إسرائيل ضيّعت فرصة تهجير عشرات الآلاف من اليهود الفرنسيين إلى إسرائيل
المصدر
مكور ريشون

صحيفة إسرائيلية يومية بدأت بالظهور في سنة 2007. تميل نحو مواقف اليمين وتؤيد نشاطات المستوطنين في الضفة الغربية، كما تعكس وجهة نظر المتدينين في إسرائيل.

•في الأسبوع الماضي ضجت وسائل الإعلام بالعريضة الموقعة من 300 شخص، والتي نشرتها صحيفة "لوفيغارو" لإدانة  "العداء الجديد للسامية" في جمهورية تشهد "تطرفاً إسلاموياً". الموقعون وبينهم شخصيات معروفة مثل الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، والممثل السينمائي جيرارد دوبارديو، تطرقوا إلى الوضع الصعب  الذي يعانيه نحو نصف مليون يهودي في فرنسا.

•على سبيل المثال، اليهودي في فرنسا من الممكن أن يتعرض 25 مرة لاعتداء على خلفية عنصرية أكثر من المسلم. وهناك رقم آخر لم يقلق دولة إسرائيل والعالم اليهودي هو: نحو 50 ألف يهودي "اضطروا إلى تغيير أماكن سكنهم لأنهم شعروا بعدم الأمان في مدن متعددة، ولم يعد في إمكان أولادهم الذهاب إلى المدرسة عينها". 

•دعونا نتوقف أمام هذا الأمر لبرهة. 50 ألف يهودي فرنسي اضطروا إلى الانتقال إلى مدينة أو إلى حي آخر لأن أولادهم  في خطر في المدرسة التي يتعلمون فيها، أو لأن جيرانهم المسلمين أساؤوا معاملتهم في السنوات الأخيرة. هذا رقم من الصعب تصوّره وهضمه،  وهو يدفعني إلى محاولة فهم لماذا نحن في إسرائيل نسكت على ذلك.

•إلى أين يذهب اليهود الفرنسيون الذين اضطروا إلى الانتقال بسبب العداء للسامية؟ جزء منهم انتقل إلى أحياء أغلى تكلفة من المدينة التي يسكنون فيها، حيث يوجد عدد أقل من المهاجرين المسلمين الذين يهددون حياتهم وأمنهم. لكن على عكس ما هو سائد فإن كثيراً من اليهود الفرنسيين يستفيدون من المساعدة الاجتماعية المحلية وليسوا قادرين على الانتقال إلى منطقة غالية التكلفة.

•في الواقع، يشرح باحثون أنه من مجموع 50 ألف عائلة يهودية انتقلت داخل فرنسا، الأغلبية منها ليس لديها إمكانات كثيرة، وإلاّ كانت هاجرت إلى إسرائيل. نحو 40% من ميزانيتهم الشهرية يعتمد على الدعم الحكومي، بدءاً من السكن العام والتعليم المجاني. إن الشخص الذي يكسب 1500 يورو في الشهر يستطيع أن يعيش في فرنسا مرتاحاً، لكنه لا يستطيع المغادرة لأن المهنة التي تخصص فيها لا تسمح له بالعيش في المستوى عينه في دولة غربية أُخرى وبالتأكيد ليس في إسرائيل.

•لقد صُدم المجتمع الفرنسي في إسرائيل في الأسبوع الماضي بعد نشر خبر في صحيفة صغيرة على شبكات التواصل الاجتماعي يتعلق بتقارير نشرتها الصحف الفرنسية عن مبادرة تحمل اسم "هجرة ميتز"، تشجع انتقال يهود فرنسا من المدن الكبرى إلى مدينة ميتز، الواقعة في منطقة اللورين شمال شرقي فرنسا.

•الفكرة هي نقل العائلات التي تسكن أحياء تحولت إلى أحياء إسلامية (بينما كانت في الماضي يهودية صرفة) إلى مدن  يجري الحديث عنها لأن ذلك أرخص من الهجرة إلى إسرائيل. 

•في الإعلان ظهرت صورة مشهد طبيعي فيها ولد يعتمر كيباه [قلنسوة] (من دون الخوف من أن يتعرض للضرب في الشارع)، مع ملحق مفصل عن خدمات اجتماعية وفيرة مثل الكنس، وحمامات دينية، وغيرها. وقد ضم موقع المشروع المذكور مادة كثيرة لتشجيع الانتقال من باريس إلى الطائفة اليهودية الكبيرة في ميتز، ومقارنة بين أسعار العقارات (ثمن الشقة في ميتز يوازي ربع ثمنها في باريس).

•العريضة ليست هي القصة، هي فقط تقودنا إلى الواقع الكئيب القائم. 50 ألف يهودي قاموا بهذه الخطوة الكبيرة وانتقلوا إلى مكان آخر لم يكن إسرائيل. ليس لأنهم ليسوا صهيونيين، بل على العكس: كلمة "هجرة" في فرنسا ليست كلمة مذمومة والعلاقة مع إسرائيل قريبة ووثيقة. فقد أظهرت استطلاعات أنه من مجموع 500 ألف يهودي في فرنسا هاجر نحو 8000 إلى إسرائيل في سنة 2015. والأرقام في تراجع كبير. الأسباب متنوعة، لكن لا شك في أن العامل الاقتصادي يلعب هنا دوراً مركزياً.

•لقد فكرت الحكومة في خطة ضخمة لمعالجة الموضوع، جزء منها نُفّذ، والجزء الآخر نُسي ووُضع في الأدراج. عملياً، الـ50 ألف يهودي كان يمكن أن يكونوا اليوم في إسرائيل. وبخلاف التنميط كان يمكن إسكانهم في مساكن عامة في بلدات الأطراف، وتقديم تأهيل مهني عملي، والسماح لهم ولأولادهم بالحصول على تعليم كما تعودوا في فرنسا. صحيح أنني أتحدث عن تقديم أشياء تتجاوز سلة الاستيعاب التقليدية التي يحصل عليها أي مهاجر جديد إلى إسرائيل، لكن هذا لا يختلف عما حصل عليه في الماضي مهاجرو الاتحاد السوفياتي، أو المهاجرون من أثيوبيا.

•من المحتمل أننا ضيعنا فرصة تاريخية، لكن لم يفت الأوان بعد. إن النقص في عدد الممرضات هنا يمكن ملؤه من ممرضات من فرنسا، والنقص في الاطباء يمكن ملؤه من الذين يبحثون عن فرصة لمغادرة دولتهم والهجرة إلى وطنهم التاريخي، لكنهم يخافون من أن يكون الانتقال إلى هنا صعباً.

•حتى لوقلنا أن هناك أطرافاً في حكومة إسرائيل لا ترغب فيهم، فإن من واجبنا كدولة قومية للشعب اليهودي مساعدة الجالية اليهودية الثانية من حيث الحجم في العالم على مواجهة الأزمة الحالية. 

•لماذ لم يحدث هذا؟  يسيطر على وزارة الهجرة والاستيعاب منذ سنوات عديدة أشخاص من حزب وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان ولا يبدو أن الموضوع يهمهم، وإلاّ كانوا حوّلوا منذ وقت طويل ميزانيات كبيرة من أجل يهود فرنسا لمساعدتهم على الهجرة إلى البلد. ومن المفاجىء أنه حتى حزب الليكود الذي تؤيده أغلبية مهاجري فرنسا (بحسب استطلاع نشرته "مكور ريشون") لم يبذلوا جهوداً كبيرة لمساعدة يهود فرنسا على الهجرة إلى إسرائيل. 

 

 

المزيد ضمن العدد 2839