الاحتجاج في العراق ولبنان وإيران: قواسم مشتركة في الشكل، والدلالات بالنسبة إلى إسرائيل
المصدر
معهد السياسات والاستراتيجيا – جامعة ريخمان، المنظّم لمؤتمر هرتسليا السنوي

من معاهد الدراسات الاستراتيجية المعروفة، ولا سيما المؤتمر السنوي الذي يعقده ويشارك فيه عدد من الساسة والباحثين المرموقين من إسرائيل والعالم. يُصدر المعهد عدداً من الأوراق والدراسات، بالإضافة إلى المداخلات في مؤتمر هرتسليا، التي تتضمن توصيات وخلاصات. ويمكن الاطّلاع على منشورات المعهد على موقعه الإلكتروني باللغتين العبرية والإنكليزية.

– نظرة سياسية-أمنية

 

  • في التظاهرات الواسعة التي انطلقت في العراق (تشرين الأول/أكتوبر)، وامتدت إلى لبنان (16 تشرين الأول/أكتوبر)، ولاحقاً أصابت عدواها أيضاً إيران (15 تشرين الثاني/نوفمبر) – تبرز خطوط تشابه كثيرة.
  • خلفية الاحتجاج في الساحات الثلاث، هي غضب مكتوم برز إلى الخارج في ظل أزمة اقتصادية حادة نتيجة ارتفاع الأسعار، وفشل الحكم وبنية تحتية متداعية، وتدهور نوعية حياة المواطنين (انقطاع الكهرباء، مشكلات مزمنة في التزود بالمياه، والوقود، والمواد الأساسية، وخدمات الاتصال، ومشكلات في النقد، وغيرها) والقرف من فساد مؤسساتي منتشر.
  • في الساحات الثلاث، الاحتجاج الاقتصادي- في حالتيْ لبنان وإيران، نشب في أعقاب قرارات اقتصادية محددة (فرض ضريبة على الواتساب، وارتفاع حاد في أسعار الوقود)- وتطور بسرعة إلى مطالبة غير مسبوقة بتغيير سياسي جذري للسلطة القائمة. وذلك على خلفية الإدراك أن النظام السياسي قد أفلس، وأنه مصدر المشكلات الأساسية والخلل في الدولة، وأن استمرار وجوده، كمنظومة حاكمة ومجموعة ملوّثة وفاسدة، يمنع القدرة على تلبية المطالب.
  • في لبنان والعراق، يطالب المتظاهرون بإنهاء نظام الحكم الطائفي الذي يوزع مراكز القوة في الدولة بين الطوائف. في إيران، خرج المحتجون ضد نظام الحكم الإسلامي، وإعطاء السلطة إلى رجال الدين (ولاية الفقيه).
  • في الدول الثلاث، الشباب يقودون الاحتجاج الذي يحمل أيضاً طابع صراع بين الأجيال. الشباب الذين لم يعيشوا تجربة الأحداث العصيبة التي خلقت أنظمة الحكم، هم أقل تقيّداً بالماضي، ولا يترددون في تحدي المسلمات و"ذبح أبقار مقدسة". في لبنان، الجيل الشاب لم يختبر تجربة الحرب الأهلية التي انتهت بالمصادقة على نظام الحكم الطائفي في اتفاق الطائف. في العراق، الشبان لا يتذكرون أسلوب الحكم الإرهابي الوحشي لصدام حسين، وفي إيران، الشباب وُلدوا بعد الثورة الإسلامية، وعلاقتهم بالدين آخذة بالتضاؤل.
  • الفجوة بين الأجيال برزت في دول أُخرى في المنطقة، في السعودية على سبيل المثال. ولي العهد، وهو شاب، يرتسم كمن يحاول استباق الأمور بمجموعة إصلاحات تهدف مع استمرار القيود وآليات السيطرة القمعية، إلى تقديم استجابة، ولو جزئية، لمطالب الشباب (بينها إلغاء التفرقة بين الجنسين في المطاعم هذا الأسبوع). في الوقت عينه، فهو يخرج بصورة واضحة عن درب جده، مؤسس مملكة آل سعود، ويعمل على تقليص التبعية للنفط، وعلى إضعاف المؤسسة الدينية الوهابية.
  • سمة أخرى للاحتجاج في الدول الثلاث، هي الصراع الاجتماعي بين الطبقات. في إطاره مواطنون عاديون من الطبقات الدنيا، خرجوا للتظاهر ضد مَن يعتبرونهم من نخبة فاسدة أثرت على حسابهم. وذلك من خلال استغلال المنظومة ونظام السلطة السياسية-الاجتماعية القائم على علاقات زبائنية وزمرة مغلقة طائفياً أو دينياً.
  • على الرغم من مطالبتهم بـ"تغيير النظام"، فإن المتظاهرين في الساحات الثلاث غير منظمين، وليس لديهم قيادة تجمع بين أجندة اقتصادية –اجتماعية وجدول أعمال سياسي، وليس لديهم بديل واقعي من النظام القائم. على سبيل المثال، في العراق ولبنان، حيث استقالت الحكومتان، لم ينجحوا في تسمية مرشحين جدد لرئاستهما يمكن أن يقودوا الدولة نحو التغييرات المطلوبة.
  • ثمة بُعد مشترك ومهم، هو البُعد المعادي لإيران في الاحتجاجات. النظام الإيراني يهاجَم داخلياً؛ في العراق، يعارض المتظاهرون "حكم الدمى" الذي تحاول طهران إقامته في الدولة؛ وفي لبنان، هناك خلاف بشأن قوة حزب الله وسلاحه، غير الخاضعين لمؤسسات الدولة.
  • سِمة مشتركة أُخرى أشار إليها مؤخراً أيضاً توماس فريدمان، هي دور النظام الإيراني في جهود خنق الاحتجاج. بالإضافة إلى القمع الوحشي للتظاهرات الداخلية في إيران، وقف النظام الإيراني مباشرة، أو من خلال الميليشيات الشيعية، وراء أعمال عنف ضد المتظاهرين في العراق، الذين دفعوا ثمناً باهظاً من حياتهم من خلال مقتل أكثر من 450 شخصاً. أيضاً في لبنان، النظام الإيراني هو العامل الرئيسي الذي أرسل نشطاءه من أجل الدخول في مواجهات مع المتظاهرين في الساحات، لكن بقوة وحجم أقل حتى الآن.
  • بنظرة إلى المستقبل، يبدو أن الدول الثلاث دخلت في مرحلة طويلة من عدم الاستقرار. وذلك على خلفية إصرار الأنظمة والنخب على عدم التنازل عن السلطة، وعدم القدرة على الحكم في الدولة بصورة ناجعة في النظام الحالي، وغياب جدول أعمال سياسي بديل أو قدرة على وضعه،  يؤدي إلى تغيير ملموس في نوعية حياة المواطنين.

