معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
•في ليل 29 نيسان/أبريل، ذكر الجيش السوري أن عدداً من القواعد العسكرية في منطقتي حلب وحماة تعرض لهجوم بالصواريخ، ووصف الهجوم بأنه "اعتداء جديد من أعداء سورية". وذكرت مصادر متعددة أن الأهداف التي تعرضت للهجوم هي مطار بالقرب من حلب وقاعدة عسكرية في منطقة حماة يستخدمها الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الشيعية التي تعمل بإمرة إيران. وذُكر أيضاً أن الهجوم استهدف منشأة تضم بنية تحتية تحت الأرض لإنتاج وتخزين صواريخ صُنّعت بمساعدة كوريا الشمالية، وبتمويل من إيران، وهي تقع بالقرب من حماة. وعلى ما يبدو، أوقع الهجوم أضراراً كبيرة بالمنشأة تحت الأرض وبالصواريخ المخزّنة فيها، ودمر عشرات الصواريخ، وأدى إلى سقوط عشرات القتلى، من المحتمل أن جزءاً منهم كان من الإيرانيين.
•قبل شهر، جرت في معهد دراسات الأمن القومي "لعبة حرب" من أجل توضيح حدود المعركة المستمرة على الساحة الشمالية والتطورات المحتملة للتصعيد بين إسرائيل وإيران والتنظيمات الدائرة في فلكها.
•خلال اللعبة، جرى فحص سيناريوهين تصعيديين: الأول تناول تبادل ضربات بين إسرائيل وإيران على أرض سورية، ضمن إطار التحركات الإسرائيلية لإحباط التمركز الإيراني، وضد محاولات إيران اختبار الخطوط الحمراء التي وضعتها إسرائيل وتحديها، وإمكان تدخل روسيا والولايات المتحدة والمجتمع الدولي. السيناريو الثاني عرض تصعيداً على الساحة الشمالية اللبنانية بعد هجوم منسوب إلى إسرائيل ضد منشأة لتصنيع الصواريخ الدقيقة داخل الأراضي اللبنانية. وكان الهدف فحص مسألة استراتيجية أساسية: هل الجبهة الشمالية أصبحت فعلاً كتلة واحدة مؤلفة من جبهتي سورية ولبنان، أم أنهما ما تزالان جبهتين منفردتين لكل منهما منطق مختلف وتعكسان مصالح متمايزة.
رؤى مركزية
•كشفت اللعبة وجود مجموعة توترات بين اللاعبين المختلفين ناجمة أيضاً عن المصالح الخاصة بكل لاعب. ومع ذلك، إن تفضيل حاجات المدى القصير على الحاجات البعيدة المدى، بالإضافة إلى تفضيل الأهمية الزائدة للشعور بالاحترام الشكلي أو الصوري على اعتبارات استراتيجية باردة، هو الذي يدفع الأطراف أكثر من مرة إلى التحرك بخلاف مصالحهم الأساسية.
•إن الرؤية المهمة التي ظهرت في اللعبة هي أن كل الأطراف المتورطة، إسرائيل، وإيران، وسورية، وحزب الله، وروسيا والولايات المتحدة، لديهم مصلحة مشتركة هي الحؤول دون حدوث تصعيد يؤدي إلى حرب، وعلى ما يبدو، من المتوقع أن يفرضوا على أنفسهم كوابح للسيطرة على درجات التصعيد. فالعوامل التي تكبح المحور الإيراني - السوري هي الرغبة في تعزيز سلطة الأسد في شتى الأنحاء السورية، والخوف من قوة الأذى الإسرائيلية التي يمكن أن تمس المشروع الروسي- الإيراني المشترك للمحافظة على نظام الأسد؛ رغبة الرئيس ترامب في سحب القوات الأميركية من شرق سورية في أقرب وقت هي التي تبرر الصبر الإيراني حتى انسحاب هذه القوات؛ الحاجة إلى الأخذ في الاعتبار مصالح روسيا وسعيها للتوصل إلى تسوية سياسية في سورية.
