معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
•تبدأ، في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، السنة المالية الجديدة في الولايات المتحدة ومعها برنامج المساعدات المتعدد السنوات لإسرائيل للعقد المقبل 2019 – 2028 بمبلغ إجمالي يصل إلى 38 مليار دولار، منه 33 مليار دولار من برنامج المساعدات الخارجية و5 مليارات دولار من وزارة الدفاع لتمويل مشاريع مشتركة في مجال الدفاعات الجوية (هذا الموضوع كان مشمولاً في برنامج المساعدات المتعدد السنوات السابق). ومع ذلك، فقد جرى تصعيب شروط المساعدة: لن تستطيع إسرائيل شراء الوقود بأموال المساعدة، وستقل قدرتها على تحويل أموال المساعدات من دولارات إلى شيكلات بالتدريج، حتى تزول تماماً مع نهاية البرنامج. وسيشكل هذا تحدياً في مجال المحافظة على قدرات البحث والتطوير في الصناعات العسكرية الإسرائيلية، التي تعتمد الآن على ما يشتريه الجيش الإسرائيلي بالشيكلات التي يجري تحويلها من المساعدات الأميركية بالدولارات.
•تشكل المعونات الأميركية أحد المقومات المهمة في القدرة العسكرية الإسرائيلية خلال السنوات الـ45 الأخيرة (وبصورة خاصة منذ "حرب الغفران" / أكتوبر 1973). وهي تشكل مصدراً لتمويل وتزويد الجيش الإسرائيلي بأحدث الوسائل القتالية المتقدمة في العالم. وتشكل المساعدات اليوم نحو خُمس ميزانية الأمن غير الصافية ونحو 1% من الناتج القومي. تُقدَّم المساعدات بواسطة اتفاقية متعددة السنوات يسري مفعولها عقداً كاملاً، تتيح للجيش الإسرائيلي إمكان التخطيط والشراء للمدى البعيد، كما تعود بفائدة كبيرة على الصناعات العسكرية الإسرائيلية أيضاً.
•صادقت لجنة المخصصات في مجلس النواب الأميركي، في حزيران/ يونيو 2018، على بند المساعدات الخارجية في الميزانية الأميركية للسنة المالية 2019، التي ستبدأ في تشرين الأول/ أكتوبر 2018. وستكون هذه السنة الأولى في برنامج المساعدات الجديدة لإسرائيل للعقد القادم، 2019- 2028. يستند البرنامج إلى مذكرة تفاهم وقّعتها حكومة إسرائيل وإدارة الرئيس باراك أوباما في أيلول/ سبتمبر 2016، وهي تقضي بتقديم معونات بمبلغ إجمالي يصل إلى 38 مليار دولار خلال عشر سنوات، منها 33 مليار دولار من ميزانية وزارة الخارجية الأميركية (FMF) و5 مليارات دولار من ميزانية وزارة الدفاع الأميركية لتمويل مشاريع مشتركة. وبرنامج المساعدات للسنوات 2019- 2028 هو الثالث المعدّ لعشر سنوات، إذ سبقه برنامجا المساعدات للسنوات 2009- 2018 و1999- 2008.
معطيات ودلالات اقتصادية
•ارتفع حجم المساعدات الأمنية لعشر سنوات من ميزانية وزارة الخارجية الأميركية من 30 مليار دولار في برنامج المعونات للسنوات 2009- 2018 إلى 33 مليار دولار الآن (3.3 مليار دولار في السنة الواحدة). أي أن رزمة المساعدات الخارجية ازدادت ثلاثة مليارات دولار بالقيمة الاسمية (من دون المساهمة في تمويل مشاريع مشتركة، والتي قُدمت حتى الآن بصورة منفردة). وثمة شك فيما إذا كانت هذه الزيادة كافية لتعويض غلاء الأسعار المتوقع خلال العقد القريب، وهو ما يعني أن حجم برنامج المساعدات الإجمالي لا يزيد عن حجم سابقه بالقيمة الحقيقية.
•تضمنت مذكرة التفاهم، لأول مرة، تحديد إطار لتمويل مشاريع مشتركة مع وزارة الدفاع الأميركية. في هذا الإطار، سيخصَّص مبلغ خمسة مليارات دولار (500 مليون دولار في السنة) من ميزانية الدفاع الأميركية لتمويل مشاريع أميركية ـ إسرائيلية مشتركة في مجال الحماية من الصواريخ (إسرائيل ملزمة بتوظيف مبلغ مواز في هذه المشاريع). صحيح أن حجم المساعدة أقل قليلاً، مقارنة بحجم المساعدة المقدمة في كل سنة خلال السنوات الأخيرة، إلاّ إن تنظيم تمويل المشاريع المشتركة كجزء من رزمة المعونات المتعددة السنوات سيؤدي، بالتأكيد، إلى تحسين قدرة التخطيط المتعدد السنوات وتمكين وزارة الدفاع الإسرائيلية من الشراء المتعدد السنوات للمدى البعيد، في هذا المجال أيضاً. كما سيقلل هذا الاتفاق، بدرجة كبيرة، الجهود التي تبذلها وزارة الدفاع في مساعي تجنيد التمويل لهذا الغرض في كل سنة.
