فوز نتنياهو معناه نهاية إسرائيل كدولة ديمقراطية، وفوز غانتس معناه عودة التعقل والاعتدال
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- كل معركة انتخابية هي مصيرية، لكن هناك معارك مصيرية أكثر من غيرها. كل حسم بين اليمين واليسار يغير اتجاهاً ويحدد توجهاً حتى المعركة القادمة، لكن هناك حسماً لا عودة عنه. في كل معركة انتخابية يقف الجمهور أمام مفترق طرق، تنطلق منه طريقان، هدفهما النهائي متشابه، على الأقل ظاهرياً، لكن انتخابات مثل تلك التي ستجري اليوم في إسرائيل، معناها مفترق طرق نتابع منه طريقنا فقط في اتجاهين متعاكسين أهدافهما متضادة تماماً.
- المقصود هو معركة بدأت كاستفتاء شخصي على مستقبل بنيامين نتنياهو، وبمبادرة منه في الأساس، تحولت إلى معركة حسم لمستقبل دولة إسرائيل. جهود نتنياهو اليائسة للتهرب من القانون دفعته إلى إعلان حرب شاملة - على سلطة القانون، وعلى الديمقراطية، وعلى سلم القيم الذي استندت إليه. بدلاً من مواجهة الاتهامات ضده، حوّل نتنياهو ضائقته الشخصية إلى حرب ثقافية شاملة.
- تعبير "الحرب الثقافية" تحول مع مرور السنوات إلى وصف عام لكل صراع سياسي بين أقطاب أيديولوجية ذات قيم أخلاقية واجتماعية متعارضة، وهو ظهر في الحروب الشاملة التي دارت في ألمانيا في القرن التاسع عشر، أيام المستشار الحديدي أوتو فون بسمارك. من جهة، كان هناك تحالف كاثوليكي – محافظ - قومي - أرستقراطي معارض لليبرالية والديمقراطية، حاول المحافظة على قوته المطلقة. ومن جهة ثانية، وقف ديمقراطيون، ليبراليون وأيضاً براغماتيون طالبوا بسلطة القانون وحقوق المواطن وفصل الدين عن الدولة. المقصود صدام بين اثنين، طرف واحد فقط يخرج منه منتصراً، ويبقى الطرف الثاني فاقد الوعي.
- الحرب الثقافية هي إكسير الحياة بالنسبة إلى زعماء من نوع نتنياهو وصديقه الحميم دونالد ترامب. الاثنان يدمجان كل خصومهما ومنتقديهما في كتلة واحدة كبيرة وخطيرة، يسارية، متآمرة، ومنافقة، تريد الاستيلاء على السلطة، وفرض إرادتها وسرقة الإنجازات المذهلة التي حققها الزعيم المبجّل.
- لم نكن بحاجة فعلاً إلى سماع التسجيل المسرب لنتان أيشل كبير مستشاري نتنياهو الذي قال فيه: الكراهية هي التي توحد معسكر اليمين [راجع قسم الأخبار] كي نعرف أن مفتاح الانتصار في الحرب الثقافية هو تأجيج الكراهية. المقصود هو السلاح الأقذر في ترسانة نتنياهو منذ الأيام التي همس في أذن الحاخام كدوري [خلال الحملة الانتخابية في سنة 1997] أن اليساريين نسوا كيف يكونون يهوداً. إن مصدر النبع الخصب لنتنياهو لتسميم الأجواء والشيطنة هو دائماً العرب في الداخل أو في الخارج؛ ومنه وُلدت المعادلة التي تساوي بين العرب والمعادين للسامية، وكراهية الذات لدى اليساريين والأشكيناز الذين هم نخبة وأكاديميون وقضاة ومسؤولون كبار في المنظومة الأمنية، وكل من يجرؤ على رفع رأسه في مواجهة الريس.
- لكن منذ الانقلاب الذي بدأ بنتنياهو في انتخابات 2015، والذي تسارع وأخذ في الاستكمال كلما ازداد نتنياهو تورطاً مع سلطات القانون، أصبحت الاستراتيجيا هي الأساس. وتحولت الدعاية إلى هوية نتنياهو، والكذب الكبير إلى واقعه، والإهانات والافتراءات إلى خبزه اليومي. لهذا السبب، المعركة الانتخابية التي وُصفت بأنها أكثر المعارك كآبة وإرهاقاً في تاريخ الدولة نجحت، على الرغم من ذلك، في تحطيم كل ذروات القرف والقذارة. هذا المساء، سيتوضح لنا إذا اكتملت الجريمة.
- فوز واضح لنتنياهو معناه نجاح الانقلاب: الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط ستبدأ في التحول إلى نظام استبدادي من بين أنظمة كثيرة أُخرى. في نظر قسم كبير من معارضيه، فوز كهذا معناه غرز سكين في ظهر الأمة. بالتأكيد فوز كبير لغانتس لن يخفف من مصائب إسرائيل، وربما سيفاقم الانقسام في المدى القصير، لكن معناه عودة إلى التعقل والاعتدال خلال وقت قصير، ومن المعقول أيضاً افتراض حدوث ارتباط من جديد مع اليمين في فترة ما بعد نتنياهو - على الرغم من مؤيدي غانتس من اليسار. على أي حال، أساس الحياة المشتركة التي دمرها نتنياهو سيعود إلى ما كان عليه.
- نتائج تعادل للمرة الثالثة على التوالي سيحرم نتنياهو من إمكان تحقيق رغباته كاملة، لكن بالإضافة إلى ذلك، أضراره أيضاً خطيرة: استمرار الشلل، زيادة اليأس وتسارع فقدان الثقة في السياسة وفي الديمقراطية.
- في معركة مصيرية إلى هذا الحد، لا سماح ولا تساهل مع الذين يتهربون من التصويت، مقنعين أنفسهم بعدم وجود من يستحق التصويت له، والجميع فاسدون، وبالتالي لن يتغير شيء. هم مخطئون: ليس الكل متشابهاً، وليس الكل فاسداً، وكل شيء يمكن أن يتغير - في الأساس نحو الأسوأ. من لا يقوم بواجبه الأول والأساسي كمواطن في نظام ديمقراطي، ويقرر عدم المشاركة في الاقتراع اليوم، فإنه يتخلى فعلياً عن ذاته، وعن عائلته، وعن مجتمعه، وعن دولته لأخطاء رئيس الحكومة والرؤيا المضللة والهلوسات التي يسير وراءها، مع الأسف الشديد، كثيرون من أبناء شعبنا.