قانون القومية هو استخدام تعسفي لقوة الأكثرية لإلحاق الضرر بالأقلية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

•في أعقاب الانتقاد العنيف الموجّه إلى البند 7 في اقتراح قانون القومية، الذي سمح بإقامة تجمعات سكنية منفصلة على أساس ديني أو قومي، بلور الائتلاف صيغة جديدة تقول " ترى الدولة أن تطوير تجمعات سكنية يهودية هو قيمة قومية، وستعمل من أجل ترسيخها والدفع بها قدماً". يتضح أن العنصريين يظلون عنصريين. 

•في الصيغة السابقة جرت محاولة مشابهة للتظاهر بالحياد [تجاه الجماعات المختلفة]. مجرد تظاهر، لأن أي طفل فهم أن سبب التوجيه هو السماح قانونياً، وليس فقط قانونياً، بإقامة تجمعات سكنية يهودية خالصة. في الصيغة الجديدة يرتفع التمييز العلني والصارخ إلى أعلى الراية القانونية. إذ كيف يمكن الدفع قدماً بتجمعات سكنية يهودية من دون أن تكون مخصصة لليهود؟ ولا يتعلق هذا تحديداً بتجمعات صغيرة موجودة، بل بتجمعات جديدة ستُقام من أجل تحقيق القيمة الوطنية للاستيطان اليهودي. ولماذا يجب حصر التهويد بتجمعات صغيرة، ولا نتيح لهذه العنصرية أن تنمو في كل مكان حتى في المدن؟

•المستشار القانوني للحكومة أدلى بتصريحات مطمئنة قائلاً إن المقصود هو توجيه تصريحي فقط. ننصح بعدم الاطمئنان. إذ إنه بحسب اللغة المستخدمة،  المقصود هو توجيه تنفيذي لا يمكن إنكار طبيعته التمييزية. حتى لو جرت موازنة قيمة الاستيطان اليهودي بالمساواة في الحقوق، فإن النتيجة لن تكون مساواة كاملة. لقد كان يتعين على المستشار الوقوف ضد هذا التوجيه لا أن يحاول تسويقه كما لو كان توجيهاً بريئاً. إن مشورة تسمي الظلام "نوراً" ضررها أكبر من فائدتها.

•من الواضح أنه بخلاف فرنسا التي تشجع التجمعات السكانية الفرنسية، فإن إسرائيل التي تشجع التجمعات السكانية اليهودية لا تعمل من أجل جميع مواطنيها، بل فقط من أجل الأغلبية اليهودية،  وبالتالي على حساب الآخرين. مرة أُخرى يظهر التعارض بين قانون أساس القومية وبين إعلان الاستقلال الذي تعهدت فيه الدولة بالعمل على تطوير البلد من أجل جميع مواطنيها. ماذا كنا سنقول عن دولة أُخرى توجد فيها أقلية يهودية، وتشرّع مبدأ يشجع على قيام تجمعات سكنية مسيحية؟

•لو كنا نعيش الآن تحت حكم أجنبي يسعى للتضييق على خطوات التجمعات السكنية اليهودية، لكان في الإمكان أن نفهم تشريع مثل هذا المبدأ من أجل التجمعات اليهودية. في الواقع الدولة ليست بحاجة إلى توجيه قانوني للدفاع عن الييشوف اليهودي، بل هي بحاجة إليه فقط من أجل قمع وتمييز من هم من غير اليهود، عرب، دروز، أو الذين جاؤوا من دول الاتحاد السوفياتي وليسوا من الديانة اليهودية. ما الفارق بين هذا التوجيه القانوني وبين دعوة الحاخامين العنصريين إلى عدم بيع أو تأجير منازل للعرب، والذين، كما هو معروف، لم يقدّموا إلى المحاكمة بسبب التحريض العنصري؟ وما الفارق بينه وبين "شعار العمل العبري" الذي كان ملائماً ربما للمرحلة التي سبقت قيام الدولة "العمل اليهودي"؟ أي عدم تشغيل عرب في أية أشغال إلاّ إذا كان المقصود أعمالاً لا تلائم اليهود. 

•لو اجتمع حكماء هذا العصر وبحثوا عن طريقة لإثارة وزيادة غربة وكراهية العرب في إسرائيل للحكم وفكرة الدولة اليهودية ثمة شك في أنهم كانوا سيعثرون على ابتكار مفيد أكثر. ليس كافياً طرد العرب من الدولة التي لم تعد دولتهم بحسب تعريفها القانوني، بل دولة الشعب اليهودي، والمسّ بمكانة اللغة العربية، إنما يُضاف إلى ذلك التزام الدولة، بل من واجبها أيضاً، إبعادهم عن الأرض، وإبعادهم أيضاً عن السكان الذين يقيمون بها. يأتي هذا على خلفية مصادرة أراضيهم بعد قيام الدولة، وبعد ثلاثة أجيال تقريباً من التمييز ضدهم في مجال التخطيط والبناء.  

•أليس هذا تبنياً لنظرية أن العرب تعدوا حدودهم في البلد؟ أليس هذا بمثابة ترانسفير رمزي لهم وبداية ترانسفير فعلي من البلد؟

•يوجد هنا خطوة إضافية على طريق ضم كامل للمناطق [المحتلة]، لكن هذه المرة في الاتجاه المعاكس، المناطق [المحتلة] هي التي تضم الدولة. إن مبدأ الاستيطان اليهودي الذي تُعتبر المستوطنات في المناطق، بالاستناد إليه، شأناً يهودياً حصرياً، دخل الآن إلى أراضي الدولة. وكما لا يجري تعداد السكان الفلسطينيين في المناطق، كذلك لا يجري تعداد المواطنين العرب في دولة إسرائيل. لا مفر من الاعتراف بأن سياسة من النوع الذي يتطابق مع حكم الأبرتهايد (على أساس إثني) الموجودة في المناطق [المحتلة]، دخلت الآن بغطرسة إلى داخل إسرائيل من خلال القانون بما يُدّعى أنه سيكون الدستور الجديد، المحصّن لإسرائيل. 

•من أجل قبول المواطنين العرب القانون (وليس موافقتهم عليه) يتعين عليهم أن يسلموا بـأنهم غائبون أو في أحسن الأحوال في مرتبة أدنى، وبحسب المستشار القانوني، هم أيضاً يفتقرون إلى حقوق جماعية كأقلية قومية. من المستحيل أن نتوقع من أي انسان أن يقبل هذا الإذلال، ويجب أن نطلب من كل إنسان محترم عدم تأييد "قانون" يطالب بما يجب منع المطالبة به. بناء على ذلك، يمكن عملياً وصف القانون بأنه استخدام للقوة التعسفية للأغلبية اليهودية من أجل إلحاق الضرر عمداً بالأقلية تحت عباءة "قانون أساس".