اعترف الجيش الإسرائيلي رسمياً، في بيان صادر عنه أمس (الثلاثاء)، بأن إسرائيل هي من قام بتدمير ما يشتبه بأنه مفاعل نووي سوري، عن طريق غارة جوية شنتها طائرات سلاح الجو الإسرائيلي في الليلة الواقعة بين 5 و6 أيلول/ سبتمبر 2007 في عمق الأراضي السورية، وأكد أن هذه الضربة الجوية أزالت تهديداً شكّل خطراً كبيراً على إسرائيل ومنطقة الشرق الأوسط، وكانت بمثابة رسالة إلى آخرين.
وجاء هذا الاعتراف بعد أن قررت الرقابة العسكرية الإسرائيلية إنهاء أمر رقابي استمر أكثر من عشر سنوات، وكان يحظر بموجبه على أي مسؤول إسرائيلي التحدث بشأن هذه العملية.
وأشار الجيش إلى أن هذه العملية سُميت "خارج الصندوق"، واستهدفت مفاعلاً نووياً كان في طور البناء في منطقة الكبر في محافظة دير الزور شرق سورية، وشاركت فيها 8 طائرات مقاتلة من طراز "إف 16".
ورفض الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي الرد على سؤال بشأن سبب رفع السرية عن هذه الوثائق في هذا التوقيت بالذات، وما إذا كان الهدف من وراء ذلك هو توجيه تحذير إلى إيران بسبب نشاطاتها العسكرية في سورية.
وتشمل المواد، التي تم رفع السرية عنها ووزعها الجيش على وسائل الإعلام أمس، لقطات من الغارة الجوية وشريط فيديو لقائد العملية في حينه وهو رئيس هيئة الأركان العامة الحالي الجنرال غادي أيزنكوت، الذي كان قائد المنطقة العسكرية الشمالية في ذلك الوقت، يكشف فيه تفاصيل عن الهجوم الجوي وصوراً لبيانات سرية عن الموقع جمعتها شعبة الاستخبارات العسكرية ["أمان"].
وجاء في بيان الجيش الإسرائيلي أنه "في ليلة 5 و6 أيلول/ سبتمبر 2007، نجح سلاح الجو الإسرائيلي في تدمير مفاعل نووي سوري في مراحل التطوير. وكان هذا المفاعل قريباً من اكتماله. ونجحت العملية في إزالة تهديد وجودي ناشئ لإسرائيل والمنطقة بأكملها من القدرات النووية السورية".
ومع أن هذه هي أول مرة تعترف فيها إسرائيل بأن طائراتها الحربية هي من نفذ الغارة، إلاّ إن الولايات المتحدة أكدت منذ سنة 2008 أن الغارة شنتها إسرائيل وأن الموقع المستهدف كان مفاعلاً نووياً سرياً قامت سورية ببنائه بمساعدة كوريا الشمالية. كما أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أعلنت سنة 2011 أنه من المحتمل جداً أن يكون موقع الكبر أخفى وراء جدرانه مفاعلاً نووياً كان يجري بناؤه بمساعدة من كوريا الشمالية.
وأكد أيزنكوت في شريط الفيديو أن هذه كانت في واقع الأمر أكبر ضربة عسكرية إسرائيلية يتم القيام بها في الأراضي السورية منذ حرب يوم الغفران [حرب تشرين/ أكتوبر 1973]. وأشار إلى أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تعقبت الموقع وراقبته لمدة سنتين، ومع اقتراب اكتمال بناء المفاعل النووي وقبل 3 أشهر من تحويله الى عملاني تم تنفيذ الهجوم. وأشار إلى أن الإعداد لهذه الضربة استغرق أكثر من 6 أشهر، وكان الأساس الحفاظ على السرية حتى داخل قيادات الجيش الإسرائيلي وقوات سلاح الجو، خوفاً من أن يؤدي كشف المخطط إلى تنشيط المفاعل قبل الموعد المحدد، وهو ما يعني انعدام إمكان شنّ هجوم عليه.
