حتى لو لم يجر إلغاء الاتفاق النووي: تستطيع إسرائيل أن تتحرك ضد إيران
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

المؤلف

 

•في الأسابيع الأخيرة هبت رياح الحرب والتصعيد بشدة مع إيران. وقد أظهرت الأحداث الأخيرة في سورية حرب الظلال الدائرة بين إسرائيل وإيران، وتشير التقديرات إلى زيادة معقولية حدوث رد عسكري إيراني على الهجمات المنسوبة إلى سلاح الجو الإسرائيلي في سورية. ونتيجة لذلك يرتفع مستوى التهديدات من جانب الطرفين.

•في الخلفية، جدّد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في الفترة الأخيرة جهوده بشأن إلغاء الاتفاق النووي بين الدول العظمى وإيران. وهو يطرح الموضوع في جميع لقاءاته السياسية، وبينها اجتماعه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبوزراء الخارجية الكثيرين الذين يقومون بزيارة إسرائيل. ليس هناك شك في أن المستوى السياسي في إسرائيل يشعر بأن هذا هو الوقت الملائم لمحاولة إلغاء الاتفاق أو على الأقل تحسينه، وربما أيضاً "للنيل" قليلاً من الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، الذي وقّع الاتفاق على الرغم من المعارضة الإسرائيلية.

•طوال الفترة الأخيرة، يدور في واشنطن حوار عاصف مع اقتراب موعد تجديد الاتفاق بعد بضعة أسابيع. ويمارس المجتمع الأوروبي ضغطاً على ترامب كي لا يلغي الاتفاق، وكذلك تفعل الصين وروسيا. وقد طُرحت القضية أيضاً في المرات السابقة التي كان يجب على الرئيس توقيع الاستمرار في الاتفاق، وكان في النهاية يفعل ذلك من دون اعتراضات، لكن يبدو أن شيئاً مهماً جداً طرأ هذه المرة. وتعيين مايك بومبيو وزيراً للخارجية وتعيين المستشار الجديد للأمن القومي جون بولتون المعروف بتأييده لخط متشدد ضد إيران، يمكن أن يدلّا على ذلك. بالإضافة إلى ذلك، يدور في الخلفية حوار بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية بشأن المسألة النووية في كوريا الشمالية، جرى خلاله لقاء سري بين مدير السي آي إي مع كيم جونغ أون، واحتمال عقد قمة بين كيم وترامب في الأيام المقبلة. يبدو أن اهتمام ترامب بالتوصل إلى محادثات مع بيونغ يانغ  دليل على إصراره في هذا المجال.

•مما لا شك فيه أن الاتفاق النووي الموقّع مع إيران قبل أكثر من عامين ليس الأفضل بالنسبة إلى إسرائيل (والعالم). فقد تضمن ثغرات وإخفاقات، وكان في الإمكان تحقيق اتفاق أفضل كثيراً. وفيما يلي أهم البنود الإشكالية:

-لم يتضمن الاتفاق قيوداً على نشاط إيران في مجال صواريخ أرض - أرض، التي تشكل المنصة المركزية لحمل سلاح نووي. وقد استغلت طهران ذلك وزادت جهودها في تطوير صاروخ أرض - أرض يستطيع أن يبلغ مدى أبعد، وأن يحقق إصابة أكثر دقة، مع قدرة على حمل العبوة والتملص من محاولات اعتراضه.

-لا يتطرق الاتفاق بتاتاً إلى التدخل الإيراني في مجال الإرهاب وتوسيع نفوذ إيران في المنطقة. وتجدر الإشارة إلى أن إيران ناشطة جداً في هذا المجال، ليس فقط في البيئة المحيطة بإسرائيل (سورية، وهضبة الجولان، ولبنان، وسيناء وغزة)، بل أيضاً في مناطق إشكالية في العالم السني (العراق، وعمق سورية، وحدود سورية – الأردن، والسعودية ودول الخليج). وفي المجتمع الدولي (اليمن ومضائق باب المندب).

-الاتفاق محدود زمنياً ومتدرج في القيود التي تضمنها، وفور انتهاء صلاحيته (هناك قيود مهمة ستُرفع بعد 7 سنوات) سيصبح لدى إيران المعرفة المطلوبة كي تتحول خلال وقت قصير إلى دولة على عتبة النووي، وحتى إلى دولة نووية.

