تحرُّر الولايات المتحدة من التبعية لنفط الشرق الأوسط وراء اعتراف ترامب بالسيادة الإسرائيلية على الجولان؟
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • المسؤول عن تغيّر السياسة الأميركية في الشرق الأوسط هو رجل واحد لم يحظ حتى الآن بالاعتراف الذي يليق به من زعماء إسرائيل. إنه جورج ميتشيل. وهو ليس السيناتور الأميركي الذي عمل ذات يوم كوسيط بين بنيامين نتنياهو ومحمود عباس وفشل، بل هو مهندس في شركة تكساس جمع ثروته من التنقيب عن النفط. أصر ميتشيل على عكس الرأي الذي كان سائداً آنذاك في صناعة النفط على أنه من الممكن استخراج الطاقة من الصخور العميقة بواسطة التصديع الهيدرولي fracturing] وبتكلفة معقولة. وقد حاول في العديد من المرات حتى نجح قبل 20 عاماً في التوصل إلى الاكتشاف التكنولوجي الذي أدى إلى إنتاج تجاري للنفط والغاز الطبيعي بواسطة التصديع الهيدرولي.
  • اكتشاف ميتشيل حوّل الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة إلى أكبر منتجة للنفط في العالم، ومنحها استقلالاً في مجال الطاقة وحررها من الاعتماد المخيف على نفط الشرق الأوسط. وتبدد الخوف من استنفاد مخزونات النفط، وانتقلت أزمات الطاقة من اهتمام الأجهزة الأمنية إلى كتب التاريخ، وحلت محل الأخبار السيئة أخبار متفائلة بشأن زيادة تصدير النفط الأميركي. وسرعان ما انعكست النتيجة على السياسة الخارجية. وحل محل الميل إلى خوض حروب في الشرق الأوسط وإرسال قوات إلى هناك، التوجّه نحو إعادة الجنود إلى وطنهم، وتحررت السياسة الأميركية في المنطقة من قبضة السعودية التي سيطرت على سوق النفط العالمي طوال عشرات السنوات وتمتعت بنفوذ هائل في واشنطن.
  • استغل باراك أوباما الفرصة من أجل التقرب من إيران على حساب السعودية وإسرائيل، لكنه لم ينجح في إحداث انقلاب جذري في العلاقات مع طهران، باستثناء الاتفاق على المشروع النووي. دونالد ترامب اختار التشاجر مجدداً مع إيران، وقبل أي شيء كسر التوازن الذي حافظ عليه كل الرؤساء الذين سبقوه منذ سنة 1948، بين القوة الإسرائيلية والقوة السعودية في السياسة الأميركية. في العام الماضي قرر ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وبالأمس اعترف بالسيادة الأميركية على هضبة الجولان. في كلا المرتين حطم التابو الذي كان قائماً طوال سنوات عديدة في السياسة الأميركية الخارجية من دون الخوف من ردات فعل غاضبة من دول الخليج، وتهديدات بالمقاطعة وحرق الجماهير أعلام الولايات المتحدة في العواصم العربية. هكذا توقعوا هذه المرة أن تكون نتائج المبادرات الأميركية الأحادية الجانب المقدمة إلى إسرائيل. لم يسارع ترامب إلى نشر خطة السلام، واقتراح تقديم تنازلات إسرائيلية إلى الفلسطينيين، أو تبنّي مبادرة السلام السعودية العائدة إلى سنة 2002.
  • لدى عودته إلى الحكم قبل عقد، تحدث نتنياهو عن الأهمية السياسية لتراجع الاعتماد على النفط، وشجع على القيام بأبحاث إسرائيلية من أجل تطوير طاقة بديلة. وتوقّع أن يؤدي التحرر من التبعية للنفط إلى إضعاف قوة العرب السياسية وتراجُع نفوذهم في الغرب. واتضح أن تحليله الاستراتيجي دقيق، لكن تقديره التكنولوجي كان متشائماً. فهو لم يخطر في باله أن استقلال أميركا في مجال الطاقة قريب جداً، وخلال ولايته السياسية سيؤدي ذلك إلى تغيّر السياسة العالمية بصورة لم تُعرف من قبل. ومن المفارقة التاريخية أن الطريق المركزي الذي يمر في الجولان سُمي "طريق النفط" [Petroleum Road].
  • ماذا سيحدث الآن؟ مثلما لم يؤد نقل السفارة الأميركية إلى القدس حتى الآن إلى موجة دولية للقيام بمثل هذا الانتقال، يمكن الافتراض أيضاً أن تغريدة ترامب بشأن الجولان كجزء لا يتجزأ من إسرائيل- مثل الحملة التي خاضها سكان الجولان بزعامة شمعون شباص، والتي أدت إلى إصدار حكومة بيغن في سنة 1981 قانون ضم الجولان - لن تجر وراءها الاتحاد الأوروبي ودولاً عظمى أخرى للقيام باعتراف مماثل. فهي ستظل متمسكة بالسياسة التي تنتهجها منذ سنوات، الرافضة للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي في حرب الأيام الستة من دون موافقة الطرف العربي.
  • على الساحة الداخلية في المقابل، من المنتظر أن يكون للاعتراف الأميركي بضم الجولان انعكاسات متعددة الدلالات. من المتوقع أن يزيد اليمين ضغوطه من أجل البدء بتطبيق القانون الإسرائيلي على منطقة ج في الضفة الغربية التي توجد فيها كل المستوطنات، وحيث تعيش أقلية من السكان الفلسطينيين. نتنياهو والمؤسسة الأمنية اللذان حتى الآن رفضا الضم الرسمي للمنطقة وفضّلا سيطرة إسرائيلية زاحفة، سيجدان صعوبة أكثر فأكثر في الادعاء أن "العالم لن يسمح". المستوطنون ومؤيدوهم سيسألون لماذا اعترف ترامب بكتسرين وعين زيفان وليس بأريئيل وبيت إيل. في الجولان غيّرت إسرائيل موقفها من تسوية إقليمية إلى ضم، وقد نجح ذلك. وسيدور نقاش في هذا الشأن خلال ولاية الحكومة المقبلة . وستواصل إسرائيل غرقها في إدامة الصراع  مع جيرانها بدلاً من البحث عن سبيل من أجل الخروج منه.