الغاية من وراء تمديد مدة الكشف عن الوثائق المتعلقة بأمن الدولة 20 سنة أُخرى
تاريخ المقال
المصدر
- قرر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الأسبوع الفائت، تمديد مدة الكشف عن الوثائق المتعلقة بأمن الدولة 20 سنة أُخرى، بحيث تصل إلى 90 سنة. وفي رأيي، إن هذا القرار بائس، وعديم المنطق، ويمسّ بحريّة المعلومات وحرية التعبير. ولا تقلّ بؤساً عنه حقيقة أن نتنياهو لم يتخذ القرار بمفرده، بل استجاب لتوصية المؤسسة الأمنية التي حظيت بدعم من وزارة العدل.
- تعود بداية هذه القصة إلى طلب التماس قدمته صحيفة "يديعوت أحرونوت" وكاتب هذا المقال إلى المحكمة الإسرائيلية ضد قادة المؤسسة الأمنية وأجهزة الاستخبارات وديوان رئاسة الحكومة في سنة 2007، وذلك بعد أن رفضت كل هذه الجهات الاستجابة لطلبات كشف النقاب عن مواد في الأرشيف من خلال قيامها بخرق قانون الأرشيف.
- لا شك في أن من يتحكم في الماضي يتحكم في الحاضر وربما في المستقبل أيضاً. ويبدو أن قادة المؤسسة الأمنية فهموا هذا المبدأ، وأقاموا لأنفسهم أرشيفات مغلقة وسرية ومنقطعة عن أرشيف الدولة، فبات هناك أرشيف لوزارة الدفاع، وأرشيف لشعبة الاستخبارات العسكرية ["أمان"]، وأرشيف للجنة الطاقة الذرية، وأرشيف لجهاز الموساد، وأرشيف لجهاز الأمن العام ["الشاباك"]. وكل هذا تم بخلاف القانون، وفي ظل انعدام أي صلاحيات أو موطئ قدم للمسؤول عن أرشيف الدولة الذي يُفترض أن يراقب كل ما يجري فيها.
- وفي ظلّ هذا الوضع لا يحدث فقط أن المادة التي يُفترض أن تُحرّر كي يطّلع الجمهور العريض عليها لا تصل إلى يديه أبداً، بل أيضاً أصبح قادة الأرشيفات هم من يقررون، بناء على مواقفهم الخاصة، ماذا ومتى وكيف يبيدون المواد، وكيف يصممون تاريخ إسرائيل. ولا يدور الحديث هنا حول موضوع هامشي، فهذه الأرشيفات تتضمن صناديق تمتد على مسافة مئات الكيلومترات، وتضم مادة أرشيفية ذات أهمية غير مسبوقة، والكفاح في سبيل الحفاظ عليها وكشفها للجمهور مهم ليس للباحثين الأكاديميين والصحافيين فحسب، بل أيضاً لكل من يعتبر الحفاظ على تاريخ الدولة وميراثها وفهمهما مسألة مهمة.
- وأشير في طلب الالتماس، الذي قدمه المحامي ميبي موزار، إلى أن أجهزة الاستخبارات والمؤسسة الأمنية لا تنقل بخلاف القانون أي مادة لديها إلى أرشيف الدولة، بما في ذلك المادة التي لا تخضع لأي استخدام جارٍ من طرفها. وأرشيف الدولة من جهته لا يراقب الأرشيفات "الخاصة" هذه. ويمنع مسؤولو أجهزة الاستخبارات حتى نقل سجلات كتبتها هذه الأجهزة وأُرسلت إلى جهات أُخرى (مثل وزارة الخارجية) ولاحقاً تم نقلها إلى أرشيف الدولة.وواضح أن الغاية من وراء ذلك هي فرض حظر على أرشيف الدولة حتى بمجرّد أن يفكر فيما إذا كان مسموحاً أو ممنوعاً أن يكشف للجمهور عن أي وثيقة تحمل شعار جهاز "الشاباك" مثلاً. ووفقاً للقانون [الإسرائيلي] يتم كشف النقاب عن المادة الأرشيفية العادية للجمهور بعد مرور 30 سنة، أمّا المادة الأمنية فيُفترض أن تُكشَف للجمهور بعد 50 سنة، مع بقاء إمكان الإبقاء على أجزاء منها طيّ السرية. غير أن أذرع أجهزة الاستخبارات لم تبدأ على الإطلاق بعملية تصنيف السجلات التي كُتبت بعد إقامة الدولة وخلال سنواتها الأولى.
- وفي حينه جاء مندوبو الدولة، التي لم تنفِ أنها تخرق القانون، إلى المحكمة وأعلنوا بالنيابة عنها أنها ستغيّر القانون، بما يفضي إلى إعلان الأرشيفات المنفصلة لدى المؤسسة الأمنية بأنها قانونية بأثر رجعي، وجعلها وحدات تعمل إلى جانب أرشيف الدولة، وزيادة مدة الكشف عنها من 50 إلى 70 سنة. وقال لي أحد كبار مسؤولي أجهزة الاستخبارات بابتسامة شامتة: "لا تقلق، حين نصل إلى السنة الـ70 سنزيد المدة إلى 100 سنة، بحيث أنك لن ترى هذه المادة أبداً". ويبدو أنه ارتكب خطأ، إذ مددوا الفترة إلى 90 سنة وليس إلى 100 سنة. وتعهدت الدولة أيضاً، خلال بحث طلب الالتماس المذكور، بأن تقدّم إلى المحكمة تقريراً مفصّلاً يتعلق بالرقابة التي سيفرضها أرشيف الدولة على الأرشيفات الخاصة، وبأن يتم إقرار نظام يتعلق بتحرير الوثائق القديمة بالتدريج. وهو ما لم يحدث قطّ، بل إن الدولة لم تستجب لكمّ من التوجهات والاستفسارات في هذا الشأن.
- لا شك في أنه بالإضافة إلى الفضيحة الادارية ثمة موضوع مبدئي هنا، فهذه الوثائق هي مُلك الجمهور، وهي لا تعود إلى هذه الجهة الأمنية أو تلك، التي ترغب في الاحتفاظ بها حصرياً، سواء بسبب الكسل وعدم الرغبة في استثمار أي موارد فيها بحجة أنها لا تهم أحداً، أو بسبب الحؤول دون نشر تفاصيل محرجة وقضايا سلبية، أو بسبب "ثقافة السريّة" السائدة في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.
- من الصعب التصديق أنه توجد أسرار حقيقية يجب التكتّم عليها في المواد الأمنية المتعلقة بسنوات الدولة الأولى. وإذا كانت هناك أسرار كهذه يمكن شطبها والإفراج عن البقية. وحتى لو لم تكن كل الوثائق تصوّر إسرائيل بضوء إيجابي، من الواجب نشرها. هكذا هي الحال في الديمقراطية. ومن المؤسف أن رئيس الحكومة خنع بسهولة شديدة لتوصيات مسؤولي المؤسسة الأمنية، الذين لا يرغبون في فراق الأوراق السرية، ويفضلون الاحتفاظ بها بالقرب منهم. ومن المثير معرفة ما الذي كان سيقوله والد رئيس الحكومة المؤرّخ عن مثل هذا التصرّف المُستهجن.