حرب النفط في سورية
المصدر
معهد السياسات والاستراتيجيا – جامعة ريخمان، المنظّم لمؤتمر هرتسليا السنوي

من معاهد الدراسات الاستراتيجية المعروفة، ولا سيما المؤتمر السنوي الذي يعقده ويشارك فيه عدد من الساسة والباحثين المرموقين من إسرائيل والعالم. يُصدر المعهد عدداً من الأوراق والدراسات، بالإضافة إلى المداخلات في مؤتمر هرتسليا، التي تتضمن توصيات وخلاصات. ويمكن الاطّلاع على منشورات المعهد على موقعه الإلكتروني باللغتين العبرية والإنكليزية.

– "أضواء على روسيا في الشرق الأوسط"

 

  • بعد نحو عامين على الإعلان المفاجىء للولايات المتحدة سحب القوات الأميركية من سورية، تعمل شركات النفط الأميركية على ترسيخ وجودها في شمال - شرق سورية وتوقّع اتفاقات مع القيادة الكردية (قوات سورية الديمقراطية) رغماً عن استياء الروس. لقد نجحت موسكو في تحقيق السيطرة على أغلبية المناطق السورية لمصلحة نظام بشار الأسد، لكن حقول النفط الموجودة في شمال - شرق سورية ستبقى في الوقت الراهن خارج نطاق سيطرة الأسد وحلفائه. بالنسبة إلى روسيا، ما يجري هو نقطة ضعف مهمة وعقبة  في طريق تحقيق أهدافها في سورية: السيطرة على كل الأراضي، إضعاف اللاعبين الآخرين، والسيطرة على الموارد الطبيعية، مثل الغاز والنفط والفوسفات. كذلك بقي خارج السيطرة محور المواصلات المهم في شمال شرق سورية، والذي يُستخدم لنقل الغاز السوري إلى أوروبا، وأيضاً للربط بين إيران وكردستان وتركيا وسورية.
  • الاتفاق الأخير المتعلق بتحديث حقول النفط في شمال شرق سورية بين الأكراد والشركة الأميركية DELTA CRESCENT، والذي وُقّع قبل بضعة أيام، أثار ردوداً غاضبة، بصفة خاصة في الكرملين. بالاستناد إلى ما نشرته وسائل الإعلام الأميركية، يمنع أحد بنود الاتفاق المذكور قوات سورية الديمقراطية من تقاسم أرباح استخراج النفط مع نظام بشار الأسد. الممثل الدائم لروسيا في مجلس الأمن في الأمم المتحدة  دعا مجدداً الولايات المتحدة إلى "إنهاء احتلالها للأراضي السورية وإعادة ثرواتها الطبيعية إلى الحكومة السورية المنتخبة." وتتهم روسيا الولايات المتحدة بأنها "تستخرج النفط السوري بأساليب بربرية يمكن أن تؤدي إلى كارثة بيئية في شمال شرق سورية وفي العراق."
  • المداخيل من بيع النفط من الحقول في شمال - شرق سورية تبلغ حالياً نحو 40 مليون دولار. ليس لدى الولايات المتحدة أي نية لإعادة مصدر الدخل هذا إلى يدي الأسد، ومن أجل الدفاع عن حقول النفط شرقي نهر الفرات، بدأ الأميركيون بتشكيل وحدات خاصة تجمع بين الأكراد والعرب المتعاونين مع قوات سورية الديمقراطية، وأيضاً عناصر منYPG (وحدات الدفاع عن الشعب).  الغرض منها  الرد على هجمات ميليشيات موالية لإيران تنشط في محافظة دير الزور.
  • وفي الواقع، فإن معظم النفط السوري موجود شمال شرق الدولة، أي تحت سيطرة "قوات سورية الديمقراطية". حتى سنة 2011، أنتج حقل العمر نحو 80 ألف برميل يومياً من النفط، ونحو 40 ألف برميل كانت تُستخرج من حقل التناخ في دير الزور. ويصل إنتاج النفط من أكبر حقلين في منطقة دير الزور والحسكة إلى نحو 200 ألف برميل يومياً، أي نحو 50% من إنتاج النفط السوري. وتشكل المداخيل من النفط مصدر الدخل الأساسي في سورية، وفي سنة 2008 وصل إنتاج النفط إلى ذروته، أي نحو 405 آلاف برميل يومياً، بينما وصل هذا الإنتاج في سنة 2018 إلى 240 ألف برميل يومياً (من المفيد أن نضيف إلى الأرقام الرسمية أيضاً "النفط الأسود" الذي كان يُستخرج بطريقة غير شرعية ويباع لكل مَن يريد بأسعار منخفضة).
  • في نهاية المعارك اتضح لحلفاء بشار الأسد أن أغلبية مصادر النفط موجودة حالياً خارج سيطرتهم، وخاضعة لسيطرة كردية - أميركية. من تضرر جداً من ذلك هو إيران التي لم تنجح في الدفع قدماً بالسيطرة على البوكمال والقائم، المنطقة الواقعة بين سورية والعراق من أجل خلق ممر متواصل للمواصلات  بين إيران والعراق وسورية. تواجه إيران أيضاً منافسة من جانب روسيا التي لا تسمح لها بتوقيع اتفاقات مربحة في مجال الطاقة مع دمشق. شركات النفط الروسية حصلت على حقوق التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية (وزارة الطاقة السورية قدّرت أن مخزون الغاز البحري يصل إلى نحو 250 مليار متر مكعب)، لكن التجربة اللبنانية تقدم نموذجاً على أن حقوق التنقيب لا تُترجم بالضرورة إلى أرباح مؤكدة.
  • ما هي السيناريوهات المحتملة المتعلقة بمصير حقول النفط في شمال شرق سورية في المستقبل؟
  • من الواضح للجميع أن روسيا لن تتنازل عن تجربة استعادة الأسد السيطرة على شمال شرق سورية، من أجل الحصول على أرباح من استخراج النفط في المنطقة، وأيضاً من أجل تحقيق استقرار الاقتصاد السوري. وما دامت الولايات المتحدة موجودة هناك وتدافع عن حقول النفط مع الأكراد، سيزداد الاحتكاك الحالي بين القوات الروسية والأميركية. المحاولة الأخيرة للسيطرة بالقوة على حقول النفط في شمال شرق سورية بدأت فعلياً في سنة 2018، وبحسب تقارير أجنبية، قُتل هناك عدة مئات من مقاتلي "فاغنر"، القوة العسكرية الروسية الخاصة، هذه المحاولات يمكن أن تتكرر كلما ازداد وضع سورية الاقتصادي تفاقماً.
  • مع ذلك، السيطرة الروسية على الأرض وعلى النفط في شمال شرق سورية (المقصود نحو ثلثي مساحة سورية) ممكنة فقط في حالتين - إذا قررت الولايات المتحدة التنازل عن وجودها في شمال شرق سورية وسحبت قواتها من هناك، أو في حال توصل الأطراف إلى اتفاق يسمح بتوزيع أرباح النفط بين قوات سورية الديمقراطية وبين الحكم المركزي في دمشق وشركائه الروس. وفي الحالتين، فإن محور المواصلات هذا الذي يمكن أن يربط إيران بالعراق وسورية ودول أُخرى سيكون متاحاً أكثر للإيرانيين مما هو اليوم، وهنا يكمن الخطر على إسرائيل. من المهم متابعة التطورات في هذه المنطقة الحساسة وتنسيق المواقف مع القيادة الأميركية التي ستُنتخب في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر.