•فاز رجب طيب أردوغان بولاية رئاسية أُخرى في تركيا في الانتخابات العامة التي جرت هذا الأسبوع. ومن الآن فصاعداً سيتمتع أردوغان بصلاحيات أوسع بكثير. واعترف مرشح المعارضة للرئاسة، محرّم إينتشي، الذي حصل على 30% من أصوات الناخبين، بفشله، لكنه في الوقت عينه أكد أن "تركيا تدخل الآن مرحلة الحكم الخطر للرجل الواحد".
•ويبدو أن ما قاله مرشح المعارضة يعبّر بصورة ملطفة عن الواقع الذي تشكل في تركيا خلال السنوات الأخيرة. فقد نجح أردوغان، المؤيد لـ"الإخوان المسلمين"، والذي يفتقد أي كوابح، في محو إرث مصطفى كمال أتاتورك، ولا سيما إلغاء مؤسسة الخلافة، وفصل الدين عن الدولة، وإقامة نظام حكم ديمقراطي علماني. كما أن أتاتورك ابتعد عن الدول العربية، ورأى أنها تشكل عبئاً يمس باحتمال تقدم تركيا، وطوّر سياسة كانت وجهتها الغرب.
•إن الوضع القائم في تركيا الآن يثير كثيراً من المخاوف والشكوك. وفي هذا الإطار لا بد من أن نشير إلى أن نتائج الانتخابات التي تم إعلانها مشكوك فيها، لكن على ما يبدو لن يعرف أي شخص النتائج الحقيقية، فضلاً عن أن المعارضة لن تجازف بخوض مواجهة مع أردوغان، الذي لن يتردد في استخدام القوة.
•ومن المعروف أن أردوغان أعد العدة لانتصاره هذا منذ وقت طويل. فقد أقام ميليشيات شعبية كانت تقوم بمسيرات في المدن بين الفينة والأخرى، وتنشر الرعب بين السكان وتدعوهم إلى دعم الحاكم. وهذه الميليشيات أنقذت أردوغان في أثناء الانقلاب العسكري في تموز/ يوليو 2016، عندما استجابت لندائه ووقفت في وجه الضباط والجنود. وفي إثر هذا الانقلاب أقدم أردوغان على فصل 150.000 شخص، بينهم ساسة وصحافيون وقضاة وموظفون وعناصر من الجيش والشرطة، من عملهم، وأغلق عدة وسائل إعلام.
•بالإضافة إلى ذلك أصدر أردوغان أوامر تقضي بفتح مدارس إسلامية، يتعلم فيها التلامذة حب الجهاد والدفاع عن "تركيا الإسلامية الجديدة". وفي ظل كل هذه الظروف كان من الصعوبة عقد مهرجانات انتخابية للمرشحين المتنافسين في ساحات المدن، ومعروف أن بعض المهرجانات التي أقيمت تعرضت للهجوم وتم تفريقها.
•عمل أردوغان طوال سنوات كثيرة على تعزيز مكانته في رأس الهرم السياسي التركي. فقد بدأ مسيرته السياسية سنة 2002 عضواً في البرلمان، ثم أصبح رئيساً للحكومة، وبعد ذلك رئيساً للدولة واسع الصلاحيات. ونجح في إدخال تعديلات على الدستور تجعل رئيس الدولة يمتلك صلاحيات مطلقة. وكان من المقرر أن تجري انتخابات الرئاسة في كانون الأول/ ديسمبر 2019، لكنه قرر تبكيرها من منطلق الثقة الذاتية الكبيرة بأنه سيفوز فيها ويصبح حاكماً مطلقاً للبلد. وهذا ما حدث فعلاً.
•في ظل وظيفة أردوغان الجديدة كحاكم مطلق لتركيا، فإنه يحظى بصلاحيات أوسع ليست مقبولة في أنظمة الحكم في الغرب. كما تم إلغاء منصب رئيس الحكومة. وسيتولى أردوغان منصب القائد الأعلى للجيش والشرطة، وسيكون المسؤول المباشر عن الوزراء، ومن خلالهم عن المنظمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي تُعتبر الأساس لإدارة شؤون الدولة كلها.
•وسيكون أردوغان مسؤولاً عن تعيين نصف قضاة المحكمة العليا والمدعين العامين، ويقوم البرلمان، الذي يحظى فيه بأغلبية، بتعيين النصف الباقي. وما يمكن قوله إن أردوغان نجح في إقامة نظام حكم دكتاتوري شخصي بحماية الديمقراطية.
•وإزاء هذا كله سيكون من الصعب على المعارضة التركية أن تقف في وجه حكم أردوغان. لكن هذا يجب ألاّ يمنع أحزاب المعارضة من أن تسعى لأقصى حد من التعاون والتنسيق والإصرار على الوقوف في وجه "الحكم الخطر للرجل الواحد"، كما وصف ذلك المرشح المنافس له.