•ثمة خيط واضح يربط بين الرسالة الحازمة التي وجهها أحد كبار الضباط في قيادة الجيش الإسرائيلي الأسبوع الفائت وتعهد فيها بمواصلة تصفية الأنفاق الهجومية [في قطاع غزة]، وبين الأقوال الصادرة عن كبار ضباط هيئة الأركان العامة هذا الأسبوع بشأن المواجهة العسكرية المقبلة، والتي جرى الإعراب فيها عن الاقتناع بأن الجيش الإسرائيلي مستعد للقيام بمناورات برية بصورة أشد سرعة وفتكاً من تلك التي قام بها خلال عملية "الجرف الصامد" العسكرية في قطاع غزة [2014] وحرب لبنان الثانية [2006].
•لقد عاد الجيش الإسرائيلي أخيراً إلى نظرية القتال الأساسية القائمة على الهجوم، لكنه يقوم بملاءمة مناوراته وقدراته التكنولوجية للتغييرات الكبيرة التي حدثت في ميدان القتال العصري، في مقابل عدو مخفيّ ودونيّ من حيث قوته العسكرية. وبعد سنوات كثيرة عاد الجيش الإسرائيلي إلى تدريب ألويته النظامية لفترات تمتد إلى 17 أسبوعاً متواصلاً تنتهي بـ17 أسبوعاً من النشاط العملاني والعودة إلى تدريبات إضافية. وخطة التدريبات هذه، بالإضافة إلى الاستثمار في التكنولوجيات المتطورة، تشير إلى تغيير في مفهوم القتال، يتسبب بجعل القوات البرية تتصدر سلم أولويات الجيش في غضون السنوات القريبة المقبلة.
•خلال عملية "الجرف الصامد" وحرب لبنان الثانية كانت المناورات البرية إحدى نقاط الضعف الواضحة للجيش الإسرائيلي، وذلك لأسباب متعددة، في مقدمها تفعيل هذه المناورات على صعيد محدود للغاية وبمستوى عملاني مُختلَف عليه.
•ففي حرب لبنان الثانية أدى عدم تجهيز القوات البرية وانعدام التدريبات الملائمة عشية الحرب إلى توريط الجيش الإسرائيلي في معارك ملتبسة دارت في معظمها بالقرب من السياج الأمني في المناطق المحصنة لحزب الله، التي عُرفت باسم "المحميات الطبيعية". وخشيت المؤسسة السياسية في البداية الزجّ بقوات برية كبيرة، وزجّت بها في وقت متأخر نسبياً.
•أما في عملية "الجرف الصامد"، فقد كانت المهمة واضحة، وتم تقليصها إلى تدمير الأنفاق الهجومية لحركة "حماس". ومع ذلك واجهت المناورات البرية مشكلات كثيرة. وأدى عدم الجاهزية لتدمير الأنفاق إلى عرقلة الجدول الزمني للعملية وإلى تعريض القوات الميدانية لخطر الإصابة بنيران العدو.
•خلال حرب لبنان الثانية و"الجرف الصامد" اجتاز الجيش الإسرائيلي السياج الأمني في منطقة الحدود مع لبنان وقطاع غزة من أجل القيام بعمليات هجومية، لكن القوات العسكرية سرعان ما انتقلت إلى حالة دفاع كانت فيها معرضة لنيران العدو. وفي الحالتين حارب الجيش الإسرائيلي من دون فكرة عملانية منتظمة، ومن دون نظرية قتالية واضحة.
•في الولاية الحالية لرئيس هيئة الأركان العامة الجنرال غادي أيزنكوت هناك محاولة للعودة إلى الأصول. ووفقاً لتصريحات كبار قادة الجيش على الأقل، ستتم ترجمة الجهد الهجومي [في أي حرب مقبلة] إلى عملية واسعة وعميقة داخل أراضي العدو، وليس إلى نشاط بري ينتهي بالقرب من السياج الحدودي. بموازاة ذلك تغلغل الفهم بأنه من أجل مواجهة عدو مخفي يعمل تحت الأرض، يجب بناء القوات المناورة على نحو مغاير تماماً. ويُفترض بقوات المناورة البرية أن تتحول إلى وحدات مُزودة بالتكنولوجيا والوسائل المتطورة، بحيث تبدو للمراقب من بعيد كما لو أنها مأخوذة من أفلام الخيال العلمي.
•فضلاً عن ذلك، تقرر في قيادة الجيش الإسرائيلي أن يتم التركيز على وحدات عسكرية معينة، وتكثيف تدريبها على مدار العام.
•ثمة شعور عام الآن بأن الجيش الإسرائيلي بات جاهزاً أكثر لمواجهة تحديات الغد. مع ذلك لا بد من القول إن قدرتنا على تحديد مدى أهلية الجيش الإسرائيلي للمواجهة العسكرية المقبلة تبقى محدودة. وفي المقابل فإن قدرات الطرف الآخر، ولا سيما حزب الله في لبنان، تطورت كثيراً هي أيضاً. وخلافاً للجيش الإسرائيلي الذي لم يحارب في السنوات الأخيرة، فإن حزب الله امتلك من طريق مشاركته في الحرب الأهلية في سورية خبرة عملانية كبيرة، وخصوصاً في كل ما يتعلق بتفعيل أطر قتال كبيرة، وهو أمر كان يفتقر إليه قبل تلك الحرب. بناء على ذلك ليس من المبالغة القول إن المحك الحقيقي لجاهزية الجيش الإسرائيلي سيكون وقت اندلاع الحرب، التي يُفضَّل ألاّ تندلع.