"اضطرابات النفط" – النظام الإيراني يخاطر داخلياً
المصدر
معهد السياسات والاستراتيجيا – جامعة ريخمان، المنظّم لمؤتمر هرتسليا السنوي

من معاهد الدراسات الاستراتيجية المعروفة، ولا سيما المؤتمر السنوي الذي يعقده ويشارك فيه عدد من الساسة والباحثين المرموقين من إسرائيل والعالم. يُصدر المعهد عدداً من الأوراق والدراسات، بالإضافة إلى المداخلات في مؤتمر هرتسليا، التي تتضمن توصيات وخلاصات. ويمكن الاطّلاع على منشورات المعهد على موقعه الإلكتروني باللغتين العبرية والإنكليزية.

– نظرة سياسية-أمنية
  • في 15 تشرين الثاني/نوفمبر قررت الحكومة الإيرانية تقليص دعم الوقود ورفع أسعاره. ارتفع ثمن ليتر البنزين بنحو 50% وبلغ 15 ألف ريال، وجرى تقنين الحصة لكل مركبة بنحو 60 ليتراً شهرياً. وكل ليتر بنزين إضافي يتم شراؤه من غير الحصة الفردية سيكون ثمنه الضعف.
  • في رد مباشر على القرار، خرجت تظاهرات في المدن الكبرى امتدت إلى شتى أنحاء إيران. المتظاهرون الذين بلغ عددهم، كما يبدو، ما بين مئات وآلاف في كل نقطة اشتبكوا مع قوات الشرطة، وأحرقوا مؤسسات تتماهى مع النظام، مثل فروع مصارف، وقيادات وقواعد ومركبات تابعة لقوى الأمن؛ وأحرقوا صور رئيس الحكومة روحاني والمرشد الأعلى خامنئي، وأغلقوا طرقات مركزية ، وأوقفوا أعمالاً، بما في ذلك في منطقة طهران. وفي مدن عديدة توقفت الدراسة أيضاً في المدارس.
  • دعا المتظاهرون زعماء السلطة الذين سموهم "الديكتاتوريين"، وعلى رأسهم خامنئي وروحاني، إلى التنحي عن السلطة والرحيل عن الدولة. العديد من المتظاهرين طالب النظام بوقف تحويل الأموال إلى نشاطات في المنطقة: اليمن والعراق وسورية ولبنان وغزة.
  • في الساعات الأولى، عملت القوى الأمنية ببطء نسبي، وبدا أنها فوجئت بنشوب الاحتجاج وبقوته. اشتبكت شرطة مكافحة الشغب وعناصر الباسيج مع المتظاهرين عدة مرات، وأطلقوا النار المباشرة عليهم. وبحسب تقارير غير مؤكدة، قُتل عشرات المتظاهرين، وبالإضافة إلى ذلك، قامت الشرطة بتوقيف خدمة الإنترنت في الدولة، وقلصت خدمات الهواتف الخليوية، بصورة تجعل من الصعب متابعة الأحداث. وتحت غطاء حجب إعلامي موقت، يبدو أن الشرطة زادت من إجراءات القمع وحجم التوقيفات.
  • في المستوى العلني، ادّعى خامنئي أنه لم يتدخل في قرار رفع أسعار الوقود، لكن منذ اللحظة التي وافق رؤساء السلطات الثلاث على القرار يجب تنفيذه. وتعهد أن تضمن الحكومة ألّا تؤدي أسعار النفط الجديدة إلى ارتفاع الأسعار عموماً. وأضاف خامنئي أن المعارضة المؤيدة للنظام الملكي بمساعدة قوى أجنبية هم الذين يثيرون الاحتجاج.
  • ما يجري هو أوسع احتجاج منذ التظاهرات التي جرت في إيران في نهاية سنة 2017، أيضاً على خلفية اقتصادية.

