمة لدخول اللاجئين إلى إسرائيل. لكن لاحقاً، تطورت سياسة معالجة الجرحى السوريين، التي بدأت بمبادرة محلية من القادة على الأرض، وتحولت إلى أن وصلت في سنة 2016 إلى إقامة إدارة "حسن الجوار" التي عالجت آلاف الجرحى السوريين.
  • الفوضى الهائلة دفعت المسؤولين الرفيعي المستوى في القيادة الشمالية والجيش الإسرائيلي أيضاً إلى تنظيم المنطقة بصورة مختلفة وإيجاد وسائل للتأثير في الواقع. واعتُبرت المساعدة المقدمة إلى السكان المحليين السوريين فرصة لإقامة علاقات مع الجيران السوريين تساعد، من بين أمور أُخرى، على الحصول على معلومات استخباراتية، وإيجاد منطقة آمنة وعمق سياسي، وتمنع وقوع هجمات، وتوجد إمكانات لمواجهة حالة عدم اليقين.
  • في مرحلة معينة بدأ إطلاق النار والقتال الداخلي في سورية ينزلق إلى أراضي إسرائيل. في البداية كانت التوجيهات بعدم فتح النار في اتجاه الجيش السوري، لكن مع ازدياد حوادث الانزلاق إلى أراضي إسرائيل، تغيرت السياسة وأُعطيت الأوامر بتدمير مصادر إطلاق النار الذي ينزلق إلى إسرائيل.
  • التغيرات في سورية كانت أحد الدوافع لإقامة جدار "ساعة الرمل" على طول الحدود السورية، وأيضاً إقامة لواء إقليمي في الجيش على طول الحدود، الفرقة 210 المعروفة باسم فرقة باشان. في الخلاصة، نجح الجيش الإسرائيلي خلال بضع سنوات في وضع استراتيجيا وممارسات تكتيكية لمواجهة الحوادث في الجانب الآخر من الحدود، وفي نهاية الأمر لم تقع هجمات كبيرة ضد إسرائيل طوال تلك الفترة.
  • كما هو معروف، على الرغم من التوقعات الإسرائيلية بشأن سقوطه، فإن الرئيس الأسد بدأ في الفترة 2013-2015 بالحصول على مساعدة غير متوقعة من جانب حزب الله وإيران والروس. كل هذه الأطراف، وخصوصاً الروس، رجحوا كفة النظام ونجح الأسد في الصمود. في سنة 2018 فرض الروس اتفاقات مصالحة وقّعتها أيضاً القرى والبلدات المحاذية للحدود الإسرائيلية. إسرائيل من جهتها أغلقت إدارة "حسن الجوار"، وطالبت بشدة بالعودة إلى اتفاقية فك الاشتباك العائدة إلى سنة 1974.
  • في هذه الأيام يمر الجيش السوري بعملية إعادة تأهيل، ويتسلح في الأساس بمنظومات دفاعية جوية، ولديه عدد أقل من الفرق المدرعة التي كان يتميز بها في الماضي. وعلى الرغم من استياء إسرائيل فإن حزب الله موجود في عمق عملية إعادة بناء الجيش السوري، في الأساس من خلال هيئة تسمى "القيادة الجنوبية" التي تساعد الجيش السوري في عملية إعادة بنائه، وتقدم موارد من أجل هذا الغرض. التخوف الإسرائيلي هو من محاولة حزب الله فتح جبهة إضافية في مواجهة إسرائيل على الحدود السورية. لا يمكن تجاهُل وجود توتر ما وراء الحدود بين روسيا وإيران اللتين تهتم كل واحدة منهما بتعزيز نفوذها ومصالحها في سورية.
  • صحيح أن إسرائيل من ناحيتها أغلقت إدارة "حسن الجوار"، لكنها تواصل عملياتها في سورية بوسائل أُخرى. الاستراتيجيا الإسرائيلية تعتمد حالياً على مبدأين أساسيين: الأول هو دفاع قوي على طول الحدود بواسطة لواء باشان، وهو حالياً بقيادة العميد رومان غوفمان؛ الثاني هجمات إسرائيلية ما وراء الحدود، في الأساس ضد مواقع تمركُز إيرانية، وضد تهريب وسائل قتال متطورة إلى المنطقة.
  • في الخلاصة، بعد مرور عشر سنوات على بدء الحرب الأهلية السورية من الخطأ القول إن هذه الحرب انتهت. صحيح أنها غيرت شكلها وأساليبها، لكن عملياً الهجمات الوحشية ما وراء الحدود مستمرة، وكل شهر يُقتل عشرات الأشخاص في سورية. أيضاً الاستقرار غير المضمون مع مرور الوقت، والذي أوجده الأسد حصّن نظامه حتى الآن، لكنه لم يُرسخ مستقبله.
  • على أي حال، لا شك في أن سورية عموماً، والمنطقة القريبة من الحدود الإسرائيلية خصوصاً، ستظل منطقة مضطربة ومنكوبة لسنوات عديدة. الدرس الإسرائيلي من سلسلة الحوادث هذه أن القدرة على التنبؤ بالسيناريوهات القريبة والبعيدة هي في نهاية الأمر توازي الصفر.
 

المزيد ضمن العدد 3522