نموذج النفوذ الإيراني في سورية
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

•التدخل الإيراني في سورية الذي بدأ في مطلع سنة 2012 كان يهدف إلى إنقاذ نظام الأسد وإرساء نفوذ إيران في سورية لوقت طويل. من أجل فحص أسلوب عمل إيران في سورية، والملامح العامة لـ (profile) قواتها والتنظيمات الدائرة في فلكها الموجودة في أراضي الدولة وعملية بناء نفوذها هناك، سنتابع الحديث الدائر عن الموضوع في وسائل التواصل الاجتماعي. يستند هذا المقال إلى حوار وتقديرات ناشطين ومشكّلين للرأي العام في سورية (من السنة خصوصاً) وندعمه وندعّمه بوثائق وصور وشهادات من أرض الواقع وتحليلات خبراء. كل هذا يلقي الضوء على "النموذج الإيراني" في سورية، الذي يستند إلى بناء مجموعة من القوات الخاضعة لإرادة إيران والمستعدة لخدمة مصالحها في المنطقة. يجري التدخل من وراء الكواليس، وبالتعاون مع نظام الأسد من خلال دمج مقاتلين تابعين لإيران في وحدات الجيش والدفاع السورية التي تقاتل من أجل النظام.

•التقدير السائد هو أنه منذ دخول إيران وحزب الله إلى سورية وحتى الوقت الحالي الذي نشهد فيه تحرير جنوب سورية من سيطرة المتمردين في تموز/يوليو 2018، فإن إيران هي العنصر المهيمن في سورية وليس روسيا. هي التي تفرض القتال الذي يخوضه الائتلاف المؤيد للأسد على الأرض، وهي التي تسيطر على معابر الحدود بين سورية والعراق وبينها وبين لبنان، وهي التي تحدد إعادة تنظيم المناطق والمجموعات السكانية على أساس إثني. ولإيران نفوذ حاسم أحياناً في فرض حجم القتال الذي يجري بالتشاور بينها وبين روسيا والأسد.

•خطة عمل الائتلاف المؤيد للأسد، الذي يضم روسيا وإيران والتنظيمات التابعة لها، هي كالتالي: أولاً يصل المستشارون الإيرانيون إلى المنطقة، يفحصون الجدوى العملانية وفرص النجاح، وبعدها يجتمعون مع الممثلين الروس من أجل تنسيق القتال البري مع العمليات الجوية؛ في المرحلة التالية ترسل القوات المقاتلة لتنفيذ العملية العسكرية، قوات جيش الأسد والميليشيات الشيعية، التي هي تحت قيادة إيرانية؛ تُحاصر المنطقة التي يراد تحريرها من يد المتمردين وتُعزل؛ تبدأ العملية بقصف جوي بواسطة الطيران الروسي وسلاح الجو السوري الخاضع للأسد، بالإضافة إلى المدفعية الثقيلة؛ وبعد "تليين" معاقل المتمردين تتغلغل القوات البرية وتحتل المنطقة. في الوقت عينه تجري مفاوضات الاستسلام بقيادة روسيا، مع زعامة المتمردين.

تصور المحاور

•بحسب التصور الإيراني، ثمة حاجة إلى المزج بين عدد من محاور العمل من أجل المحافظة على نظام الأسد، الذي يشكل أداة مركزية للنفوذ الإيراني، وفي الوقت عينه من أجل سيطرة جغرافية وعملية في سورية، كمرحلة أولى لسيطرة "الهلال الشيعي" وإنشاء ممر بري يربط إيران بالبحر المتوسط:

أ‌.محور "العمود الفقري" لسورية - هو سلسلة المدن المركزية في وسط سورية وشمالها، والتي توجد فيها أغلبية السكان ومراكز الحكم والاقتصاد. الشرط الضروري للانتصار في الحرب هو المحافظة على السيطرة على المحور الذي ينطلق من درعا جنوباً ويمر بالعاصمة دمشق، ويستمر حتى محور الوسط الذي ينطلق شمالاً نحو حمص وحماه وحلب، وغرباً نحو اللاذقية. 

