لماذا علينا التخوف (أيضاً) من نشاط نووي سعودي
تاريخ المقال
المصدر
- في السعودية يعمل، بالتوازي، مركزان للبحث النووي - الأول علني، والثاني مخفي، والمستور فيه أكثر منه المعلن. هذه السنة كشفت صور الأقمار الاصطناعية أن السعودية بنت لأول مرة، بمساعدة خارجية، مصنعاً لإنتاج صواريخ أرض - أرض طويلة المدى ومفاعل أبحاث نووية. وكشفت المملكة مؤخراً أيضاً وجود طبقات من اليورانيوم بكميات كبيرة في أراضيها.
- في تشرين الأول/أكتوبر، اعترف وزير الطاقة الأميركي المنتهية ولايته، ريك بيري، بتقدّم الاتصالات بشأن تقديم مساعدة أميركية للمشروع النووي السعودي، وأشار إلى نية الطرفين توقيع اتفاق "123"، لكن الرياض أعلنت عدم استعدادها للالتزام بعدم تخصيب اليوارنيوم. يجب التذكير أن تخصيب اليورانيوم يمكن أن يُستخدم لأهداف شرعية، مثل إنتاج وقود نووي لمفاعل أبحاث وطاقة، لكن أيضاً يمكن أن يُستخدم كمصدر لمواد انشطارية تُستخدم لإنتاج سلاح نووي، مثل المشاريع العسكرية التي طورتها باكستان وإيران.
- اهتمام المملكة بالمسار النووي ليس جديداً، وأيضاً التخوف من أن تتوجه في ظروف معينة نحو السلاح النووي العسكري. هذا التخوف وجد ما يبرره في آذار/مارس 2018، عندما قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لأول مرة، علناً وبصراحة، إنه إذا حصلت إيران على قدرة نووية عسكرية، ستحصل المملكة على قدرة مشابهة من دون تأخير. وفعلياً، الدافع الأساسي للتطوير النووي، حتى الذي ليس له بُعد عسكري، هو أمني. مع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كان بن سلمان قصد تطويراً ذاتياً لسلاح نووي، أم شراء هذا السلاح، أو نصبه بالتعاون مع باكستان أو طرف آخر.
- في نظر السعودية، الاتفاق النووي الموقّع مع إيران زاد فقط من عدائية طهران، ولم يوقف تطلعاتها النووية البعيدة المدى. الأخطر من ذلك، الدينامية التصعيدية التي أوجدتها طهران في مواجهة الولايات المتحدة في السنة الأخيرة، يمكن أن تؤدي إلى اتفاق نووي محسَّن، من وجهة نظر إيران، أو إلى انسحاب الولايات المتحدة من معالجة الموضوع النووي الإيراني من دون التوصل إلى حل.
- من المحتمل نشوء تغذية مرتدة نووية خطرة بين إيران وجيرانها: الجهود النووية الإيرانية تشكل حافزاً لدى الدول التي تتخوف من تهديدات إيران للتوجه نحو النووي، وأيضاً الجهود النووية التي تقوم بها السعودية وتركيا لا تساعد في دفع إيران إلى وقف مشروعها النووي. في مرحلة معينة، هذه الحلقة المفرغة لإقامة بنى تحتية ومعرفة نووية بين إيران وجيرانها يمكن أن تجتاز نقطة اللاعودة.
- بالإضافة إلى ذلك، ظهر في السنوات الأخيرة العديد من المشاريع النووية المدنية التي ليس لها بعد عسكري، وتُعتبر شرعية في نظر المجتمع الدولي. هذه الظاهرة تولّد، بالتدريج، واقعاً جديداً من انتشار نووي "زاحف"، إذ تصبح المعرفة والمؤهلات النووية أكثر انتشاراً، وخطوة شرعية بعد خطوة، يمكن أن تؤدي إلى تآكل المحرّمات النووية. بناء على ذلك، فإن تطوير السعودية لمشروع نووي مدني ليس له أبعاد عسكرية، ليس في مصلحة إسرائيل، على الرغم من وجود مصالح مشتركة لا بأس بها بين القدس والرياض، وعلى الرغم من التقارير المتعددة التي تتحدث عن قيام تعاون استراتيجي بين الدولتين.
- من منظور أوسع، يمكن القول إن لإسرائيل مصلحة في منع تحوّل الدول العربية إلى دول نووية، حتى تلك التي لديها تعاون استراتيجي علني وخفي معها، وذلك خشية من نشوء دينامية إقليمية للحصول على السلاح النووي (دينامية يمكن أن تسرع خطوات إيران النووية)، وخشية من انتشار المعرفة، ومن حدوث تغير مستقبلي في توجه لاعبين إقليميين من الأصدقاء، أو حدوث انعطافة مستقبلية في سياستها (في حال سقوط النظام، على سبيل المثال).
- لدى النظر إلى كل المتغيرات، يبدو أنه من الأفضل لإسرائيل أن تكون الولايات المتحدة هي التي تساعد السعودية في الدفع قدماً بمشروعها النووي، لكن انطلاقاً من الحرص على قواعد "معيار ذهبي". وبشكل خاص، يجب تقليص قدرة السعودية على تخصيب اليورانيوم والحؤول، بقدر الممكن، دون حدوث سابقة تسمح الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بموجبها للاعب شرق – أوسطي بالانتقال من واقع لا يخصّب فيه اليورانيوم إلى واقع تخصيبه.