•توقيت الهجوم في سورية في وقت مبكر من يوم أمس وجّه أصبع الاتهام في البداية نحو الولايات المتحدة، بعد تغريدات ترامب بشأن الرد على الهجوم الوحشي بالسلاح الكيميائي لنظام الأسد على دوما ولكن بسرعة اتضحت الصورة: إن الهدف الذي تعرض للهجوم، وهو قاعدة تابعة لسلاح الجو السوري تيفور T4، لا علاقة له مباشرة بالهجوم على دوما. إن التكذيب الفوري تقريباً للبنتاغون بأن الولايات المتحدة ليست مسؤولة عن الهجوم، وإعلان الولايات المتحدة أنها "أُعلمت بالهجوم قبل وقت قليل من وقوعه"، وأيضاً تحميل روسيا إسرائيل المسؤولية، يبقي على قليل جداً من الوهم في مسألة من نفذ الهجوم.
•لم تتحمل إسرائيل مسؤولية الهجوم الذي يجري الحديث عنه، لكن إذا صح أنها تحركت في سورية، فعلينا أن نفهم العملية كجزء لا مفر منه من الاشتباك بين توجّهين متعارضين: توجّه التمركز العسكري المصمّم لإيران في سورية، وتوجّه المعارضة الإسرائيلية الشديدة لمنع هذا التمركز. وهذا، فعلاً، الاشتباك الثاني (العلني) بينهما بعد "يوم المعركة" في 10 شباط/فبراير.
•الصراع الإسرائيلي - الإيراني هو الذي يحدد المعركة على جبهة إسرائيل الشمالية، وفي أرض لبنان وسورية. ومركزية هذه الجبهة واتجاهات التصعيد المتوقعه بشأنها جرى صوغها في بداية 2018 في التقدير الاستراتيجي السنوي لمعهد دراسات الأمن القومي INSS. ولا يجد تغيير التوجه الاستراتيجي تعبيره في هجوم موضعي، لكن هجوم الأمس يشير، على ما يبدو، إلى إصرار إسرائيل على وقف التمركز الإيراني في سورية.
•مع ذلك، إلى جانب النظرة الجيو - استراتيجية، ليس من المستبعد أن الهجوم في التوقيت الحالي جاء، بالإضافة إلى كبح التمركز الإيراني في سورية، من أجل خدمة مسائل أخلاقية وقيمية رداً على هجوم الأسد الكيميائي. وذلك كجزء من محاولة لترسيخ الردع ضد استخدام أسلحة الدمار الشامل. وحتى لو لم تتطرق إسرائيل رسمياً إلى الهجوم المنسوب إليها من المهم لها أن تُسمع صوتاً قوياً حيال ما يحدث.
•مهمة الرد المباشر على استخدام السلاح الكيميائي ومنع استخدامه لا تزال مطروحة على الولايات المتحدة والغرب. وفي سلة الردود توجد أهداف لها علاقة بالسلاح الكيميائي، طوافات وطائرات سلاح الجو السوري التي تتيح استخدام هذا السلاح، ومنظومة الدفاع الجوي التي أثبت تدميرها للأسد ضعفه. ولا يمكن استبعاد احتمال هجوم أميركي على أهداف لنظام الأسد والذي أعطت قيادته الأوامر باستخدام السلاح الكيميائي.
•ثمة نقطة يجب الانتباه إليها هي التصريح الروسي السريع الذي ألقى المسؤولية على إسرائيل. حتى الان امتنعت روسيا من التعليق علناً ومن التدخل عملياً في المواجهة بين إسرائيل وبين إيران وسورية، مع المحافظة على توازن دقيق بين مصالحها في الشرق الأوسط. لا يلوح من خلال تصريح الأمس تدهور في العلاقات مع إسرائيل التي أدارها الطرفان بحذر منذ دخول روسيا إلى سورية في أيلول/سبتمبر 2015. إن هدف رسالة موسكو هو التوضيح أن المصلحة الروسية هي الدفع قدماً بتسوية عسكرية وسياسية في سورية والتصعيد في المواجهة الإسرائيلية الإيرانية عامل استراتيجي سلبي في نظر الروس.
•فيما يتعلق بالهجوم بحد ذاته، من المبكر تقدير أهميته وحجمه. هو بالتأكيد أكثر دراماتيكية بالمقارنة مع الماضي، وليس بسبب عدد المصابين الذين تحدثت عنهم التقارير. في الماضي لم ترد إيران وسورية لأنهما عرفتا أن إسرائيل تهاجم شحنات سلاح موجهة إلى حزب الله، وفي حسابهم الاستراتيجي الشامل هناك أهداف مهمة أكثر يمكن أن تتضرر إذا فكرا في رد عسكري ضد إسرائيل. وهما تعلمان أن مواجهة مباشرة مع إسرائيل يمكن أن تؤدي إلى سقوط الأسد، وهذا يمكن ان يحوّل مشروعهما المشترك، الذي عملا عليه في السنوات الأخيرة وبدا أنهما نجحا فيه، إلى فشل كبير.
•لكن، يجب ألاّ نستبعد رداً إيرانياً أو سورياً في التاريخ والمكان اللذين يناسبهما. لقد أثبت يوم المعركة في شباط/فبراير أنه على الرغم من الردع الإسرائيلي، فإن أعداء إسرائيل مستعدون للمجازفة وتقويض قواعد اللعبة الموضوعه في الساحة الشمالية. واتجاهات النجاح في مواجهة المتمردين في الحرب الأهلية في سورية تزيد في خطر اندلاع مواجهات. وبعد أن ينتهي النظام من السيطرة مجدداً على شرقي دمشق، هناك فرص كبيرة لأن يتوجه جنوباً إلى جيب المعارضة في هضبة الجولان، وهو واحد من جيبين أساسيين لا يزالان في قبضة المتمردين. واستخدام سلاح كيميائي بالقرب من الحدود مع إسرائيل لن يسمح لنا قطعاً بالوقوف موقف المتفرج.