-يشكل الاتفاق، عملياً، اعترافاً دولياً أولياً "بحكم الواقع" بحق إيران في إقامة مشروع نووي مدني واسع.

بالإضافة إلى ذلك، للاتفاق جوانب إيجابية. على سبيل المثال، للمرة الأولى توافق إيران علناً ورسمياً على وقف نشاطها النووي العسكري. وعلى افتراض أن طهران لا تخرق الاتفاق، وهذا هو التقدير السائد في هذه المرحلة، فإن عملية تخصيب اليورانيوم بدرجة عسكرية قد توقفت لبضع سنوات، كما توقف إنتاج مراكز الطرد المتطورة ونشاطات أُخرى في المجال النووي العسكري.

ماذا يريد ترامب؟

•السؤال ما هو العمل الصحيح الذي يجب أن تقوم به الولايات المتحدة، وكيف يمكن أن تتدخل إسرائيل، وماذا ستكون نتائج هذه الخطوة أو تلك. على المستوى الإسرائيلي تحظى هذه المسألة بأهمية إزاء ازدياد الاحتكاك بإيران بشأن العمليات في سورية، وفي أعقاب الهجمات المنسوبة إلى إسرائيل التي أدت إلى إصابة ضباط إيرانيين وبنى تحتية إيرانية في سورية، والتهديدات الإيرانية بالرد. والتقديرات في إسرائيل التي تشير إلى زيادة احتمال وقوع الرد.

•بالنسبة إلى الاتفاق، تتراوح الاحتمالات المركزية المطروحة على الولايات المتحدة بين إلغاء الاتفاق بصورة مطلقة، مروراً بإدخال أجزاء جديدة عليه أو معدلة، أو فرض عقوبات جديدة، وصولاً إلى تجديده في شكله الحالي.

•بالإضافة إلى المشكلات التي يطرحها إلغاء اتفاق سياسي رسمي موقع بين المجتمع الدولي وبين إيران، يوضح الأوروبيون مراراً وتكراراً أنهم ليسوا معنيين بإلغاء الاتفاق، وأن الوضع الحالي مريح بالنسبة إليهم. وإلغاء الاتفاق سيزيد بصورة كبيرة التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا.

•وعلى افتراض أنه بالإمكان تعلّم شيء ما من الرد المحدود والمقلص (من الناحية العملية وليس من الناحية الكلامية) لترامب على الاستخدام السوري للسلاح الكيميائي ضد مدنيين، يبدو أنه مهتم بتغيير الاتفاق والتلميح للإيرانيين والعالم بأنه مصر على تنفيذ تهديداته (ومشاكسة أوباما مرة أُخرى بسبب الاتفاق السيء). لكن من جهة أُخرى، هو لا يريد المضي حتى "نهاية الطريق"، وليس من المستبعد أن يتحرك بصورة محدودة ومقلصة. بالنسبة إلى تغيير/أو إلغاء الاتفاق هناك حافز إضافي وهو محاولة استعادة ثقة الدول السنيّة بالولايات المتحدة. بعد إهمالها في السنوات الأخيرة من جانب الولايات المتحدة، وبعد تقليص تدخلها في سورية بصورة كبيرة. لقد بقيت التحركات ضد إيران بصورة أساسية نقطة مشتركة بين الطرفين، ويدرك ترامب أنه إذا لم يُظهر التزاماً فعلياً إزاء الدول السنيّة ولم يتحرك في مواجهة إيران، ويغيّر على الأقل أجزاء من الاتفاق [النووي]، فإن هذه الدول ستفهم الرسالة وستهرع نحو السيد الجديد في الشرق الأوسط، بوتين.

 

•بالنسبة إلى إسرائيل، من الصواب أن تواصل العمل على محاولة التأثير في قرارات الإدارة الأميركية ومساعدتها عبر تقديم مشاريع مناسبة لتغيير الاتفاق أو جعله أكثر تشدداً. لكن في رأيي يجب أن يكون هذا التحرك سرياً ومن وراء الكواليس وليس علناً. كما أنه من الملائم استغلال الحوار الأميركي الدولي لتقليص تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة، وتقليص تدخّل طهران في الإرهاب. أخيراً يجب علينا أن نستغل التطابق في المصالح بيننا وبين الدول السنية في المسألة النووية الإيرانية من أجل تعزيز التعاون العلني والسري مع هذه الدول، وإنشاء جبهة مشتركة في مواجهة التهديد الإيراني.