ماذا يريد ترامب أن يثبت في القمة مع كيم، وماذا تحتاج إليه إسرائيل
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

– الموقع الإلكتروني
المؤلف

•يأمل رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب بالخروج من القمة في سنغافوره مع اتفاقات تؤدي إلى تجريد شبة الجزيرة الكورية  من السلاح النووي. وإذا نجح في ذلك ولو جزئياً، على الأقل ما يأمل بتحقيقه فإنه سيكون جديراً بجائزة نوبل. لكن ما لا يقل أهمية عن ذلك هو أنه إذا نجح في بلورة اتفاق بشأن بداية عملية تجريد شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي، فإن في إمكانه أن يثبت أنه نجح حيث فشل الرئيس السابق للولايات المتحدة، باراك أوباما.

•يريد ترامب أن يثبت أنه توصّل مع كوريا الشمالية إلى اتفاق فعال، بعكس الاتفاق السيء الذي وقّعه أوباما مع آيات الله في طهران. وهذا بالنسبة إليه مكافأة ربما هي أكثر أهمية من الدفع قدماً بالسلام والأمن الدوليين نتيجة تفكيك بؤرة توتر خطِر في شرق آسيا.

•ثلاثة من الرؤساء الأميركيين قبل ترامب حاولوا التوصل إلى اتفاق مع كوريا الشمالية لتجريدها من السلاح النووي ومن الصواريخ الباليستية التي تشكل خطراً على جيرانها، اليابان، وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة، وجميعهم فشلوا. عملياً، كانوا أربعة رؤساء، لأن كلينتون عمل في التسعينيات كوسيط من قبل الرئيس السابق جيمي كارتر في المفاوضات التي أجراها مع كيم جونغ إيل، والد الحاكم الحالي كيم جونغ أون، من أجل وقف تطوير السلاح النووي في كوريا.

•كارتر توصل إلى اتفاق، وتباهى كلينتون بالإنجاز، لكن كوريا الشمالية عادت بعد بضع سنوات إلى تطوير سلاح نووي وصواريخ باليستية، على الرغم من أن الولايات المتحدة دفعت الثمن كاملاً لقاء ذلك، وأرسل الأميركيون النفط والغذاء إلى كوريا الشمالية، وعلى الرغم من ذلك رمى كيم  الاتفاق في سلة المهملات.

•لقد جرى هذا قبل أن يكون لدى كوريا الشمالية سلاح نووي وفي أثناء تطويرها  له. ولقد تكرر السيناريو عينه بشكل من الأشكال مع الرئيس جورج بوش الابن، وأيضاً مع أوباما. صحيح أن أوباما لم يوقّع اتفاقاً مع كوريا الشمالية،  ليس لأنه لم يكن يرغب في ذلك، بل تحديداً كان يريد ذلك، لكن لأن كيم لم يشأ ذلك ورفض بازدراء يد الرئيس الأميركي الممدودة.

•يريد ترامب أن يثبت أنه فعل ما لم ينجح فيه أربعة رؤساء قبله، وهذه مهمة تقريباً مستحيلة. تقول أغلبية الخبراء والمعلقين إن القمة ستنتهي بإعلان فارغ من المحتوى يتيح لترامب القول إنه نجح من دون أن يكون لذلك غطاء فعلي. قلائل فقط يقولون إن القمة ستنجح جزئياً على الأقل، لأن كوريا الشمالية تعاني حالياً جرّاء ضائقة اقتصادية قاسية ولأنها انجزت مشروعها النووي وصواريخها ولا حاجة لها إلى القيام بتجارب نووية أو صاروخية في الوقت القريب.

•أحد اختبارات القمة في سنغافورة سيكون التزام كوريا الشمالية بالامتناع من إعطاء معلومات ومكونات السلاح النووي ومعلومات ومكونات تصنيع الصواريخ الباليستية، إلى دول أُخرى. هنا تدخل إسرائيل إلى الصورة. الزبائن الأساسيون لكوريا الشمالية هم حالياً إيران وسورية، وهناك من يقول إن مصر أيضاً تجري معها اتصالات سرية بشأن معلومات نووية وصواريخ باليستية. بعد قمة سنغافورة، إذا تعهد رئيس كوريا الشمالية بمنع انتشار معلومات عن السلاح غير التقليدي، فإن هذا  سيكون نجاحاً كبيراً من وجهة نظر إسرائيل. 

•يجب أن نتذكر أنه حتى اليوم جرى التعبير عن تعاطف ترامب مع إسرائيل بصورة أساسية في التصريحات ومن خلال مبادرات لفظية وسياسية لا قيمة عملية لها. لكن إذا حصل ترامب على تعهُّد ووُضعت وسائل للتأكد من تحقيق هذا التعهد، ولم تنقل كوريا الشمالية معلومات نووية ومكونات الصواريخ الباليستية إلى دول أُخرى، وعلى رأسها إيران، فإن ذلك سيشكل مساهمة مهمة جداً للأمن. 

•هناك أيضاً أمور تتعلق بالشرق الأوسط وبأمن إسرائيل بصورة خاصة، ستناقَش في قمة سنغافورة يوم الثلاثاء. لكن من المهم جداً الاعتراف أولاً أن كيم جونع أون جاء إلى القمة بصورة خاصة بسبب العقوبات الاقتصادية القاسية المفروضة على بلده الذي يواجه أيضاً عقوبات اقتصادية مفروضة من جانب مجلس الأمن الدولي والولايات المتحدة قبل سنوات.