•باستثناء ذلك، فإن للتصعيد ديناميته الخاصة بسبب قواعد اللعبة التي تفرض على لاعبين كثر القيام برد انتقامي على عملية قام بها عدوهم، وعوامل عشوائية، ونتائج غير متوقعة، بالإضافة إلى تقديرات خاطئة، وكل ذلك له تأثير كبير في تطور الأحداث.
•ثمة نقطة إضافية تتعلق بحدود المعركة. لا تقف إسرائيل بالضرورة في مواجهة "حرب لبنان الثالثة"، ولا في مواجهة "حرب الشمال الأولى" (في مواجهة ائتلاف معاد في جبهة واحدة تجمع لبنان وسورية) لأنه ليس من مصلحة أي طرف من الأطراف توسيع حدود المعركة إلى جبهتين، وقد دفعت المصالح المختلفة للاعبين، كما وضّحت اللعبة، إلى سلوك خاص ومتميز في كل جبهة. إذ تفضل إسرائيل وإيران التشاجر في الملعب السوري، الأمر الذي يمكن أن يؤدي تحديداً إلى "حرب سورية الأولى"، تكون فيها سورية ساحة حرب بين الاثنين، ويكون فيها النظام السوري لاعباً ثانوياً.
•تتحرك إسرائيل بما يتلاءم مع نظرية المعركة المستمرة بين الحروب (كمعركة بين الحروب)، لفرض خطوطها الحمراء (من خلال عمليات عسكرية محدودة وفعالة) بهدف الضغط على إيران كي تخفف من انتشارها في سورية وإبطاء عملية تمركزها في الساحة. لكن حتى مع وجود سياسة مضبوطة والرغبة في منع نشوب حرب مع إسرائيل، لا تستطيع إيران الاستمرار في سياسة ضبط النفس وستبحث عن إمكانات للقيام برد فعال، مع تفضيل عملية سرية ومفاجئة.
•الهدف الاستراتيجي لإيران في اللعبة ردع إسرائيل عن مهاجمة منشآت نووية، وخلق منطقة احتكاك لإشغال إسرائيل على طول حدودها والتسبب لها بأضرار كبيرة. وبعد الضربة الإسرائيلية القاسية لأهداف إيرانية (مثل فيلق القدس التابع للحرس الثوري) في أراضي سورية، اختارت إيران تصعيد المواجهة مع إسرائيل. وتجلى ذلك في عدد من صليات الصواريخ والقذائف المدفعية الموجهة ضد مواقع عسكرية في إسرائيل من أراضي سورية، والتحضير لهجوم على موقع إسرائيلي خارج إسرائيل. وكان التقدير أن إيران ستمتنع من إطلاق صواريخ باليستية مباشرة من أراضيها على إسرائيل، كي لا تربط المعركة الدائرة في سورية بالموضوع النووي، وبمطالبة المجتمع الدولي إيران الحد من تطوير الصواريخ الباليستية.
•أدت الدول العظمى دوراً ثانوياً ولم تستخدم قوتها من أجل وقف عملية التدهور إلى تصعيد واسع النطاق. إن مصالح روسيا هي المحافظة على إنجازها في سورية حتى الآن والامتناع من الغرق عميقاً في وحل لا تستطيع التخلص منه. لذا من المتوقع أن تتمسك روسيا بدورها كطرف وسيط يعمل على الاحتواء من خلال تدفيع الأطراف ثمن الوساطة. في مواجهة بين إسرائيل وإيران ترتفع أهمية روسيا وقيمتها بسبب قدرتها على التحدث مع الطرفين ومنع التصعيد نحو حرب واسعة. فحدوث احتكاك محدود من دون تصعيد واسع يخدم روسيا بسبب دورها المركزي في لجم الطرفين، وتحديد قواعد اللعبة، وقدرتها على المحافظة على نظام الأسد وتزويده بمنظومة دفاعية جوية متطورة. وما تزال روسيا بحاجة إلى إيران في القتال الدائر على الأرض، لكن عندما ننظر إلى المستقبل، ستتباعد المصالح الروسية والإيرانية ، نتيجة الصراع على النفوذ في سورية، وعلى طبيعة التسوية السياسية المستقبلية هناك.