•تفهم إسرائيل من هذا الاتفاق أنها لن تستطيع استخدام أموال المساعدات لشراء الوقود من الولايات المتحدة (وبصورة خاصة وقود الطائرات)، ابتداء من سنة 2019. يجري الحديث هنا عن مشتريات بمبلغ يتراوح بين 300 و400 مليون دولار في السنة (تبعاً لأسعار النفط). والجزء (من المعونات) الذي سيكون في إمكان إسرائيل تحويله من دولارات إلى شيكلات للشراء من الصناعات العسكرية المحلية سيقل بالتدريج من 815 مليون دولار في سنة 2019 إلى 450 مليون دولار في سنة 2025، ثم إلى صفر في سنة 2028. ونتيجة هذا، من المتوقع أن يعمد الجيش الإسرائيلي إلى الشراء أكثر فأكثر من الصناعات العسكرية في الولايات المتحدة ومن مصانع الصناعات العسكرية الإسرائيلية في الولايات المتحدة، على حساب مصانعها في إسرائيل. وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع كبير في المصروفات على الشراء من جهات أُخرى، بينما تُعتبر مشتريات الجيش الإسرائيلي من الصناعات المحلية أرخص كثيراً من مشترياته في الولايات المتحدة.
•بالنسبة إلى مخططي ميزانية الأمن الإسرائيلية، تعني هذه الأمور (بشأن الوقود وتحويل الدولارات إلى شيكلات) تصعيب شروط المساعدات بصورة حادة، إذ يجري الحديث هنا عن نحو 1.2 مليار دولار في السنة (نحو 4.3 مليار شيكل) لا يمكن تحويلها إلى شيكلات، مقارنة بالوضع في سنة 2018. وعلاوة على ذلك، تضمنت مذكرة التفاهم أيضاً تشديداً للرقابة الأميركية على تخطيط المعونات وطرق استخدامها.
دلالات استراتيجية
•يعكس برنامج المساعدات استمرار التزام الإدارة الأميركية بالمحافظة على التفوق العسكري النوعي الإسرائيلي (QME). وهذا مصطلح وضعه وعرّفه الكونغرس الأميركي في سنة 2008 على النحو التالي: "قدرتها [إسرائيل] على مواجهة وإجهاض أي تهديد تقليدي من جانب أي دولة منفردة أو تحالف محتمل بين دول أو من جانب "لاعبين" غير دولتيين، مع ضمان الحد الأدنى من الضرر والمصابين، بواسطة استخدام وسائل عسكرية ممتازة تتوفر بكميات كافية ـ بما في ذلك الأسلحة، وسائل التحكم والمراقبة، الاتصال، الاستخبارات، الرصد وقدرات جمع المعلومات، بحيث تكون مزاياها التقنية أفضل من تلك المتوفرة لدى دولة أُخرى منفردة أو لدى تحالف دول أو لدى لاعبين غير دولتيين".
•يمكن تفهُّم هذا التغيير في تركيبة المساعدات تماماً، على الرغم مما يسببه من مصاعب لوزارتي الدفاع والمال في إسرائيل، وخصوصاً حيال الوضع الاقتصادي الجيد نسبياً الذي تتمتع به إسرائيل خلال السنوات الأخيرة وبالنظر إلى حاجة الإدارة الأميركية إلى تفضيل الصناعات الحربية الأميركية.
•ثمة من يقترحون التوجّه إلى الإدارة الأميركية بطلب لتغيير شروط المعونات في مجال القدرة على تحويل الأموال، لكن يجب أن نتذكر أن سياسة الرئيس دونالد ترامب، المبنية على شعار "أميركا أولاً"، تتناقض مع هذه الفكرة تماماً، ناهيك بأن إسرائيل قد اضطرت إلى التعهد أمام إدارة باراك أوباما، في إطار مذكرة التفاهم، بعدم طلب أي مساعدات إضافية أُخرى خلال فترة برنامج المعونات، إلاّ في حال وقوع حادث أمني طارئ يستدعي ذلك.
•قد يكون لإلغاء إمكان تحويل الدولارات إلى شيكلات تأثير سلبي على الصناعات العسكرية الإسرائيلية، نظراً إلى أن الجيش الإسرائيلي لن يكون قادراً على الشراء منها بالكميات والمبالغ التي كانت من قبل. تقدم هذه الصناعات مساهمة استراتيجية للأمن الإسرائيلي: تقليل التعلق بمصادر تزويد الأسلحة، حرية العمل بصورة أكبر في مجال استخدام أنواع الأسلحة المصنّعة في إسرائيل، القدرة على تطوير أسلحة أكثر ملاءمة لحاجات الجيش الإسرائيلي المميزة، كونها مراكز للمعرفة التكنولوجية ومساهمتها الكبيرة والمهمة في مجالات العمل والتشغيل، والإنتاج، والتصدير والعلاقات الخارجية. من دون الاستعداد بصورة لائقة، قد تتكبد الصناعات العسكرية الإسرائيلية أضراراً جدية، وهو ما يعني تضرُّر استقلالية إسرائيل التكنولوجية العسكرية. وعليه، فإن التحدي الذي يضعه برنامج المساعدات الجديد يتمثل في المحافظة على التفوق النوعي للصناعات العسكرية الإسرائيلية، وخصوصاً بواسطة دعم الأبحاث والتطوير وتحقيق زيادة كبيرة في حجم الصادرات الأمنية خلال السنوات الخمس المقبلة.
•خلاصة القول إن برنامج المعونات الأميركية للسنوات 2019- 2028 هو برنامج سخي ويلبي حاجات إسرائيل. أمّا التحديات التي يضعها هذا البرنامج أمام إسرائيل فهي:
1. تخطيط واستخدام صحيحان للمعونات وللمشتريات بما يوصل قدرات الجيش الإسرائيلي إلى الحد الأقصى الممكن، وبصورة خاصة في ضوء التغيير في تركيبة المساعدات (دولارات أكثر وشيكلات أقل)؛ 2. منع حدوث ضرر جدي في استقلال دولة إسرائيل التكنولوجي العسكري، من خلال استعداد الصناعات العسكرية الإسرائيلية ووزارة الدفاع بصورة مناسبة، انطلاقاً من الوعي بأن وقف تحويل الدولارات إلى شيكلات هو حقيقة ناجزة.