"حماس" ذكّرت الجميع بأن المسافة بين تل أبيب ودبي بعيدة، بينما غزة موجودة وراء السياج الحدودي
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- صلية الصواريخ التي أطلقتها "حماس" في أثناء توقيع الاتفاقات مع البحرين والإمارات في البيت الأبيض جسدت أمس كابوس أي رئيس حكومة في زيارة في الخارج: شاشة منقسمة إلى قسمين. ما جرى في بث مباشر هو الحلم وانكساره: من جهة بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب يعلنان بفرح مجيء السلام من دون أن يكلفا نفسيهما ذكر الفلسطينيين ولو بكلمة. ومن جهة أُخرى "حماس"، ربما بتشجيع من الدولة الممولة المتمردة قطر، تذكّر الجميع بأن المسافة بين تل أبيب ودبي هي 2670 كيلومتراً، بينما صواريخ القسام في غزة جاهزة وتهدد - حتى بعد الاختراق التاريخي - من وراء السياج الحدودي.
- إطلاق الصواريخ على أشدود أضاف سبباً لتحويل انتباه جمهور إسرائيلي متذمّر مشغول بالإعداد لعيد رأس السنة اليهودية، ومحبط من الإغلاق القريب، ويشعر بالقلق أمام المؤشرات التي تدل على أن الحكومة فقدت السيطرة في مكافحتها وباء الكورونا.
- بخلاف مواطنيه القلقين، بدا نتنياهو متأثراً فعلاً وبإخلاص وبقدر كبير من الصدق من ناحيته. صحيح أن الإمارات والبحرين لم تحاربا إسرائيل فعلاً ولا مرة واحدة، كما زعم ترامب من دون أن يصححه نتنياهو، بيْد أن إخراج العلاقات النصف سرية مع القدس إلى العلن، وتحويلها إلى علاقات سياسية واقتصادية علنية وكاملة، يشكل علامة تاريخية فارقة ستسجَّل باسم نتنياهو. لقد أثبت نتنياهو على ما يبدو حجته القديمة التي تقول إن في الإمكان تحقيق "السلام مقابل السلام" من دون الفلسطينيين، لكن الصواريخ التي أُطلقت من غزة أوضحت أن محو الفلسطينيين من الوعي لا يزيل مشكلتهم - لا بل على العكس.
- لقد كان نتنياهو متحمساً جداً في الثناء على مضيفه ترامب إلى حد الاقتراب من الخط الأحمر الفاصل بين التملق المعهود وبين التدخل في الانتخابات، وهذا لا شيء مقارنة باستعداد نتنياهو وزوجته سارة لنزع الكمامة والمخاطرة بالتعرض لوباء الكورونا، كي لا يحرجا الرئيس ترامب الذي يواصل إنكاره نجاعة الوسائل الوقائية المعتمدة في العالم.
- صحيح أن ترامب رد إلى نتنياهو الثناء والتقدير، لكنه لم ينس أيضاً أن يحرجه. فقد استغل ترامب الصورة الختامية مع نتنياهو لمهاجمة خصمه بايدن، لكن نتنياهو كان يتوقع ذلك. هو بدا متفاجئاً أكثر من رسالة ترامب قبل وبعد كل اجتماعاته في البيت الأبيض في الأمس، وهي أنه إذا انتُخب سيحقق اتفاقاً نووياً مع إيران "خلال شهر". من الواضح أن نتنياهو بذل جهداً للمحافظة على وجه إيجابي مبتسم في الوقت الذي ذهب فيه ترامب بعيداً في الحديث عن رؤياه للجنة الأميركية - الإيرانية، التي لا يشاركه فيها نتنياهو بالتأكيد.
- بخلاف ضيفه الإسرائيلي، ترامب لم يحظَ بشاشة منقسمة. لسبب بسيط هو أن قنوات البث الأميركية خصصت أقل وقت ممكن لتغطية الحدث التاريخي المتشكّل بين إسرائيل ودول الخليح وانتقلت إلى المحن الداخلية. لو أرادت هذه القنوات لما وجدت صعوبة في نقل التناقض المطلق والباعث على الغضب بين جو القمة في البيت الأبيض وبين الحرائق التي تلتهم غرب الولايات المتحدة بسبب أزمة المناخ التي ينكرها ترامب، والتوترات المتصاعدة في العلاقات بين البيض والسود التي يغذيها ترامب ويؤججها، أو أكثر من 200 ألف أميركي توفي حتى الآن بمرض الكورونا.
من المحتمل أن تهدُّج الصوت غير المعتاد في الخطاب الطويل الذي ألقاه نتنياهو عكس أكثر من مجرد انفعال تجاه صنع السلام. يعلم نتنياهو بأن مصير ترامب ووضعه سيُحسمان خلال أقل من شهرين. من الصعب على نتنياهو أن يتحمل فكرة أن عهده الذهبي مع ترامب سيختفي كأنه لم يكن موجوداً، وأن ما سيحل محله عهد بايدن، وكل شيء سيعود إلى نقطة البداية. يدرك نتنياهو جيداً أنه عندما سيذهب ترامب فإن جزءاً منه سيذهب معه، إذا لم يكن كله.