ب‌.محور التواصل الإقليمي - تعمل إيران على السيطرة التدريجية على عدد من المناطق الأساسية من أجل إنشاء تواصل إقليمي بينها وبين البحر المتوسط، مع التقدم من الأسهل إلى الأصعب: في البداية من حدود سورية - لبنان، وبعد ذلك غلاف دمشق، والحدود العراقية- السورية، ومحاور التنقل من الشرق إلى الغرب، وحالياً جنوب سورية. في المرحلة المقبلة ستوجّه القوات نحو السيطرة على منطقتين تشكلان تحدياً أكبر في شمال شرق سورية - الجيب الكردي، المدعوم من الائتلاف الغربي بقيادة الولايات المتحدة والحيوي بالنسبة إلى إيران، لأنه يسيطر على الحدود السورية - العراقية؛ ومحافظة إدلب، التي تعتبر المعقل الأخير للمتمردين السنّة الذي تدافع عنه تركيا. السيطرة على هاتين المنطقتين معقدة جداً في هذه المرحلة، لذا فقد أجّلت إلى مراحل الحرب المقبلة.

ج‌- المحور اللوجستي - محور الإمداد الأساسي من إيران مروراً بالعراق إلى سورية فإلى لبنان (براً وجواً). هذا المحور (الذي وصفه حسن نصر الله في خطاب ألقاه في آب/أغسطس 2017 بـ"طريق التحرير") ضروري من أجل تعزيز القدرات الإيرانية في سورية، وانتقال القوات والعتاد العسكري والدعم اللوجستي للتنظيمات التابعة لها.

د- المحور التجاري - سيُفتتح قريباً بعد أن كان مغلقاً بصورة مطلقة عدة سنوات، وسيمر على طول "العمود الفقري" من شمال سورية حتى جنوبها، وعلى طول الطرق الدولية من تركيا مروراً بسورية نحو الأردن ودول الخليج. سيساعد هذا المحور على إعادة البناء الاقتصادي لسورية وسيزيل جزءاً من العبء الاقتصادي عن كاهل إيران.

 

بنية القوة الإيرانية

•يدل الحديث الجاري على وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً على وجود بنية قوات متعددة الطبقات في سورية مع نفوذ إيراني متزايد: 

أ‌.قوة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني - هي قوة إيرانية نظامية مسؤولة عن سورية، وهي التي  يعمل تحتها سائر القوات. عدد القوات تغير خلال سنوات الحرب بما يتلاءم مع الحاجات العملانية، وتراوح بحسب التقديرات بين 2000 و5000 مقاتل. 

ب‌.قوات الدفاع الوطني السورية -  في السنوات الأولى للحرب، عندما كاد الجيش السوري الخاضع للأسد (الجيش العربي السوري) أن يتفكك (بسبب الهرب من الخدمة وعدم تجنيد مقاتلين والخسائر الكبيرة في الأرواح)، قررت إيران مساعدة الأسد بإقامة "قوات الدفاع الوطني" وميليشيات سورية بقيادة وتدريب وتمويل وتسليح إيراني. هذه القوات هي المقابل السوري لميليشيات الحشد الشعبي العراقية، وحزب الله في لبنان. وبحسب التقارير جندت قوات الدفاع الوطني نحو 90 ألف متطوع سوري، والطموح هو أن يكون أساس هذه القوة معتمداً على العلويين والشيعة، ومع ذلك فقد جُند فيها أبناء طوائف أُخرى.

ج. قوات الدفاع المحلية - وحدات شرطة وأمن وإدارة مدنية للميليشيات المحلية. يقدَّر عدد أعضائها بـ 50 ألف شخص. هذا الجهاز الذي يضم موالين للنظام أقامته إيران تقريباً بطلب من الجماعات المحلية التابعة للنظام المركزي في دمشق، وهدفه القضاء على المتعاونين مع المتمردين وعناصر المعارضة في سورية. ويوجد قادة إيرانيون أو من صفوف حزب الله في هذه الميليشيات. 

د. ميلشيات شيعية - ميليشيات شيعية من أفغانستان وباكستان، يجنّدون وينظمون ويشغلون من قبل إيران. وبحسب التقديرات يقدر عدد هذه الميليشيات ما بين 10,000 إلى 15,000 ألف مقاتل.

