موجات الهجرة من فرنسا أدت إلى صدمة جديدة – قديمة
المصدر
مكور ريشون

صحيفة إسرائيلية يومية بدأت بالظهور في سنة 2007. تميل نحو مواقف اليمين وتؤيد نشاطات المستوطنين في الضفة الغربية، كما تعكس وجهة نظر المتدينين في إسرائيل.

•بدأت موجة الهجرة الكبيرة من فرنسا إلى إسرائيل خلال الانتفاضة الثانية، التي نشبت هنا في سنة 2001. فقد أدت هذه الانتفاضة إلى تصاعد العداء للسامية، وإلى هجمات قاسية ضد مدارس يهودية وضد اليهود عموماً، وبصورة أساسية من جانب الجيل المسلم الشاب. وقد فاجأت هذه الأحداث يهود فرنسا كثيراً. لم يكن هذا هو العداء التقليدي للسامية الذي عرفته أوروبا منذ سنوات طويلة، أتى هذه المرة من اتجاه مختلف واتخذ صورة مختلفة. ولمست الصدمة الشديدة أصدقائي  في باريس.

•لقد لجأت الحكومة الفرنسية إلى إنكار الأحداث أو التقليل من أهميتها. فهم الرئيس الفرنسي آنذاك جاك شيراك جيداً  الخطر الذي يحدق بفرنسا إذا نشب فيها العداء للسامية، وفعل كثيراً من أجل إرضاء الجالية اليهودية. وفقط خلال فترة حكم الرئيس نيكولا ساركوزي جرى التعامل مع العداء الإسلامي للسامية كظاهرة جدية، على الرغم من أنه من الصعب حالياً في فرنسا اتهام أحد بالعداء للسامية. أحد الكتاب اليهود في فرنسا، ويُدعى جورج بن- شوشان، قاضته تنظيمات إسلامية بتهمة الافتراء لأنه قال إنه توجد لا سامية إسلامية.

•العداء للسامية الذي برز مع الانتفاضة الثانية لم ينحسر. فمقتل الشاب إيلان حليمي في شباط/فبراير 2006 في باريس بعد خطفه وتعذيبه، والهجمات على محلات يملكها يهود في تولوز ونيس، كل ذلك أدى إلى موجة هجرة جديدة من نوعها. في الموجة الأولى سنة 2001 هاجر إلى إسرائيل أشخاص في سن التقاعد، قرروا قضاء ما تبقى لهم من حياتهم في أشدود أو في نتانيا وليس في الريفييرا الفرنسية. بعد الجريمة البشعة لحليمي هاجر إلى البلد شبان تتراوح أعمارهم بين 25 و40 عاماً مع ثلاثة أو أربعة أولاد، قرروا ترك كل شيء والخروج بسرعة ومنح أولادهم حياة آمنة. هؤلاء المهاجرون اختاروا السكن بصورة أساسية في غوش دان وفي كفر- سابا وفي رعننا. 

•لقد كانت التضحية هائلة والرهان كبير. المهاجرون الشباب وأفراد عائلاتهم لا يعرفون اللغة ووجدوا صعوبة في العثور على عمل هنا. كثيرون منهم يسكنون اليوم في إسرائيل، لكنهم يكسبون رزقهم من التجارة في فرنسا بوساطة الإنترنت. وهناك من يذهب للعمل في فرنسا يوم الأحد ويعودون يوم الخميس. وهناك من يسمي ذلك بسخرية "هجرات بوينغ" لأن هؤلاء المهاجرين يقيمون فعلياً في الطائرات التي تنقلهم من اللد إلى باريس ذهاباً واياباً.

•يقال في فرنسا إن المجتمع الإسرائيلي لم ينجح في استيعاب مجموعة مهاجرين من نوع جديد: يمينية، متدينة، غنية نسبياً، مثقفة، وشرقية. "هذه المجموعة من المهاجرين لا مكان لها في المخيلة الإسرائيلية"، قال لي صديقي "ع" الذي يمضي في إسرائيل بضعة أشهر في السنة، وأضاف: "إذا كنت متديناً، ماذا تفعل في شاطىء مختلط مع كيباه [طاقية سوداء يعتمرها اليهود الحريديم]؟ هذا يبدو غريباً، وإذا كنت شرقياً ويهودياً كيف يمكن أن تكون غنياً أيضاً؟ وإذا كنت شرقياً كيف يمكن أن تكون متعلماً. إلى هذه الأسئلة كلها أضف لغتنا التي لا يتحدثون بها في أي مكان وطريقة تصرفنا، ستفهم لماذا نشعر بالعزلة بينكم".

•الكل يتفق على أن الأولاد الفرنسيين نجحوا إلى حد ما في التأقلم مع أصدقائهم الإسرائيليين الجدد، لكن أهاليهم واجهوا مشكلات يعرفها المهاجرون مع السلطات. السجاد الأحمر الذي فُرش لهم لدى نزولهم من الطائرة سُحب من تحتهم لدى خروجهم من المطار. وبحسب تقديرات الجالية اليهودية في فرنسا فإن ربع المهاجرين إلى إسرائيل لم ينجحوا في التأقلم هنا وعادوا إلى وطنهم. وهذا هو سبب صعوبة تقدير عدد يهود الجالية هناك ، وتتأرجح التقديرات ما بين 450 إلى 550 ألف يهودي.

