إشارة إلى إسرائيل: "حماس" تفكر جدياً في التوصل إلى تسوية
تاريخ المقال
المصدر
- حتى من دون معرفة الدوافع الدقيقة لقرار "حماس" وقف التظاهرات على الجدار يوم الجمعة، بدءاً من الأسبوع المقبل، وتجديدها فقط في نهاية آذار/مارس شهرياً، هناك أمر وحيد واضح: قيادة الحركة في غزة معنية بتسوية، وهي مستعدة لأن تبذل كل شيء كي لا يعرقل أي شيء خططها. الخطوة التي اتخذتها "حماس" هي خطوة دراماتيكية، لا أقل من ذلك. التظاهرات التي بدأت في يوم الأرض في سنة 2018، كانت الوسيلة التي أعادت "حماس" بواسطتها طرح قضاياها على جدول الأعمال، وأعادت إسرائيل إلى طاولة النقاشات. وهي التي سمحت للحركة، ليس فقط بتوجيه غضب الشارع على الوضع الاقتصادي المحفوف بالمخاطر ضد إسرائيل، بل أيضاً ساعدتها على الاحتفاظ بجبهة قتال ثابتة- مع أنها ثانوية - تذكّر إسرائيل بالثمن الذي يمكن أن تدفعه إذا لم تتقدم في اتجاه تهدئة متفَق عليها.
- عدد غير قليل من حوادث إطلاق الصواريخ في الـ20 شهراً الأخيرة بدأ في تظاهرات على السياج، وكانت انتقاماً لفلسطينيين قُتلوا فيها. لكن "حماس" كانت هي المسؤولة الحصرية عمّا كان يجري: هي التي نظمت التظاهرات وأعلنت عنها، وحرصت على وصول الناس إليها، في البداية أشخاص من البالغين، وفي الأشهر الأخيرة أولاد وصغار (أحياناً أعمارهم أقل من 10 سنوات)، لعلمها بأن الجيش سيمتنع من المس بهم.
- منذ اللحظة الأولى، وضعت إسرائيل توقف التظاهرات شرطاً للمضي قدماً في مفاوضات التحاور بشأن التهدئة. لم تتمسك إسرائيل دائماً بطلبها هذا - المحادثات تقدمت على الرغم من استمرار التظاهرات - لكن يبدو أن "حماس" الآن معنية بالتلميح إلى إسرائيل بأن نواياها جدية، ولذلك اتخذت هذه الخطوة غير المسبوقة. وهذه ليست أول إشارة تأتي من غزة: منعت "حماس" في الأشهر الأخيرة وبصورة منهجية إطلاق صواريخ على إسرائيل، وفعلت ذلك في الأيام المتوترة التي تلت اغتيال بهاء أبو العطا في بداية تشرين الثاني/نوفمبر. منذ ذلك الحين، ألغت "حماس" التظاهرات على السياج، تخوفاً من أن تؤدي الحماسة إلى وقوع مصابين، وإلى فقدان السيطرة، وأن يؤدي هذا إلى تصعيد غير مرغوب فيه حالياً بالنسبة إليها.
- من المحتمل أن يكون قرار "حماس" نابعاً من حال الطقس، والتخوف من أن يفضل كثيرون البقاء في منازلهم في أيام الشتاء خلال شهري كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير. لكن يبقى أساس القرار استراتيجياً: تريد الحركة التوصل إلى تسوية، كي تستطيع إعادة إعمار القطاع. وهي تتخوف من أن يزيد استمرار الوضع الحالي - مع التشديد على نسبة البطالة العالية وأزمة البنى التحتية - من فقدان الثقة بها ويقوي خصومها.
- أيضاً تواجه "حماس" صعوبة في فرض سلطتها على القطاع بصورة مطلقة. إطلاق النار الذي حدث في الأول من أمس على عسقلان، في أثناء خطاب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو خلال الانتخابات التمهيدية [لحزب الليكود]، هو دليل على ذلك. كما في الماضي، نفذته عناصر مارقة (على ما يبدو عناصر من الجهاد الإسلامي الفلسطيني) تسعى في الأساس لإحداث فوضى. صحيح أن "حماس" تنفذ عمليات أمن داخلي غير قليلة ضد معارضيها، لكن ردها الأساسي على الانتقادات الموجهة إليها من الداخل يمكن أن يكون بصورة تسوية تقود إلى تهدئة، وتؤدي إلى تحسن الوضع الاقتصادي في القطاع.
- بعد أن وضعت "حماس" على الطاولة الورقتين الأساسيتين اللتين لديها - إطلاق الصواريخ والتظاهرات على السياج - بقي لديها ورقة واحدة: إعادة المدنيين الإسرائيليين وجثامين الجنود الذين تحتفظ بهم. ثمة شك في أن تتنازل عنهم "حماس" بنفس السهولة، ومن المحتمل أن المطلوب من إسرائيل هو أن تقوم بخطوة - تنازلات أو بادرات حسن نية إنسانية أو غيرها - للسماح بالمضي قدماً في مفاوضات تؤدي إلى اتفاق.
- في القيادة السياسية – الأمنية، يوجد حالياً إجماع واسع بشأن الحاجة إلى المضي قدماً نحو تسوية مع "حماس". سبب مركزي لذلك، هو الرغبة في التركيز على التهديد الإيراني في الجبهة الشمالية، لكن لا يقل عن ذلك الإدراك أنه توجد الآن فرصة نادرة وخاصة تتقاطع فيها مصالح إسرائيل مع مصالح "حماس". لقد توقف رئيس الأركان أفيف كوخافي عند ذلك بالأمس في خطابه في هرتسليا، لكن الكرة موجودة لدى المستوى السياسي الذي يعاني معضلة، ويتردد بين الحاجة إلى أن يكون "صارماً" عشية الانتخابات، وبين الحاجة إلى تقديم تسهيلات إلى الفلسطينيين في غزة للحؤول دون وقوع حرب.
المصلحة الإسرائيلية الواضحة هي تفضيل تهدئة في غزة حالياً، تعيد أيضاً الهدوء المنتظر إلى مستوطنات غلاف غزة. وهذا يفرض على متخذي القرارات التعالي فوق الاعتبارات السياسية - الائتلافية والمعارضة - واستغلال الفرصة لاستنفاد العملية. الامتناع من القيام بذلك يمكن أن يحشر "حماس" في الزاوية، البداية ستكون من خلال تجدد التظاهرات في آذار/مارس، وتتمتها يمكن أن تكون تصعيداً ليس لإسرائيل مصلحة فيه.