حان الوقت لأن تتحرر إسرائيل من الإيمان بترامب ومن عقيدة أن القوة العسكرية هي الجواب الوحيد لأي تحدّ
تاريخ المقال
المصدر
- يمكن القول إن الإنجاز الاستراتيجي الأكبر للسنة العبرية التي توشك على الانقضاء هو أنه لم تقع حرب خلالها. وشهدت هذه السنة عدة حوادث أمنية في 5 جبهات كان من شأنها أن تؤدي إلى اندلاع حرب لا ترغب إسرائيل فيها، وهي جبهات سورية ولبنان والعراق وغزة والضفة الغربية.
- وخلال السنة العبرية المنقضية عملت إسرائيل في الجبهات الخمس المذكورة على أن تبث رسالة فحواها أنها مصرة على أن تدافع عما تعتبره مصالحها الأمنية، حتى ولو بثمن مقامرة المشي على حافة منحدر يمكن أن يتسبب باندلاع حرب، كما حدث في الهجوم المنسوب إليها ضد منشأة تطوير صواريخ دقيقة في الضاحية الجنوبية، معقل حزب الله في بيروت.
- ومع قرب السنة العبرية الجديدة من الواضح أيضاً أن جميع المشكلات التي تعاملت معها إسرائيل بقيت على حالها. وعملياً لا توجد لدى إسرائيل استراتيجيا واضحة وشاملة في أي جبهة. فهي لا تزال تعتمد على القوة العسكرية الصرفة من دون حتى محاولة دمجها مع إجراءات سياسية مرافقة وموازية. وهكذا تجد إسرائيل نفسها في مواجهة خصوم يبدون عزيمة وإصراراً وغير مستعدين للتنازل.
- يشمل هذا التقويم حركة "حماس" في قطاع غزة، وحزب الله في لبنان الذي يواصل جهوده الرامية إلى التزود بصواريخ دقيقة، وإيران التي تواصل محاولات نقل صواريخ أو عتاد عسكري متقدم إلى لبنان وإقامة قواعد عسكرية في سورية غير بعيدة عن منطقة الحدود مع إسرائيل في هضبة الجولان برعاية جيش بشار الأسد.
- وبالرغم من أن إسرائيل تشتري الهدوء في منطقة الحدود مع قطاع غزة منذ انطلاق "مسيرات العودة" [في يوم 30 آذار/مارس 2018] في مقابل ملايين الدولارات القطرية فإن القطاع ما زال أشبه ببرميل متفجر يمكن أن ينفجر في حال عدم التوصل إلى تسوية سياسية بعيدة المدى. كما أن السنة العبرية الجديدة يمكن أن تشهد تفاقم الأزمة مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، في ضوء احتمال اندلاع صراع على خلافة رئيس السلطة محمود عباس.
- وتبرز ثمالة القوة والقراءة المغلوطة لصورة الوضع أكثر شيء في سلوك إسرائيل حيال التهديد الإيراني. ففي السنة العبرية الفائتة قرر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أن يقلّص سياسة الغموض وأعلن في عدة مناسبات مسؤولية إسرائيل عن شن هجمات في الأراضي السورية وبثّ رموزاً واضحة بأن إسرائيل تنشط في العراق أيضاً.
- ولا شك في أن مقاربة نتنياهو هذه تهين إيران ويمكن أن تكون حبلى بالكوارث. وقد فعل نتنياهو ذلك لاعتبارات سياسية من دون أن يأخذ موقف المؤسسة الأمنية في الاعتبار. كما أن قادة هذه المؤسسة ولا سيما رئيس هيئة الأركان العامة الجنرال أفيف كوخافي لم يوقفوه عند حده. لكن يمكن القول إن هذا الأخير أبدى حزماً أكبر عندما منع شن عملية عسكرية واسعة في قطاع غزة على أعتاب الانتخابات، وبذا حال دون اندلاع حرب كانت شبه مؤكدة.
- يهمني أن أشير هنا إلى مقال نشره أحد كبار ضباط قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية ["أمان"] العميد روني كوهين في موقع "منتدى التفكير الإقليمي" مؤخراً ودعا فيه إلى التعود على المصطلح الجديد - القديم "الجبهة الشمالية - الشرقية"، وادعى أن القراءة المغلوطة للواقع ناجمة عن سببين: الأول، ثمالة القوة الإسرائيلية؛ الثاني، الإيمان الأعمى بأن خطوات إسرائيل العسكرية تحظى بتغطية من الإدارة الأميركية، وذلك بالرغم من أن الرئيس دونالد ترامب يثبت مرة تلو الأُخرى بأنه غير متوقع ولا يمكن الاعتماد عليه. ويشدد كوهين، وهو ليس الوحيد، على أنه خلافاً للتقديرات السائدة في إسرائيل والولايات المتحدة فإن إيران لا تخضع للعقوبات القاسية المفروضة عليها وتبدي صموداً قوياً. ويؤكد أنه "في نهاية المطاف، يمكن أن تؤدي السياسة الناجمة عن الغرور الذاتي وعدم التواضع إلى عمليات انتقام من طرف إيران." ويعتقد كوهين أن على إسرائيل أن تغير القرص المرن وألا ترى في الجبهة الشمالية - الشرقية (العراق ولبنان وسورية وإيران) أنها بمثابة الطامة الكبرى، وأن تجدد المبادرات الدبلوماسية في قطاع غزة وفي مقابل السلطة الفلسطينية، وأن تتحرر من الإيمان بترامب ومن عقيدة أن القوة العسكرية هي الجواب الوحيد لأي تحدّ ماثل أمامها.