•كيم إيل سونغ، جد كيم جونغ أون، مؤسس "الجمهورية الديمقراطية الشعبية الكورية" وضع سياسة الاعتماد على النفس التي تعني الاعتماد على الوسائل والموارد الذاتية ومن دون مساعدة من الخارج. وقد تسبب هذا بمجاعة جماعية في كوريا الشمالية في تسعينيات القرن الماضي أدت إلى وفاة مئات الآلاف وهناك من يقول الملايين. 

•الحفيد كيم جونع أون لا يريد الوصول إلى هذا الوضع. وهو يعرف كيفية مواجهة العقوبات المفروضة من الأمم المتحدة والالتفاف عليها، لكنه لا يعرف كيف يواجه العقوبات التي فرضتها عليه الصين. عملياً، إن التجارة مع الصين هي التي تمنع الانهيار الاقتصادي لكوريا الشمالية. لكن ترامب نجح في إقناع الرئيس الصيني بالانضمام إلى العقوبات على كوريا الشمالية.

•لقد قام الصينيون في نهاية سنة 2017 بما لم يفعلوه طوال سنوات، فقد أعلنوا توقفهم عن شراء الفحم من كوريا الشمالية، وبذلك جعلوا الجولة الأخيرة من العقوبات على هذه الدولة المعزولة خانقة وأكثر فعالية. والسبب كان التجارب النووية وتفجير القنبلة الهيدروجينية وتجارب الصواريخ الباليستية التي يمكنها أن تصل إلى جميع أنحاء الولايات المتحدة، وتلك التي انفجرت أيضاً فوق أراضي اليابان في صيف سنة 2017 وخريفها.

•حتى بالنسبة إلى الصينيين المتسامحين، الذين هم الجيران والمؤيدون التقليديون، فإن كوريا الشمالية زادتها أكثر مما ينبغي. وعلى ما يبدو اقتنع الصينيون أنهم إذا لم يكبحوا حاكم كوريا الشمالية، الشاب العنيف الذي لا يمكن توقُّع ردات أفعاله ، يمكن أن تنشب حرب في شبه الجزيرة الكورية ستنجر الصين إليها سواء أرادت ذلك أو لم ترِد، ويمكن أن تكون حرباً بالوسائل النووية.

•سمع حاكم الصين تبادل الضربات الكلامي بين ترامب وبين كيم جونغ أون وفهم أن الوضع جدي وأنه يوجد تهديد فعلي لسلام العالم، وللصين أيضاً وقرر كبح "الولد". وكان هذا ناجعاً، وعلى ما يبدو كان هذا السبب الأساسي الذي دفع الحاكم الكوري فجأة في نيسان/أبريل إلى تغيير موقفه والتلميح إلى استعداده لتجريد شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي في مقابل تعهدات بإخراج القوات الأميركية (28 ألف جندي) من أراضي كوريا الجنوبية وتعهد أميركي بعدم نصب سلاح نووي على أراضي كوريا الجنوبية واليابان.

•مع ذلك، يجب ألاّ يخدعنا هجوم كيم جونغ أون بالابتسامات. فهو يعرف ماذا جرى للرئيس الليبي معمر القذافي الذي تخلى عن سلاحه النووي سنة 2004 وأُسقط سنة 2011. من وجهة نظر النظام في كوريا الشمالية السلاح النووي والصواريخ الباليستية هي ضمانة بألاّ تحاول الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان إسقاط النظام الديكتاتوري في كوريا الشمالية. لذا لا حظوظ تقريباً بأن يوافق كيم جونغ أون على نزع سلاحه النووي.

•على ما يبدو سيوافق على إعلان مبدئي يتحدث بصورة عامة عن تجريد شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي، من دون أن يحدد موعداً معيناً. لكن من وجهة نظر إسرائيل، ما سيجري في موضوع الصواريخ الباليستية مهم. والرأي السائد اليوم هو أن كوريا الشمالية حالياً يمكنها وقف تطوير الصواريخ الباليستية بعد أن أظهرت قدرة مؤكدة على إطلاق صواريخ تغطي الولايات المتحدة كلها، وأن تخلق ردعاً متبادلاً مع الولايات المتحدة.

•يتطلع الإيرانيون إلى الوصول إلى هذا الوضع تحديداً، لكن الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع الدول العظمى لا يغطي موضوع الصواريخ الباليستية التي تواصل إيران تطويرها. إذا اشتمل "اتفاق سنغافورة" على بند محدد يعالج تهديد الصواريخ الباليستية لكوريا الشمالية، فإن هذا سيكون إنجازاً لترامب ولدولة إسرائيل. وسيثبت أيضاً أن ترامب عالج مع كوريا الشمالية مشكلة امتنع أوباما من معالجتها مع إيران في جريه وراء التوصل إلى اتفاق نووي معها.

•يمكن القول إنه إذا توصل ترامب إلى اتفاقات ربما على بداية عملية مراقبة مشددة وطويلة الأمد لنزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية، فإن هذا سيؤكد أنه كان محقاً في خروجه من الاتفاق النووي مع إيران (وأن نتنياهو كان على حق أيضاً). الانسحاب من الاتفاق معناه تجدُّد العقوبات الاقتصادية القاسية على إيران، وإذا كان هذا قد نجح مع كوريا الشمالية فإنه سينجح مع إيران أيضاً.

•ثمة أمر واضح. كيم جونغ أون سيربح من قمة سنغافورة في جميع الأحوال. جوهر اللقاء بينه وبين الرئيس الأميركي يشكل اعترافاً رسمياً من الولايات المتحدة بكوريا الشمالية، امتنعت عنه منذ سنة 1953، العام الذي انتهت فيه الحرب الكورية. وما لم يحققه جده ووالده، أي الاعتراف الدولي بشرعية نظامه، سيحققه على ما يبدو كيم يوم الثلاثاء، قبل أن نعرف ما إذا كان سيقدم مقابلاً حقيقياً.