هل طرأ تغيير على جهوزية حزب الله في المواجهة مع إسرائيل؟
تاريخ المقال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
–
مباط عال
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- يبرز مؤخراً ارتفاع في درجة جهوزية حزب الله في المخاطرة حيال إمكان خوض مواجهة عسكرية مع إسرائيل. يمكن أن نعزو ذلك إلى انتهاء فترة ضبط النفس التي فرضها الحزب على نفسه في الأشهر الأخيرة من ولاية إدارة ترامب. لقد تجلى هذا الأمر بعد تبدُّل الإدارة في الولايات المتحدة، في الأساس في تنفيذ حزب الله تهديداته من خلال محاولة المس بطائرات إسرائيلية في سماء لبنان، بعد فترة طويلة من الامتناع من القيام بذلك (منذ تشرين الأول/أكتوبر 2019)، عندما أطلق في 3 شباط/فبراير صاروخاً مضاداً للطائرات (أخطأ هدفه) ضد مسيّرة إسرائيلية. ناطقون بلسان الحزب تباهوا بذلك واعتبروه دليلاً على الإصرار على منع عمليات إسرائيل في المجال الجوي اللبناني والمحافظة على معادلة الردع إزاءها.
- يبدو أن الصعود درجة في جرأة حزب الله منسَّق مع إيران وينبع من تقدير الحزب بأن إسرائيل مشغولة بشؤونها الداخلية بسبب تداعيات الكورونا والأزمة السياسية وليست متفرغة لخوض معركة عسكرية محفوفة بالمخاطر، بالإضافة إلى الفرصة التي برزت في أعقاب تبدُّل الإدارة في الولايات المتحدة.
- يُذكر أنه في الأشهر الأخيرة لإدارة ترامب، كان واضحاً أن الحزب يتوخى الحذر في عملياته على طول الحدود الإسرائيلية - اللبنانية، ويلاقي صعوبة في ترسيخ معادلة الردع التي تعهد نصر الله بتحقيقها بالقوة في مواجهة الجيش الإسرائيلي، ومن ضمن ذلك:
- بعد محاولتين انتقاميتين فاشلتين، امتنع حزب الله من القيام بالعملية التي وعد بتنفيذها ضد إسرائيل رداً على مقتل أحد مقاتليه في سورية (تموز/يوليو 2020). الإنجاز الوحيد الذي كان نصر الله قادراً على تقديمه في هذا الإطار هو العبء الذي تحمّله الجيش الإسرائيلي جرّاء استمرار التوترات على الحدود مع لبنان، وهذا ما دفعه إلى زيادة قواته. نصر الله نسب حالة التأهب هذه إلى قوة ردع حزب الله ومخاوف الجيش الإسرائيلي من قوته.
- عدم وجود رد لحزب الله على الهجمات الواسعة، التي نُفّذت مؤخراً ونُسبت إلى إسرائيل، على أرصدة للحزب في سورية، واستهدفت منع انتقال عتاد حربي من إيران وضرب بناه التحتية في هضبة الجولان.
- امتنع حزب الله من القيام بأي عملية ضد إسرائيل على طول الحدود اللبنانية بعد اغتيال عالم الذرة الإيراني محسن فخري زادة (تشرين الثاني/نوفمبر 2020)، والذي نُسب إلى إسرائيل، بحجة أن الرد يجب أن يأتي من الطرف الذي تعرض للهجوم، أي إيران. ويبدو أن إعلان هذا الموقف هدفه أيضاً تهدئة الانتقادات الداخلية في لبنان بأن الحزب يخدم إيران.
- في الخطاب الذي ألقاه نصر الله في 16 شباط/فبراير (في ذكرى وفاة الأمين العام السابق للحزب عباس الموسوي الذي اغتالته إسرائيل) بحث نصر الله في إمكانات مواجهة مع إسرائيل، من خلال التطرق إلى خطاب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي في المؤتمر السنوي لمعهد دراسات الأمن القومي (26 كانون الثاني/يناير)، وإلى تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية التي نُشرت مؤخراً إزاء إمكان وقوع جولات من "أيام قتال". كلامه شدد على الأهمية التي يعزوها إلى ترسيخ معادلة الردع إزاء إسرائيل، وعلى إصرار الحزب - على الرغم من أنه لا يريد حرباً- على الرد بعنف على أي عملية إسرائيلية. فيما يتعلق بكلام رئيس الأركان كوخافي بشأن مشروعية الجيش الإسرائيلي في الدفع قدماً بهجوم "تقليدي وفعال" على مخازن صواريخ حزب الله المخبأة وسط السكان المدنيين في لبنان، حذّر نصر الله من أنه إذا هاجمت إسرائيل مواطني لبنان فإن ذلك سيؤدي إلى إلحاق ضرر كبير بالجبهة الداخلية الإسرائيلية - الأخطر منذ سنة 1948، متذرعاً بأن مواطني إسرائيل هم جنود في الاحتياط. بالنسبة إلى التقدير بأن حزب الله مهتم بـ"أيام قتال" في مواجهة الجيش الإسرائيلي أوضح نصر الله أن "إسرائيل تلعب بالنار" عندما تعتقد أن تبادل ضربات بين الطرفين سيكون محدوداً ولن يشعل معركة واسعة، وأنه على الرغم من عدم رغبته في مواجهة، فإذا حدثت سيرد الحزب بحرب رهيبة.