وأضاف أنه ثلة قليلة من أفراد الطاقم فقط كانت على علم بهذا السر، وبعضهم حتى لم يكن يعلم بكامل التفاصيل. وفي كل سرب طيران كان طيار واحد فقط هو جهة الاتصال والبقية تم إشراكهم بالهدف قبل تنفيذ العملية بساعات قليلة.
وقالت مصادر رفيعة في قيادة الجيش الإسرائيلي إنه إلى جانب الإعداد للغارة ذاتها كان هناك كثير من السيناريوهات المحتملة الأُخرى المأخوذة بعين الاعتبار، وفي مقدمها أن يؤدي الهجوم إلى اندلاع حرب تتعرض الجبهة الإسرائيلية الداخلية خلالها إلى قصف مئات الصواريخ الدقيقة التي تمتلكها سورية.
وأكدت هذه المصادر نفسها أن احتمال اندلاع حرب حتى بنسبة 15% أو 20% كان بمثابة مخاطرة كبيرة آنذاك، نظراً إلى أن الجيش الإسرائيلي كان خاض لتوّه حرباً مع حزب الله قبل سنة واحدة فقط [حرب لبنان الثانية في صيف 2006]. وقالت هذه المصادر إن أحد التحديات الأساسية في ذلك الوقت كان إعداد سلاح الجو لحرب جديدة محتملة تنشب بسبب الغارة الجوية على المفاعل النووي السوري، مشيرة الى أن الأغلبية العظمى من الطيارين والضباط لم يفهموا سبب الحاجة إلى ذلك الإعداد، وأن هذا كله حدث على خلفية قصة أُخرى.
وقال أيزنكوت إنه كان عليه في قيادة المنطقة العسكرية الشمالية إعداد طاقمه لسيناريو عام يتضمن حرباً في صيف 2007 من دون علم الطاقم بالسبب الحقيقي لاحتمال اندلاعها، وفقط أيزنكوت نفسه وأحد كبار ضباط الاستخبارات في القيادة كانا على دراية بالسبب الحقيقي. وأضاف أيزنكوت: "كان المبدأ الذي يقودنا هو المفاجأة على حساب الاستعداد، ولذا فقبيل الضربة العسكرية بقليل لم نفعل أي شيء باستثناء فتح مركز القيادة، وكان على القادة أن يعيشوا مع إدراك أن هذا يمكن أن يتطور بسرعة إلى تصاعد وتبادل لإطلاق النار، وربما إلى نشوب حرب".
وأشارت المصادر العسكرية الإسرائيلية الرفيعة إلى أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد سرعان ما قام بتنظيف الموقع في إثر الغارة الجوية، وبذل قصارى جهده لعدم لفت الانتباه إلى الهدف. وبناء على ذلك لم يؤد الهجوم العسكري إلى حرب، ولا إلى أي ردّ عسكري سوري ضد إسرائيل.
وكما ذُكر شاركت 8 طائرات مقاتلة من طراز "إف 16" تابعة لسلاح الجو في هذه الغارة.
وانطلقت الطائرات من قاعدتي "حتسريم" و"رامون" في النقب [جنوب إسرائيل]، وحلقت في بداية الأمر على ارتفاع منخفض غرباً ثم شمالاً بالقرب من قبرص، واتجهت الى المنطقة الحدودية بين سورية وتركيا حيث حلقت على ارتفاع عال، ولدى اقترابها من المفاعل أسقطت عليه قنابل بوزن 18 طناً. وحققت الغارة أهدافها إذ تم تدمير المفاعل كلياً ولم تتمكن السلطات السورية من ترميمه.
وتقرر القيام بهذه العملية في فترة ولاية حكومة إيهود أولمرت وفي أثناء تولي إيهود براك منصب وزير الدفاع، وذلك في إثر تقويمات استخباراتية دقيقة أشارت إلى احتمال أن يصبح هذا المفاعل النووي عملانياً حتى نهاية سنة 2007 نظراً إلى أن إقامته شارفت على الانتهاء في ذلك الوقت.