•يقولون في الجالية إن العائلات التي جرى استيعابها في إسرائيل ستتحول بعد عشر سنوات إلى مدماك مهم في المجتمع الإسرائيلي، فهي عائلات متعلمة وللقيم عندها من الطبقة الوسطى والعالية. ومنذ الآن يظهر تأثير المهاجرين، فثمة كُنُس كانت مغلقة في تل أبيب فتحت أبوابها من جديد، ومطاعم أصحابها يهود فرنسيون تقدم طعام الكاشير فتحت أبوابها من جديد. وفي القدس اشتهرت قصة الملياردير الفرنسي لورانس ليفي، الذي يشتري مبانٍ وشركات ويفرض عليهم إغلاقها يوم السبت. 

•أدت موجات الهجرة إلى إسرائيل إلى صدمة جديدة- قديمة في عائلات كثيرة في فرنسا. يعود اليهود فجأة إلى الأيام التي عاشوها في المغرب حين تفرقت عائلاتهم بعد سفر أولادهم للدراسة في فرنسا وبقوا هناك. اليوم تحول هؤلاء الأبناء إلى آباء، وأبناؤهم يهاجرون إلى إسرائيل. هذه الأزمة العائلية المزدوجة ليست بسيطة. صديق لي في فرنسا يعمل طبيباً يتذكر دائماً مدارس ومؤسسات تعليمية فرغت في الدار البيضاء وفي فاس بعد الانتصار الإسرائيلي في حرب الأيام الستة. وكيف كان يختفي يومياً راشدون وأولاد، وهم في طريقهم إلى إسرائيل. يصف دانيال بن سيمون بصورة  مؤلمة في كتابه الرائع " المغاربة" الحياة الصعبة التي عاشها هو ورفاقه في تلك الفترة.

•تتكرر هذه الظاهرة اليوم. صفوف في مدارس يهودية تفرغ بسرعة، والأساتذة والتلامذة لا يعرفون ماذا يفعلون. أولاد يكتشفون فجأة أن رفاقهم المقربين لم يعودوا يجلسون معهم في الصف. الشعور المتزايد بالعزلة يترافق مع غضب وإحباط مفهومين. لا يمكن الاستخفاف بهذه المشكلة الصعبة لأنه على ما يبدو ليس لها حل.

•قبل عام ونصف العام سافرت لمشاهدة الألعاب الأوروبية في باريس. ونزلت ضيفاً عند صديق حميم في الحي الـ19 شرقي المدينة. لقد تغير الحي بصورة كبيرة، وتحول إلى حي إسلامي بكل معنى الكلمة. وصار من الصعب على صديقي اليهودي العيش هناك وكذلك الأمر بالنسبة لزوجته الفرنسية غير اليهودية. ففي هذا الحي الذي يختلف عن الحي الـ16 أو الـ17، ترى كتابات وعبارات معادية للسامية أسبوعياً، وبصورة لم تكن معروفة من قبل. في نهاية الأسبوع الأخير اشتكى لي بشدة صديقي بشأن مقال نشره البروفسور زئيف شطرنهيل في صحيفة "لوموند" يحذر فيه من تحوّل إسرائيل إلى دولة نازية. وقال غاضباً: "مقال من هذا النوع في صحيفة واسعة الانتشار كهذه يزيد فقط من الكراهية إزاءنا".

•الهجمات القاسية التي نفذها متطرفون في مسرح الباتكلان في تشرين الثاني/نوفمير 2015، وفي نيس (عملية الدهس في حزيران/يونيو 2016) وفي أماكن أُخرى، والتي أدت إلى وقوع مئات القتلى الفرنسيين، غيّرت قليلاً من العلاقة حيال معاناة الطائفة اليهودية. لكن أصدقائي يعزون أنفسهم بعدم وجود عداء للسامية في الجامعات، مثلما هو موجود في الجامعات في الولايات المتحدة، وأن حركة الـBDS لم تنجح في إيجاد جذور لها في فرنسا، لكن لديهم احتجاجات كثيرة على عدم مراعاة التقاليد اليهودية في حرم الجامعات. سنوياً عشرات اليهود لا ينجحون لأن الامتحانات تعين يوم السبت وهم لا يريدون المشاركة فيها. وهذا تمييز ضدهم ولا يعيره أحد الاهتمام. 

•الوضع صعب لكنه ليس غير محتمل. اليهود في فرنسا يتعهدون بالمحافظة في جميع الأحوال على هويتهم بخلاف يهود أميركا الذين يعتبرون أنفسهم أميركيين أولاً، بينما يهود فرنسا الذين جاؤوا في أغلبيتهم من المغرب ومن الجزائر محفور في مخيلتهم الجماعية أنهم يهود أولاً.  

•في هذه الأثناء العديد من هؤلاء يشترون منازل في البلد: منازل جديدة ومنازل قديمة ومنازل على الخريطة. هم يريدون مكاناً لقضاء أيام عطلهم، وأيضاً مكاناً للمستقبل. كلهم متفقون على أن تبدل السلطة وصعود اليمين المتطرف في فرنسا، أو لا سمح الله هجوماً ضخماً ضد مدراس يهودية يمكن أن يزعزع الطائفة اليهودية وأن يؤدي إلى موجة هجرة ثالثة أكبر من التي سبقتها، وستكون مرتبطة بأزمة داخلية غير بسيطة.