- فيما يتعلق بالولايات المتحدة - صحيح أن إدارة بايدن لم تستكمل بعد عملية بلورة مواقفها إزاء الساحة اللبنانية، وتحديداً حيال حزب الله، لكن يبدو أن الحزب، مثل راعيته إيران، يقدّر أن هناك نافذة فرصة للدفع قدماً بمصالحه في ضوء التغير المتوقع في سياسة بايدن مقارنة بالسياسة التي قادها الرئيس ترامب إزاء المحور الشيعي. لقد أيدت إدارة ترامب سياسة "الضغط الأقصى" في مواجهة حزب الله، في مقابل الضغط الذي تمارسه على إيران (توسيع العقوبات على عناصر الحزب ومؤيديه في المنظومة اللبنانية؛ تقديم المطالبة بتقليص نفوذ حزب الله في الحكومة الجديدة في لبنان (بعكس سياسة فرنسا المستعدة لقبول المكانة السياسية لحزب الله في المنظومة اللبنانية؛ الضغط على لبنان كي يبدي مرونة ويتقدم في المفاوضات مع إسرائيل على ترسيم الحدود (البحرية). في المقابل، مُنيَ حزب الله في السنة الأخيرة بإخفاقات في الساحة الدولية، تجلى ذلك في موجة جديدة من 13 دولة اعتبرته تنظيماً إرهابياً.
- في هذا السياق تجدر الإشارة إلى وثيقة أُرسلت مؤخراً إلى إدارة بايدن اشتملت على توصيات من International Crisis Group في واشنطن الذي ترأسه روبرت مالي حتى تعيينه موفداً لبايدن في الموضوع الإيراني. أوصى مالي وزملاؤه الإدارة الجديدة بتغيير وجهة النظر الأميركية فيما يتعلق بلبنان بدلاً من الدفع قدماً بإضعاف حزب الله، وانتهاج مقاربة جديدة هدفها تقوية الدولة في لبنان ومنع انهيارها، بواسطة المبادرة الفرنسية وتأليف حكومة بمشاركة الحزب.
- أيضاً في الساحة الداخلية في لبنان، وعلى الرغم من الادعاء أن حزب الله مستفيد من الشلل السياسي ويواصل تقوية قواعد قوته وسط السكان الشيعة في لبنان، فإن الواقع اللبناني الكئيب أدى إلى زيادة الانتقادات الموجهة إلى الحزب من الجمهور. يظهر ذلك في نتائج استطلاع للرأي أُجريَ في لبنان (تشرين الثاني/نوفمبر 2020) بقيادة ديفيد فولك من معهد واشنطن، والذي أشار إلى انخفاض واضح في تأييد حزب الله لدى الجمهور اللبناني، بما فيه الطائفة الشيعية في السنوات الأخيرة. أيضاً الحملة الواسعة للحزب التي شجعت على عبادة الفرد لقاسم سليماني في ذكرى اغتياله (كانون الثاني/يناير 2020) أثارت انتقادات واسعة في لبنان بأن الحزب يعمل في خدمة إيران.
- في نظرة إلى الأمام، يبدو أن التغير المحتمل في السياسة الأميركية حيال إيران (وفي نظر حزب الله من المحتمل أيضاً التغير في العلاقة مع الحزب نفسه)، بالإضافة إلى الاستمرار في التدهور في لبنان، وأيضاً مع انطباع الحزب بأن إسرائيل منشغلة بشؤونها الداخلية، كل ذلك يمكن أن يزيد من جرأته حيال إسرائيل، ويمكن أن يحاول مجدداً تنفيذ الهجوم الانتقامي الذي وعد به، والذي يمكن أن يؤدي إلى جولة مواجهة - وذلك وفق تقدير شعبة الاستخبارات. الهدف المباشر للحزب هو ترسيخ معادلة الردع، لكن يبدو أن تجدد المواجهة على الحدود الإسرائيلية - اللبنانية، في رأيه، يمكن أن تخدمه أيضاً في تحسين صورته في الساحة الداخلية كـ"درع للبنان"، وربما تساعد إيران بصورة غير مباشرة كرافعة في مواجهة الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة - على الأقل في هذه الفترة حتى استئناف المفاوضات في الموضوع النووي. مع ذلك، من المحتمل جداً أنه في أعقاب تجدد المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، حزب الله تحديداً سيلجم نشاطاته في مواجهة إسرائيل كي لا يخرب المحادثات التي من المفترض أن تخدم إيران.
- في ضوء ذلك، السياسة التي نوصي بها إسرائيل هي:
- بالإضافة إلى المحافظة على يقظة الجيش الإسرائيلي على الحدود الشمالية في مواجهة احتمال محاولة حزب الله تحقيق تهديداته ورفع التوترات في الأشهر المقبلة، يجب أن نفحص مجدداً طريقة الرد التي يمكن أن تخدم المصلحة الإسرائيلية بصورة أفضل. هناك إمكانان أساسيان: الحرص على رد شامل مدروس، يقيد الحوادث ويمنع التدهور إلى قتال واسع الحجم، أو استغلال الحادثة من أجل تنفيذ عملية واسعة لتوجيه ضربة قوية إلى قدرة الصواريخ الدقيقة لحزب الله، التي تشكل تهديداً استراتيجياً لدولة إسرائيل.
- نوصي بطرح الموضوع اللبناني في أقرب وقت ممكن في الحوار بين إسرائيل وبين الإدارة الأميركية الجديدة، والتشجيع على تدخلها فيما يجري في لبنان من خلال المساعدة في بلورة سياستها حياله، التي يجب أن تشمل جهدين متوازيين لا تعارُض بينهما: الاستمرار في الضغط الاقتصادي - السياسي على حزب الله، بالإضافة إلى مساعدة الدولة اللبنانية التي تقف على شفير الانهيار.