•لن تخرج الولايات المتحدة بدورها، على ما يبدو، عن سياستها الحالية التي هي من نوع "حاضرة غائبة": توظيف الحد الأدنى المطلوب من دون التورط في معركة عسكرية إضافية في الشرق الأوسط. وعلى صعيد التصريحات تتطلع الولايات المتحدة إلى إبعاد إيران عن سورية وتقليص نفوذها. لكن عملياً من المريح لها أن تبقى روسيا هي التي تتولى معالجة الملف السوري، وهي لا تريد الآن الدخول في مواجهة عسكرية واسعة مع إيران يمكن أن تضر بهدف مركزي، إلغاء أو تغيير الاتفاق النووي، من خلال تقليص تدخلها العسكري في نقاط إشكالية. سيمنح الرئيس ترامب إسرائيل حرية العمل لأن ذلك يعفي الولايات المتحدة من تدخل عسكري واسع. إن القوتين العظميين، ومثلهم الدول العربية، غير معنيتين باستخدام قوات وعوامل ضغط أُخرى لإخراج إيران والتنظيمات الدائرة في فلكها من سورية.
•فيما يتعلق بحزب الله، هناك توازن ردع متبادل بين الحزب وإسرائيل على أرض لبنان. لقد تعلم الجمهور اللبناني دروساً قاسية من الحروب التي شهدها بلده منذ أربعين عاماً (الحرب الأهلية وحربا لبنان، الأولى والثانية)، وهو يتخوف كثيراً من حرب إضافية. وبخلاف الحالة السورية، حيث لا تأثير للرأي العام، في لبنان يؤثر النسيج الديني- الطائفي أيضاً على حزب الله كطرف سياسي، وخصوصاً قبيل الانتخابات. بالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من القيود، يمكن أن يرد الحزب بقوة على هجوم إسرائيلي داخل لبنان، لأسباب تتعلق "بكرامته"، ورغبة منه في المحافظة على قوة ردعه في مواجهة إسرائيل، وعلى صورته كـ" حامي لبنان". وتواصل إيران بناء حزب الله كذراع استراتيجية ليوم الحاجة وتعمل بتصميم لتحقيق هذا الهدف، مع مخاطرة مضبوطة وثمن محدود. لكن عندما تُقفل في وجه إيران الخيارات العملانية لمهاجمة إسرائيل، فإنها ستختار استخدام المنظومة الاستراتيجية لحزب الله، صواريخ أرض - أرض أو طائرات هجومية من دون طيار. ليس من مصلحة الرئيس الأسد الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، باستثناء الدفاع عن أجواء سورية في وجه عمليات جوية إسرائيلية، لكنه لن يحاول تقييد شركائه، إيران وحزب الله، بالعمل ضد إسرائيل.
خلاصة وتوصيات
•إذا كانت إسرائيل هي المسؤولة فعلاً عن الهجوم الأخير في شمال سورية، فإنها بذلك تعبّر عن إصرارها على خوض معركة منع تمركز إيران في الساحة الشمالية، وستعمل على إحباط الرد الإيراني، على افتراض أن لديها المعلومات الاستخباراتية المطلوبة والرد العملاني المباشر.
•إن التحدي الأكثر أهمية لسياسة إسرائيل هو مسألة كيف تحقق أهدافها في مواجهة إيران، أي منعها من الحصول على قدرة نووية، وتقليص تمركزها في سورية، وإحباط تطوير الصواريخ الباليستية وتعاظم قوة التنظيمات الدائرة في فلكها، جميع هذه الأمور تجري في وقت واحد وتستقطب الاهتمام والموارد. على المدى البعيد، للتمركز الإيراني في سورية انعكاسات سلبية كبيرة على إسرائيل. في مواجهة إيران تحديداً على الساحة السورية، تتمتع إسرائيل بمزايا عدة، بينها: قدرة استخباراتية وعملانية، هامش حرية عمل، قدرة رد مباشر على الحدث. لذلك، يتعين عليها المحافظة على إصرارها في كبح توجّه تمركز وتعاظم قوة إيران والتنظيمات الدائرة في فلكها في سورية. يتعارض هذا مع التوجه الذي برز بعد حرب لبنان الثانية، حين سكتت إسرائيل على إعادة بناء حزب الله كذراع استراتيجية إيرانية في لبنان.
