عملية "درع شمالي": إلى أي مدى يمكن شد الحبل؟
تاريخ المقال
المصدر
- عملية "درع شمالي" تحققت بفضل إنجاز تكنولوجي جنباً إلى جنب مع جمع معلومات استخباراتية تفصيلية، جرى بواسطتها حلّ لغز الأنفاق على مهل، وبعد أن عرضت الجهات العسكرية خطة فُهم منها أنها إذا نُفذت كما يجب ستحقق النتيجة المنتظرة. كان الهدف اقتلاع "المكون الإضافي" الذي بناه حزب الله استعداداً لقتال ضد إسرائيل، وكان من المفترض أن يشكل مفاجأة كبيرة في الحرب: قدرة الهجوم على الجبهة الخلفية لقوات الجيش الإسرائيلي.
- نية حزب الله كانت مزدوجة: السيطرة على مناطق مشرفة لإثارة فوضى كبيرة داخل أراضي إسرائيل - كي تضطر قوات الجيش الإسرائيلي التي تقاتل في مواجهة المنظومات المعقدة التي بناها حزب الله إلى التوجه إلى الخلف. وما لا يقل أهمية بالنسبة إلى الحزب السيطرة على مستوطنة وخطف أكبر عدد ممكن من المواطنين. هكذا في نهاية القتال سيبقى الفشل مخيماً فترة طويلة، لأن مفاوضات إطلاق المخطوفين ستستغرق وقتاً طويلاً وستجعل إسرائيل تركع.
- العملية التي تجري في الشمال ستزيل هذا الخطر. سيضطر حزب الله إلى دراسة خطواته من دون خدعة يخرجها من جعبته. الصواريخ الكثيرة (بعضها دقيق) ما تزال تشكل التهديد المركزي من ناحيته، وقدرته على الدفاع عن الجنوب اللبناني لم تتضاءل - لكن من دون الورقة الرابحة التي كان من المفترض أن تكون مفتاحاً لتحقيق نجاح على مستوى مختلف، فإن حزب الله هو في وضع أدنى بكثير. وبذلك ازداد احتمال أن يصبح أكثر حذراً، وتقلّص احتمال نشوب حرب بمبادرة منه في المستقبل القريب.
- تطرح عملية "درع شمالي" أسئلة معقدة تتعلق بمبادرة إسرائيل واستعدادها لخوض "حرب وقائية" لمواجهة الخطر الجاري بناؤه أمام أعينها. في المجال النووي كان هناك وجهة نظر معروفة في إسرائيل مسماة "عقيدة بيغن"، وهي التي استخدمها رئيس الحكومة الراحل [مناحيم بيغن] في هجومه على المفاعل النووي في العراق. كما استخدم رئيس الحكومة أولمرت وجهة النظر هذه في (2007) عندما قرر مهاجمة المفاعل في سورية. في مواجهة قوة تقليدية خاضت إسرائيل مرة واحدة "حرباً وقائية" هي عملية قادش (1956) التي بادر إليها رئيس الأركان موشيه دايان قبل أن تتخطى قوة الجيش المصري قدرات الجيش الإسرائيلي. هذه المعركة الناجحة منحت إسرائيل 11 عاماً من الهدوء النسبي، في فترة صعبة ركزت فيها الدولة جهودها على استيعاب الهجرة الكبرى التي وصلت قبل العملية، وفي بناء بنيتها التحتية الاقتصادية والعسكرية.
- تُعتبر "الحروب الوقائية" إشكالية. من الصعب إعطاؤها شرعية، لأنها "حرب خيار" واضحة، أي لم يكن من الضروري التضحية بالحياة عندما اتُخذ القرار بشأنها، ولأن العدو لم يكن على الأبواب. مواطنو الدولة، مثلهم مثل المجتمع الدولي، يجدون صعوبة في تأييد حروب في مواجهة احتمال لا يعرف أحد إذا كان سيتحقق ومتى.
- وهكذا على سبيل المثال، سمحت إسرائيل لحزب الله بأن يتعاظم إلى ما لا نهاية، وأن يحصل على أفضل الصواريخ من إنتاج إيران وسورية، وحتى عدد من إنتاج روسيا، ونشرها. إسرائيل تحدثت بصوت عال جداً بعد الانسحاب الأحادي الجانب من لبنان [أيار/مايو 2000] وبعد حرب لبنان الثانية في 2006، لكنها لم تفعل شيئاً لوقف تسلّح حزب الله في لبنان. و فقط عندما نقلت سورية وإيران تحت غطاء فوضى الحرب الداخلية في سورية، التي بدأت في 2011، سلاحاً متطوراً إلى التنظيم الإرهابي، قررت إسرائيل منع ذلك بالقوة- لكن سياسة عدم التدخل في لبنان استمرت.
هل هذه العملية ["درع شمال"] التي تتركز في مراحلها الأولى داخل أراضي إسرائيل، يمكن أن تؤدي إلى تدهور عابر للحدود؟ بالتأكيد، سواء عن قصد أو عن طريق الخطأ. لكن أيضاً حتى لو بقيت الأعمال داخل أراضي إسرائيل، إذا استمرت العملية وألحقت ضرراً بأرصدة كبيرة تابعة للحزب، وبكرامة الحزب، فإنها يمكن أن تؤدي إلى رد عنيف من جانبه. صحيح أن احتمالات ذلك ليست كبيرة حتى الآن، لكن هذا يجب أن يشكل فرضية عمل الجيش الإسرائيلي وأن يحدد درجة جهوزيته. يطرح هذا الوضع السؤال التالي، إلى أي مدى الجيش مستعد لأن يذهب للمسّ بقدرة حزب الله، وهل "هجوم وقائي"، أي عملية كبيرة في لبنان، يمكن أن تُطرح على جدول الأعمال بعد نجاح تحييد الأنفاق. الأمر يستحق التفكير فيه.