 

الدلالات الاستراتيجية بالنسبة إلى إسرائيل

  • عدم الاستقرار في العراق ولبنان وإيران ليس أمراً خاصاً بهذه الدول، بل يميز أيضاً أنظمة أُخرى تواجه مشكلات مشابهة، في الأساس بشأن كل ما يتعلق بالقدرة على تقديم رد شامل على الضائقة الاقتصادية-الاجتماعية ومشكلة البنى التحتية والديموغرافية.
  • في واقع إقليمي من عدم الاستقرار وعدم اليقين، حيث "العدوى"تنتقل في الساحات المتعددة من الواحدة إلى الأخرى، المطلوب من إسرائيل "تحديد المخاطر"، ومواجهة تحدي الاستقرار في ساحتين جوهريتين : الأردن- التي لا يوجد بديل منها كمكوّن استراتيجي لأمن إسرائيل – والضفة الغربية.
  • في العقد الماضي، أثبتت الأنظمة الملكية بصورة قاطعة أنها أكثر استقراراً في مرحلة الاضطرابات في المنطقة، لأسباب متنوعة. مع ذلك، تواجه مملكة الأردن في السنوات الأخيرة تحديات متزايدة: عبء اللاجئين من سورية، تقلص المساعدة من دول الخليج، مصاعب اقتصادية واجتماعية وانتقادات ضد العائلة المالكة، تشمل أوساط السكان البدو- الدعامة المخلصة.
  • المطلوب من إسرائيل العمل على دعم المملكة: من خلال إقناع السعوديين بزيادة تأييدهم الملك، وبالتأكيد المحافظة على مستوى المساعدة الأميركية للمملكة، وفي الأساس من خلال الامتناع من اتخاذ خطوات (على سبيل المثال في الأماكن المقدسة أو في غور الأردن) يمكن أن تزيد من الانتقادات ضد الملك في الداخل، ويمكن أن تزعزع استقرار المملكة والسلام بين الدولتين.
  • الأردن والضفة الغربية ساحتان احتمال انتقال العدوى إليهما مرتفعة، وعدم الاستقرار في إحداهما، يمكن أن ينزلق بسرعة إلى الثانية. الواقع في الضفة الغربية يتضمن كل المكونات التي تخلق خليطاً متفجراً: جيل الشباب الذي لا يعرف كلفة سنوات الانتفاضة يواجه أزمة اقتصادية حادة، ويخضع لسيطرة زعامة فاسدة، مشكوك في شرعيتها، ويقف عاجزاً في مواجهة خطوات إسرائيل، مع الإحساس بأن العالم العربي تخلى عنه. يحدث هذا كله في ظل أفول حكم أبو مازن الذي يمكن أن يترافق رحيله مع صورة فشل طريق السلام ومعارضة الإرهاب.
  • في مثل هذه الظروف، المطلوب من إسرائيل الامتناع من القيام بخطوات يمكن أن تزعزع الوضع القائم، مثل الضم، والتركيز على حلول فورية للضائقة الاقتصادية التي يرزح تحتها السكان الفلسطينيون والسلطة (تحديث القانون الأميركي الذي يمنع تقديم مساعدة، وتوسيع حل تحويل أموال المقاصّة وغير ذلك).
  • من وجهة نظر إسرائيلية، الفرصة المركزية التي تطرحها الأحداث في العراق ولبنان وإيران تتعلق بالغليان الواسع ضد النظام الإيراني. فإذا كان النظام في طهران متهماً مؤخراً بالتآمر على الأنظمة في المنطقة، فهو فعلياً يعمل على قمع تطلعات شباب شعوب المنطقة إلى الحياة الكريمة والحرية.
  • تعزيز الصورة السلبية للنظام الإيراني من خلال وصفه كـ"عدو الشعب" والحريات في دول المنطقة، من شأنه أن يعمق المسّ بمكانة إيران في الساحات المتعددة. المطلوب كشف الوحشية التي استخدمها النظام ضد الشعب الإيراني، ومساعدته لخطوات قمعية عنيفة في العراق ولبنان، ونظام الأسد في سورية. كذلك من الصواب كشف استغلال إيران أراضي عدد من الدول، العراق على سبيل المثال، وخرقها الفاضح لسيادتها، كجزء من حربها على إسرائيل والولايات المتحدة والسعودية.