•انتهت المواجهة الأخيرة بين إيران وإسرائيل في 10 أيار/مايو بنتيجة قاسية بالنسبة إلى إيران: جميع الصواريخ التي أطلقتها على أهداف عسكرية إسرائيلية جرى اعتراضها، ولم تُصِب أراضي إسرائيل. رداً على ذلك هاجمت إسرائيل 50 هدفاً إيرانياً في سورية. يجب ألاّ نُفاجأ بالنتيجة لأن إسرائيل تتمتع بتفوق كبير على إيران على الساحة السورية، واستخدام القوات الإيرانية والميليشيات الشيعية يستند إلى رؤية غير صحيحة.
•في الأساس، أُرسلت هذه القوات لمساعدة نظام الأسد في ضائقته والقضاء على داعش، وقد استعانت بهجمات سلاح الجو الروسي. لكن لإيران خططاً إضافية: بناء وجود طويل الأمد في سورية، وبذلك خلق تهديد كبير لإسرائيل. بيد أن الطائرات الروسية أُرسلت لمساعدة نظام الأسد وضمان مصالح الروس في سورية. وحتى الآن لم تساعد روسيا إيران في المواجهة مع إسرائيل، ولا يبدو أنه لديها رغبة في التدخل. وهكذا بقيت القوات الإيرانية والشيعية من دون دفاع جوي كاف، بينما سلاح الجو الإيراني غير مؤهل للدخول في مواجهة مع سلاح الجو الإسرائيلي. كما أن الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت منظومتي الدفاع الجوي السورية والإيرانية أبقت القوات الإيرانية والشيعية مكشوفتين في الساحة السورية، ويبدو أن هذا الوضع لن يتغير بصورة كبيرة في المستقبل. بعد الفشل في مطلع أيار/مايو يجب أن يكون واضحاً للإيرانيين أنهم لا يستطيعون مواصلة الطريق الذي سلكوه حتى الآن، وأن العمليات الإسرائيلية تفرض عليهم التفكير في سبيل آخر.
•أمام إيران طريقتا عمل أساسيتان، والاثنتان إشكاليتان. الطريقة الأولى استخدام الورقة الأساسية التي لديها لردع إسرائيل عن مواصلة هجماتها: استخدام منظومة الصواريخ الضخمة التي لدى حزب الله، وبمعقولية أقل بكثير، إطلاق صواريخ من إيران. إذا قررت إيران استخدام هذه القدرة بحجم كبير، من المعقول الافتراض أن حزب الله سينصاع لأوامرها. لكن هذا الخيار ينطوي على خطرين كبيرين. الأول؛ لقد أوضحت إسرائيل مرات كثيرة أن صليات صواريخ من حزب الله ستؤدي إلى رد إسرائيلي قاسٍ للغاية، ليس ضد الحزب فقط بل ضد لبنان كله.
•الثاني هو الأكثر خطورة: حتى لو أن حزب الله هو الذي أطلق الصواريخ من الواضح أن إسرائيل ستعتبر إيران هي المسؤولة عن ذلك. وتستطيع إسرائيل الرد عبر عملية مركزة لاقتلاع التمركز الإيراني في سورية ولبنان، وإذا نجحت في ذلك فإن هذا سيؤدي إلى نهاية هذا التمركز. أيضاً حتى لو قلص الإيرانيون ردهم واقتصر على قصف صاروخي محدود على أهداف عسكرية فقط، فإن المواجهة الأخيرة يجب أن تدلهم على أنه حتى الإطلاق المحدود للصواريخ يمكن أن يدفع إسرائيل إلى رد واسع. وثمة ما هو أخطر من ذلك، استخدام منظومة حزب الله الصاروخية بصورة كبيرة، أو إطلاق صواريخ من إيران معناه حرب مع إسرائيل. ليس من مصلحة إيران التدهور إلى مواجهة واسعة بسبب دونية موقعها في المجال السوري، ولأن إسرائيل ستقضي على جهودها في ترسيخ نفوذها في سورية وفي العراق وفي لبنان. علاوة على هذا كله يمكن أن ترى إسرائيل في الاستفزاز الإيراني تبريراً وفرصة لمهاجمة المنشآت النووية في إيران.
•طريقة العمل الثانية هي خفض التوتر إزاء إسرائيل. لن تتنازل إيران عن رغبتها في غرز وتد طويل الأمد في سورية، فهذا يشكل بالنسبة إليها هدفاً استراتيجياً من الدرجة الأولى. لكن في ضوء الخطر الذي يخلقه هذا الوتد بالنسبة إلى إسرائيل، وعدم امتلاك إيران قدرة كافية لمواجهة إسرائيل في هذه الساحة، قد تفضل إيران عدم مفاقمة الوضع، في الوقت الذي تضع إدارة ترامب إيران في مواجهة تهديد غير مسبوق. في ظل هذا الوضع تستطيع إيران تقوية موقعها في سورية بوسائل أُخرى، مثل استثمارات اقتصادية، وتعزيز العلاقات السياسية وبناء ميليشيات شيعية سورية. ولا يعني هذا أن إيران ستتخلى عن الجانب العسكري، لكنها قد تُقلص المكونات التي تشكل تحدياً لإسرائيل ما دامت لم تتوصل إلى رد على التفوق الإسرائيلي.
•من الصعب أن نحدد أي طريقة ستختارها إيران، فمن المحتمل وجود خلاف في هذا الشأن بين الجناح الراديكالي في النظام وبين الأكثر اعتدالاً، الذي ينعكس في كلام الرئيس روحاني عن أن إيران ليست معنية بتوتر إضافي، وفي مطالبة الجماهير في تظاهرات كانون الأول/ديسمبر 2017 بوقف التدخل العسكري المكلِف في سورية.