ينبغي إجراء تقويم جديد بشأن ضرورة عقد اتفاق دفاع مشترك بين إسرائيل والولايات المتحدة
تاريخ المقال
المصدر
- لا شك في أن تخلّي الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الأكراد هو الخطوة الأكثر درامية وإن لم تكن الوحيدة في التوجه العام نحو ترك منطقة الشرق الأوسط كلها أو على الأقل تقليص الوجود الأميركي فيها إلى الحد الأدنى.
- ووفقاً لعنوان المقال الرئيسي في المجلة الواشنطنية "فورين بوليسي" فإن "هذه هي اللحظة التي ستقرر مستقبل الشرق الأوسط"، في حين أضاف العنوان الفرعي أنه إذا لم تعد الولايات المتحدة معنية بالدفاع عن النفط السعودي فهذه إشارة إلى أنها ما عادت معنية بالدفاع عن المنطقة كلها.
- ويشير المقال إلى أنه منذ الحرب العالمية الثانية ساهمت 3 مصالح في بلورة سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط: تأمين التزويد الحر للنفط؛ مساعدة إسرائيل في الحفاظ على أمنها؛ منع أي دول أُخرى من تهديد قدرتها على تحقيق المصلحتين السالفتين. وزوّد تاريخ السنوات الـ75 الأخيرة نماذج كثيرة على سريان مفعول الخطوط العامة لهذه السياسة، سواء خلال فترة الحرب الباردة، أو عبر عمليات الحفاظ على حرية الملاحة في مضائق هرمز وباب المندب ونشر أكثر من نصف مليون جندي في السعودية في أثناء حرب الخليج الأولى، أو من خلال الاتفاقيات مع إسرائيل في موضوعات الأمن والاستخبارات والمساعدات الأمنية المباشرة. وبالنسبة إلى تزويد النفط وعلى الرغم من أن ثمة من يدّعي أن أميركا باتت الآن مستقلة ولذا انحسرت أهمية النفط الشرق الأوسطي بالنسبة إليها، من الواضح أن أي حادثة سلبية في مجال الطاقة تمس بصورة مباشرة بالاقتصاد العالمي وتنطوي على تبعات بالنسبة إلى الاقتصاد الأميركي أيضاً. وهذا ناهيك عن أن تحويل روسيا وإيران إلى مكانة القابضين على مفتاح سوق الطاقة العالمية من شأنه أن يمس مكانة الولايات المتحدة.
- إن من بدأ بتقويض السياسة الأميركية التقليدية في الشرق الأوسط هو الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. وكانت الإشارة الأولى خطابه أمام الكلية العسكرية "ويست بوينت"، والذي أعلن فيه أن أميركا ستنقل "محور سياستها" من الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى. وكانت الخطوة التالية الاتفاق النووي الإيراني الذي من أجله كان أوباما مستعداً لأن يتجاهل بصورة شبه تامة مصالح حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في المنطقة. وتمثل الإثبات القاطع على تغيير السياسة الأميركية في قرار أوباما نقض تعهده بالرد بقوة في حال إقدام الرئيس السوري بشار الأسد على استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المتمردين في سورية، وبذا فهو يتحمل ولو بصورة جزئية المسؤولية عن استمرار حمام الدم هناك وعن تعاظم الوجود الروسي والإيراني.
- مع انتخاب دونالد ترامب توقّع كثيرون حدوث تغيير أساسي في سياسة الولايات المتحدة إزاء إيران، لكن سرعان ما تبيّن أنه باستثناء خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وفرض سلسلة من العقوبات، بعضها صارم وبعضها الآخر رمزي، استمرت سياسة أوباما.
- ولا بد من القول إن الإيرانيين يحسنون القراءة بين السطور. وبناء على ذلك، فإن غياب رد من جانب إدارة ترامب على الهجوم ضد منشآت النفط السعودية، وقبل ذلك غياب رد على النشاطات الإيرانية الهجومية في مضائق هرمز وخليج عُمان وإسقاط الطائرة الأميركية المسيّرة، يثبت سواء لأعداء أميركا أو لأصدقائها، كما يشير كاتب المقال المذكور أعلاه، أن "ترامب يتكلم بصوت عال لكنه لا يمسك بيديه عصا كبيرة".
- إن هذا الوضع يسلط ضوءاً جديداً أيضاً على موضوع احتمالات عقد اتفاق دفاع مشترك بين إسرائيل والولايات المتحدة. وعندما تحدث رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عن اتفاق كهذا اتُهم بأنه يفعل ذلك من أجل الدعاية الانتخابية. كما أن الرئيس السابق لهيئة الأركان العامة الجنرال احتياط غادي أيزنكوت أكد أن إسرائيل ليست بحاجة إلى اتفاق كهذا. والمشتغلون في شؤون الأمن في إسرائيل، في معظمهم، يعتقدون وربما بحق، أنه من الأفضل بالنسبة إلى إسرائيل ألّا تكون مكبلة باتفاق من شأنه أن يقيّد حرية نشاطها العسكري والأمني وأن يمس مبدأ قيام إسرائيل بالدفاع عن نفسها بقواها الذاتية ومن دون مساعدة من أي أحد. لكن يبقى السؤال المطروح الآن هو: في الواقع الذي أصبحنا مهددين من جانب دولة لا تخفي نيتها إبادتنا وتطوّر بنشاط جميع الوسائل المطلوبة، لذلك ألا يجب إجراء تقويم جديد في هذا الشأن؟.
- صحيح أن إسرائيل لديها طرق ووسائل جيدة للدفاع عن نفسها، لكن ذلك لا يقلل من أهمية وجود تعهد رسمي من الدولة العظمى الرئيسية أن ترى أي هجوم على إسرائيل بأنه هجوم عليها، وخصوصاً أن الحديث يدور حول اتفاق ستتم المصادقة عليه في الكونغرس الأميركي وسيُلزم ليس الإدارة الأميركية الحالية فحسب بل أيضاً الإدارات التي ستأتي بعدها.