تحذير من حرب. تحذير من اتفاق
تاريخ المقال
المصدر
- في الأسبوع الماضي فاجأ رئيس الأركان اللواء أفيف كوخافي، وهو، في الأغلب، رجل متزن وحذر في تصريحاته، عندما حذّر من احتمال تدهور إلى حرب في المستقبل القريب، سواء في الجبهة الشمالية أم في الجبهة الجنوبية. كلامه يدل على قلق، وأيضاً على تخوف في إسرائيل من نوايا إيران التي تقف وراء حزب الله و"حماس" وتملي عليهما تحركاتهما.
- مع ذلك، شدد رئيس الأركان على أن أعداءنا ليسوا معنيين بالحرب. ففي نهاية الأمر إسرائيل ليست السعودية أو الأكراد؛ والمعروف عنها أنها لا تدير خدها الأيسر، بل ترد على أي استفزاز لها بصورة فورية وصارمة، وأحياناً بصورة مبالغ فيها. تملك إسرائيل أيضاً قدرة استخباراتية وعملانية من الطراز الأول، تسمح لها بردع الإيرانيين وإفشال العديد من مخططاتهم. مع ذلك، فإن استمرار الاحتكاك بين إسرائيل وإيران على الأرض السورية والعراقية يمكن أن ينزلق أيضاً الى الساحة اللبنانية وإلى الجبهة في غزة.
- في إسرائيل سيكون هناك دائماً من يحمّل الحكومة والمؤسسة الأمنية مسؤولية ازدياد التوتر بين إسرائيل وإيران، لكن الحقيقة هي أن طهران والقدس هما منذ فترة على مسار تصادمي بينهما. الاحتكاك بين الدولتين ناجم عن عداء إيران الأساسي لإسرائيل، وتعهدها في كل خطاب وتصريح بالقضاء على إسرائيل، وإصرارها على ترسيخ وجودها في العراق وسوريةـ وتحويلهما إلى جزء من مجال نفوذ إيراني يمتد من طهران حتى بيروت وغزة.
- لكن إلى جانب تخوف إسرائيل من جرأة إيران وتحديها وعدوانيتها التي يمكن أن تدهور المنطقة إلى مواجهة شاملة، من الجدير أن تراقب إسرائيل بيقظة شديدة وأن تستعد أيضاً لاحتمال أن نُفاجأ تحديداً بالتوصل إلى اتفاق نووي محسّن بين طهران وواشنطن.
- في الأغلب، الحوار والاتفاق السياسي يشكلان السبيل المرغوب فيه لمنع وقوع مواجهة. المعضلة التي تواجهها إسرائيل والعالم ليست حرباً مع إيران أو اتفاقاً معها. في الحالة المطروحة أمامنا من الواضح أن اتفاقاً جديداً لا يختلف جوهرياً عن الاتفاق السابق، لا يبعد خطر الحرب، بل يمكن أن يقربها.
- المؤشرات التي تدل على اتفاق جديد تتراكم في الأشهر الأخيرة. لا يخفي الأميركيون رغبتهم في إجراء حوار مع إيران، ويختارون المرة تلو المرة عدم الرد على استفزازاتها. يبدو أن الإدارة الأميركية قررت ليس فقط الانفصال عن المنطقة، بل ايضاً إغلاق "الملف الإيراني"، كي لا تجد الولايات المتحدة نفسها تنجر مجدداً، بعد بضعة أشهر، إلى المنطقة التي تريد مغادرتها.
- في مثل هذه الظروف من الصعب الافتراض أن اتفاقاً نووياً جديداً سيكون أفضل بكثير من الاتفاق السابق الذي انسحب منه الرئيس ترامب بغضب قبل أكثر من سنة. صحيح أن إيران واقعة تحت عقوبات أميركية مؤلمة تلحق ضرراً كبيراً بالاقتصاد الإيراني، لكن الافتراض أن خطوات اقتصادية كافية لتركيع الإيرانيين أو حتى لإسقاط نظام آيات الله تلاشى. ستعود إيران إلى طاولة المفاوضات من موقع قوة، لأن الإيرانيين تجرأوا وتحدوا وهاجموا ونجحوا، وليسوا هم الذين ركعوا بل أعداؤهم.
- الولايات المتحدة هي صديقة كبيرة ومهمة لإسرائيل، ويجب على القدس أن تحترم اعتباراتها وشبكة مصالحها. لكن بالإضافة إلى التخوف من مواجهة، يجب على إسرائيل أيضاً الاستعداد لمواجهة احتمال اتفاق نووي محسّن بين واشنطن وإيران، يمكن أن يعرقل السعي الإيراني نحو السلاح النووي، لكنه يمكن أن يشجع طهران في سعيها لتعزيز سيطرتها على المنطقة المحيطة بإسرائيل.