من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
•وجهة النظر التي تقول إن تقديم تسهيلات إنسانية سيؤدي إلى وقف الإرهاب هي "أوهام وهذيان"، هذا ما قاله وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان شارحاً معارضته تخفيف الحصار المفروض على غزة. ليبرمان على حق. التسهيلات هي مقابل صغير للغاية ولا يمكنها أن تقنع شعباً مسجوناً بوقف نضاله الوطني للتحرير. وهي تشبه إرخاء الحبل المشدود على عنق المشنوق. وأكثر ما يمكن أن تفعله هو إطالة تشنّجه. وهي أكثر مما ستخدم السكان، فإنها ستضفي على إسرائيل صفة دولة محتلة إنسانية تمنح رعاياها قدراً أكبر من الغذاء والدواء، وربما القليل من مواد البناء التي يستطيعون بواسطتها إعادة بناء منازلهم المدمرة.
•غزة ليست بحاجة إلى تسهيلات بل إلى تطوير اقتصادي فعلي. لكن نقاش المجلس الوزاري المصغر الذي دار هذا الأسبوع في غرفة محصّنة تحت الأرض أوضح جيداً أنه إذا كان هناك خلاف بين متخذي القرارات فهو يتعلق بمسائل تكتية، مثل الثمن الذي ستطالب به إسرائيل في مقابل الجثامين والأسرى، ولا يتعلق بحلول استراتيجية لما يسمى "مشكلة غزة". يتجاهل ليبرمان في حججه السخيفة المعارضة للتسهيلات حقيقة أن الحصار الوحشي المفروض على غزة منذ أكثر من 11 عاماً لم يؤدّ إلى وقف الإرهاب، وأن عملية "الجرف الصامد" التي أثمرت فترة هدوء نسبي طويلة، اتضح أنها "أوهام وأباطيل".
•إذا قبلنا وجهة نظر ليبرمان في أن الاقتصاد ليس مكوِّناً مهماً في الحرب على الإرهاب، وأن التسهيلات هي فقط في مقابل جثامين وأسرى، لماذا في الضفة أثبتت معادلة الاقتصاد نجاعتها النسبية؟ هل بالمقارنة مع الغزاويين، لم يعد سكان الضفة يؤمنون بالحل العنفي لأنهم يكسبون أكثر، ويتعلمون أكثر، ويتمعتون بحرية حركة أكبر كثيراً؟ إذا كان الجواب على السؤال بالإيجاب، فإن هذا الأمر يتعارض تعارضاً مطلقاً مع وجهة نظر ليبرمان المشوهة. ربما الفارق ناجم عن وجهة النظر الإسرائيلية إلى الزعامتين في جزئيْ فلسطين؟
•اقتصاد مزدهر في الضفة وفي غزة ليس بديلاً من التحرر الوطني، لكنه يمكن أن يُضعف العوارض العنيفة للمواجهة. اقتصاد معافى يقوي مكانة القيادة الفلسطينية، لكن منذ موت العملية السياسية، فإن مسألة تعزيز القيادة في الضفة وغزة، ليست مهمة في نظر إسرائيل: في هذا السياق محمود عباس و"حماس" هما سيّان. الاثنان ليسا محاورين، وهما إرهابيان يريدان القضاء على دولة إسرائيل.
•لذا ليست الفجوة الإيديولوجية بين القيادتين هي التي تخلق الفارق بالنسبة إلى إسرائيل. الفارق أن حسابات الربح والخسارة للسكان في الضفة تؤدي إلى الهدوء، بينما، بالمقارنة، ليس للسكان في غزة هذا التأثير. في غزة ليس لديهم ما يخسرونه، ويُعتبر الموت الكريم على السياج أفضل من الحياة البائسة واللامجدية. ويمكن التقدير أنه إذا قررت إسرائيل أن تفرض عقوبات اقتصادية قاسية على الضفة، على الأقل جزء من الجمهور، وربما أغلبيته، سيضغط على القيادة. في غزة لا يوجد أي شريك لإسرائيل أو ضغط مدني. السكان هناك أضعفهم القصف، والقتل الجماعي، والضائقة الاقتصادية المريعة، وهم يعيشون من دون أفق اقتصادي يمكن أن يشجعهم على الضغط على قيادتهم.
•بالنسبة إلى إسرائيل، تطوير اقتصادي في غزة هو جائزة للإرهاب، وتعزيز لمكانة "حماس"، وتنازل لا يوجد مقابل ملموس له. لكن وجهة النظر هذه تتعارض مع التطلع الإسرائيلي لأن يكون في غزة رب بيت مسؤول يمكنه أن يسيطر على التنظيمات الأُخرى وأن يمنع اقتحام السياج ويوقف إطلاق النار. ولهذه الغاية هو بحاجة إلى رافعة اقتصادية فعلية وليس إلى تسهيلات أو تبرعات. لكن ما دامت إسرائيل ما تزال أسيرة تفكير مرّ عليه الزمن وُلد في الانتقاضة الثانية أو في سنة 2006، وفي الروزنامة الاستراتيجية تُعتبر ذكرى النكبة وذكرى النكسة تهديدات نهائية، فإن أي زعيم، عسكرياً كان أم سياسياً، لن يخاطر بتفكير بعيد المدى.