دلالات وتوقعات

  • النظام الواقع تحت الضغط يكون مستعداً للمخاطرة ومعرّضاً للأخطاء. قرار النظام الإيراني رفع أسعار الوقود وهو خطوة سبق أن نجمت عنها في الماضي اضطرابات، هو قرار مفاجىء. لقد اختار النظام اتخاذ هذه الخطوة، تحديداً، في ذروة موجة الاحتجاج في العراق وفي لبنان، على الرغم من أنه كان من الواضح احتمال انتقال "العدوى" إلى الشارع الإيراني، على خلفية تشابُه الوضع بين الدولتين بالواقع في إيران: أزمة اقتصادية، فساد، وقصور أداء الحكم، وضرائب تشكل نقطة لإشعال الاضطرابات.
  • إذن لماذا اختار النظام القيام بهذه الخطوة غير الشعبية، المطروحة على جدول الأعمال منذ سنة، الآن تحديداً؟ الجواب يعود إلى الاختناق الاقتصادي الذي تتعرض له الدولة، نتيجة العقوبات الاقتصادية الأميركية. العجز آخذ في الازدياد على خلفية شطب أكثر من 80% من صادرات النفط الإيراني - مصدر الدخل المركزي للحكومة التي بدأت تنهك احتياطي عملتها من أجل تغطية "الفجوة" في الميزانية.
  • في ظل وضع اقتصادي صعب، قام النظام بمخاطرة كبيرة في محاولة لـ"كسر" العقوبات وتقليص تأثيرها. وذلك من خلال عمليات عنيفة في الخليج بلغت ذروتها في مهاجمة منشآت النفط السعودية. لم تؤد عمليات النظام إلى ارتفاع أسعار النفط (بسبب انخفاض مستوى الطلب في السوق)، ويدل قرار رفع أسعار الوقود على استعداد للمخاطرة أيضاً في الداخل.
  • الصراع وعدم التنسيق في صفوف النظام. عشية انتخابات البرلمان (المجلس)، المتوقعة في شباط/فبراير، ارتفعت، مؤخراً، المواجهة السياسية بين المحافظين وروحاني درجة، على خلفية دعوته إلى إجراء استفتاء عام على الموضوع المتعلق بالاتصالات مع الولايات المتحدة. مع نشوب اضطرابات الوقود، وجّهت مواقع محافظة متماهية مع الحرس الثوري انتقادات إلى القرار والوضع الاقتصادي الصعب في الدولة، ويحاول أعضاء المجلس من المحافظين تحريك عملية تنحية روحاني.
  • يبدو أن الاستقطاب السياسي العميق يجعل من الصعب على النظام اتخاذ قرارات بصورة منظّمة، والقيام بعمل منسق، وعرض جبهة موحدة في مواجهة التحدي المتطور.
  • إلى أين يقود هذا؟ كما هو معروف، لا يمكن التنبؤ بتطورات مسار فوران واحتجاج داخلي. مع ذلك، بين العودة إلى الحياة الطبيعة وبين "ثورة"، يبدو في هذه المرحلة أننا أقرب إلى القطب الأول لأسباب متعددة:
  • النظام خبير في مواجهة الاضطرابات، ويقود سياسة مزدوجة ناجعة في قمع الاحتجاج: من جهة، يسمح "بالتنفيس عن الغضب" لدى الشباب ويمتنع من استخدام القوة عندما لا تدعو الحاجة إليها، ومن جهة ثانية، يعرف كيف يستخدم أساليب قمع أكثر وحشية عند الحاجة، مع خلق خوف عميق وسط المدنيين.
  • الاحتجاج في إيران قطاعي ومن دون زعامة تقوده تجمع بين الثورة الاقتصادية – الاجتماعية وبين أجندة سياسية واضحة.

ج-   للنظام قاعدة تأييد كبيرة تشمل نحو 20-30% من الجمهور المعتمدين عليه. والجمهور بصورة عامة يركز على حاجاته اليومية ومشكلاته الاقتصادية، ويتخوف من الفوضى وفقدان السيطرة، مثل التي رآها في دول مجاورة خلال أحداث الربيع العربي.

د-    قوى التغيير في إيران لا تحظى بدعم ولا بتشجيع الدول الغربية التي تعتبر أنها تخلت عنهم بعد أحداث احتجاجات سابقة، وهي تؤيد فعلياً النظام.

  • الأزمة النووية - ما دام الاحتجاج مستمراً، من المتوقع أن تشجع الولايات المتحدة وأوروبا عمليات إقناع طهران بالعودة إلى طاولة المفاوضات. إذا استقر الوضع في إيران، من المحتمل أن تنشأ فرصة جديدة لتجدُّد المحاولات، شرط ألّا يقوم النظام بخطوات قمعية وحشية.
  • البعد الإقليمي - من الواضح الترابط والايحاء المتبادل بين أحداث الاحتجاجات المتعددة في المنطقة. ومن المتوقع أن تشجع اضطرابات الوقود، إذا لم تخمد، الاحتجاج في العراق، حيث يبرز شعور واضح معاد لإيران، وفي لبنان.
  • في الخلاصة، النظام الإيراني يواجه العقوبات الأميركية بطريقة أقل نجاعة مما يحاول أن يظهره. النظام واقع في ضائقة وضغط متزايدين، وهو معرّض لارتكاب أخطاء.

الأحداث الداخلية في إيران تخلق منظومة غير مستقرة يمكن أن تنعكس أيضاً على الخارج. ويمكن أن يتجلى ذلك من خلال سيناريو يختار فيه النظام تحدي الولايات المتحدة وخصومها الإقليميين (بمن فيهم إسرائيل)، لتحويل التركيز عن أزمته الداخلية.