ه."قوات دعم شيعية" - تستخدم إيران أحياناً ميليشيات شيعية من العراق ولبنان (قوة الرضوان التابعة لحزب الله، وعصبة الحق، النجباء، أتباع أبو الفضل العباس، وغيرها) وهي قوات تدخُّل سريع  في مناطق القتال من أجل حسم المعركة. ويصل عددها في ذروة القتال إلى 30 ألف مقاتل.

و.حزب الله -  درع دمشق و"غلاف لبنان" - يعمل حزب الله في سورية منذ سنة 2012 بحجم قوات تراوح بين 4000 و9000 إلى جانب الأسد وبتوجيه إيراني. المهمة الأولى للحزب كانت إنقاذ نظام الأسد والدفاع عن دمشق. في نهاية سنة 2016 جُندت قوات حزب الله في القتال لتحرير حلب. وفي الوقت عينه ركز الحزب على القتال والمحافظة على إنجازاته في "غلاف لبنان"، منطقة القلمون والقصير. الهدف الأساسي هو طرد المتمردين وتطهير المناطق الحيوية من السكان السنّة من أجل ضمان محور يتوجه من سورية إلى لبنان، ووضع سكان "مريحين" في الغلاف الحدودي بين سورية ولبنان ومنع الهجمات الإرهابية والانتقامية لعناصر سلفية جهادية في لبنان. 

ز. مرتزقة لبنانيون وعراقيون - هؤلاء المقاتلون ليسوا أعضاء في الميليشيات الشيعية على اختلافها، لكنهم يساعدون في القتال في المناطق المطلوب فيها دعم لوجستي وعملاني، وتمولهم إيران.

خلاصة ودلالات بالنسبة إلى إسرائيل

•إيران ليست معنية بالسيطرة علناً على سورية، بل بالعمل والتأثير من وراء الكواليس، ومن خلال دمج القوات الخاضعة لها في أطر السلطة، المدنية والعسكرية، في الدولة. بناء على ذلك، من الصعب أن نحدد بدقة عدد المقاتلين التابعين لإيران في سورية. بحسب التقارير، يشارك حزب الله والتنظيمات الشيعية في القتال الدائر في جنوب سورية وهما يرتديان الزي  العسكري للجيش السوري. ولا شك في أن روسيا تعلم أن الميليشيات الشيعية المؤيدة لإيران لم تنسحب من جنوب سورية بل زادت وجودها ورفعت من درجة تأهبها. من المعقول الافتراض أن المشروع الإيراني في سـوريــة سيتواصل فــي الفتـرة المقبلـة، وسـتنتشر قـوات تتـماهى مع إيــران - تحت غطاء ما – بالقرب من الحدود في هضبة الجولان.

 

•إسرائيل، التي تتمتع بتفوق استخباراتي في سورية، تقلل حالياً من الكشف عن القوات التابعة لإيران وسائر القوات الخاضعة لها والتابعة لقيادتها في جنوب سورية. ويبدو أن إسرائيل تقدر أن هذه القوات لا تشكل تهديداً حقيقياً لها، على الأقل في المدى القريب، وهي تركز جهدها على منع تمركز قدرات عسكرية إيرانية مهمة في سورية - صواريخ، قذائف، طائرات من دون طيار، منظومات دفاع جوية ووسائل قتال متقدمة. ويبدو في هذه الفترة أن إسرائيل تركز كل جهدها على أن يحرص كل من روسيا ونظام الأسد على إبعاد القوات الإيرانية والتنظيمات التابعة لها عن الحدود، وذلك عندما يدركان أن التدخل المتزايد لإيران وتسللها إلى القوات السورية المحلية سيقوضان عملياً سيادة النظام. لكن ثمة شك كبير في أن تقدر روسيا والأسد فعلياً على إبعاد الوجود الإيراني من الأراضي السورية، وخصوصاً في ضوء التحاق قادة إيرانيين ومقاتلين شيعة بالقوات المحلية. في مثل هذه الحال، سيكون خيار مهاجمة التنظيمات التابعة لإيران في متناول إسرائيل حتى بعد أن يستكمل الأسد سيطرته على هضبة الجولان السورية.