•مع ذلك، فقد نجحت إسرائيل في ردع حزب الله، ومن أجل المحافظة على هذا الردع يجب أن تتمسك بسياسة الرد الفوري على أي حادث محدود، مع استخدام العمل الدبلوماسي من أجل إدخال حزب الله في قائمة التنظيمات الإرهابية، وتشجيع الكوابح الداخلية في لبنان أمام الحزب. وفي جميع الأحوال يوجد تفوق عملاني وسياسي يسمح بالقيام بعمليات عسكرية وغير عسكرية، من دون تحمّل مسؤولية، ومن وراء الكواليس، وبأساليب متعددة، كل ذلك من شأنه أن يعطل جهود إيران في بناء قوتها وتعزيز قوة التنظيمات التابعة لها على الساحة الشمالية.
•لقد وجدت روسيا نفسها أمام هجوم ليل 29 نيسان/أبريل في الوقت الذي كانت تبحث عن رد ملائم على الضرر الذي لحق بصورتها بعد هجوم الائتلاف الغربي على بنى تحتية للسلاح الكيميائي في سورية. يبدو أن روسيا فوجئت بالهجوم الأخير الذي وقع بالقرب من مناطق انتشار قواتها في شمال سورية. وعزز هذا الأمر رغبة موسكو في تزويد سورية بمنظومة صواريخ أرض - أرض متطورة من طراز S-300. وإذا استخدمت هذه المنظومات في البداية من جانب روسيا فإنها يمكن أن تحد من حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي في أجواء سورية ولبنان. ونتيحة لذلك يمكن أن تتغير طبيعة التنسيق بين إسرائيل وروسيا، من تنسيق عملاني لمنع وقوع احتكاك (deconfliction) إلى تنسيق استراتيجي. ويمكن أن تبدو إسرائيل كعدو يهدد المشروع الروسي في سورية، في إثر إصرارها على تصعيد المواجهة مع إيران والتنظيمات التابعه لها في سورية، بما في ذلك المس بقوات الأسد. في مثل هذه الحالة يرتفع خطر نشوب مواجهة مباشرة بين قواتنا والقوات الجوية والدفاعات الجوية الروسية في سورية. وستضطر إسرائيل إلى البحث عن رد على محاولات اعتراض طائراتها بواسطة بطاريات S-300 التي تستخدمها طواقم روسية، كما عليها أن تدرس انعكاسات هجوم تشنه على هذه البطاريات على علاقتها بروسيا.
•يمكن التقدير أن الوضع في سورية سيبقى فوضوياً لوقت طويل، ولن يكون في إمكان أي لاعب توظيف المطلوب من أجل تحقيق الاستقرار في سورية. وعلى الرغم من أن إسرائيل امتنعت حتى الان من أن تشير إلى الوضع النهائي في سورية المفضل بالنسبة إليها، يبدو أن البدائل من نظام الأسد هي أقل استقراراً بالنسبة إليها. وفي المقابل، يبدو أن إيران من أجل تحدي إسرائيل وتوريطها في صراع واحتكاك على طول حدودها، مستعدة لـ" التضحية" بسورية (و"بحماس"في غزة)، لكنها أقل استعداداً للتضحية بحزب الله في لبنان، الذي يشكل بالنسبة إليها ذراعاً استراتيجية. حان الوقت كي تتخلى إسرائيل عن سياسة الغموض، وأن تفهم أن نظام الأسد هو البديل الأقل سوءاً بالنسبة إليها، وأن تسعى لدق إسفين بين الأسد وإيران، وبين روسيا وإيران، على أساس أن إيران في هذه المرحلة من الحرب الأهلية "تلعب بصورة مستقلة" على حساب مصالح روسيا ونظام الأسد، وإذا عمل هذا النظام على إبعاد القوات الإيرانية من سورية فإن هذا يمكن أن يساعده.