معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
(موجز: ما زال الغموض يكتنف تفاصيل ومكوّنات خطة السلام الأميركية للشرق الأوسط، غير أن التصريحات الأخيرة التي صدرت عن البيت الأبيض تحمل تبصّرات مفتاحية بشأن تفكير الإدارة الحالية في هذا الموضوع. استراتيجية الأمن القومي التي صاغها الرئيس ترامب تُفرد دوراً بعيد المدى للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وتضع مسؤولية كبيرة على عاتق الدول العربية السنية. وفي ما يتعلق بإسرائيل، تستخدم الولايات المتحدة حالياً محفزات إيجابية (إعلان القدس، امتيازات إقليمية وغيرها) لحث إسرائيل على العودة إلى مائدة المفاوضات. أما فيما يتعلق بالفلسطينيين، فالولايات المتحدة تحاول تأكيد الخسائر العينية الملموسة التي سيتكبدونها جرّاء عدم مرونتهم، بالإضافة إلى التشديد على أن الفرص الأفضل المتاحة أمامهم لتحقيق الإنجازات تكمن في العودة إلى طاولة المفاوضات. ويبدو أن إدارة ترامب ترفض المقاربة المتعددة المراحل في المفاوضات بشأن التسوية النهائية، والتي تعتمد على حلول مرحلية أو تسويات لبناء الثقة. ستجد إسرائيل صعوبة في رفض مبادرة أميركية لاستئناف المفاوضات لدى عرضها. وعلى أي حال وبغية تجنيد تأييد أميركي لمواقفها، يوصى بأن تحدد إسرائيل مواقفها بمفاهيم استراتيجية، وسط تقديم نماذج عن كيفية ارتباط هذه المواقف بالأهداف الأميركية في المنطقة، بدلاً من عرض مواقفها من منطلقات تاريخية وأخلاقية)
•لا تزال التفاصيل المعروفة عن خطة السلام الأميركية للشرق الأوسط التي ينتظرها الجميع منذ وقت طويل قليلة جداً بصورة متعمدة، ذلك بأن الطاقم المنضبط الذي يتولى صوغ هذه الخطة برئاسة المستشار الكبير جاريد كوشنير، يحرص على عدم نشر أو تسريب أي معلومة عنها. ومع ذلك فإن تحليل ملاحظات كوشنير التي طرحها في "منتدى تسبان 2017"، إلى جانب قرار الرئيس دونالد ترامب بشأن القدس والفصل المخصص للشرق الأوسط في استراتيجية الأمن القومي الأميركية التي نُشرت مؤخرا تقدم لنا معاً تبصرات مفتاحية بشأن طريقة التفكير التي تعتمدها الإدارة الأميركية الحالية في موضوع المفاوضات. ومثل هذا التحليل يقودنا إلى الاستنتاج بأن هذه الأيام تحديداً تشهد صوغ وبلورة نماذج جديدة للمفاوضات تُسقط جملة من المبادئ التقليدية الأساس التي تبنتها الإدارات الأميركية السابقة.
تطلع لإبرام "صفقة القرن"
•يبدو أن إدارة ترامب ترفض المقاربة المتعددة المراحل في المفاوضات لتحقيق التسوية النهائية، والتي تقوم على حلول مرحلية أو تسويات لبناء الثقة. وبدلاً من هذا، تصب جل جهودها في المبادرة إلى إجراء مفاوضات لتحقيق تسوية نهائية وشاملة. بحسب هذا المنطق، تعتري المقاربة المتعددة المراحل جملة من النواقص، نظراً إلى انعدام الثقة السائد بين الطرفين، بينما ليس في وسع هذه المقاربة إيجاد الثقة اللازمة للتغلب على المصاعب الجوهرية التي تعترض سبيل المفاوضات والتي لا بد من أن تظهر لاحقاً أيضاً، سواء خلال العملية نفسها أو بتأثير أحداث وتطورات إقليمية سلبية. هذه المسيرة المثقلة بالأزمات، لن يكون من شأنها تعريض عملية السلام نفسها للخطر فحسب، بل أيضاً إعاقة تعزيز العلاقات بين إسرائيل والدول الخليجية، إلى جانب التسبب بضرر جدي لجزء من الاستراتيجية الأميركية الرامية إلى إضعاف إيران وعزلها. الإدارة الأميركية تؤمن حقاً بأن العالم العربي لن يتقدم نحو تطبيع علاقاته مع إسرائيل من دون تحقيق حل شامل ونهائي مع الفلسطينيين. وأكثر من هذا، يمكن القول إن الإدارة الأميركية واعية للتشكيك الفلسطيني والعربي حيال المقاربة المتعددة المراحل، استناداً إلى التقويم القائل إن إسرائيل ستأتي إلى هكذا عملية بنيّة جرجرة المفاوضات وإطالة أمدها، بموازاة استمرارها في فرض "الوقائع على الأرض" في الضفة الغربية.
السياق الإقليمي
•إن استراتيجيا الأمن القومي التي بلورها الرئيس ترامب توكل للولايات المتحدة دوراً طويل الأمد في الشرق الأوسط، بغية تحسين موازين القوى والاستقرار، إلى جانب الدفع قُدُماً بالمصالح الأمنية والاقتصادية الأميركية. والفوضى الإقليمية تُعتبر نتاجاً للعلاقة بين اتساع التأثير الإيراني والإرهاب الجهادي من جهة، والإيديولوجيا المتطرفة، الدول الضعيفة، الجمود الاجتماعي ـ الاقتصادي والخصومات الإقليمية المتعددة، من جهة أُخرى. على هذه الخلفية لا تنظر الولايات المتحدة إلى النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني بعد اليوم باعتباره سبباً حاسما في المشاكل الإقليمية. مع ذلك يظل تحقيق اتفاق سلام عاملاً مهماً، من شأنه أن يسمح بتوثيق العلاقات بين إسرائيل والدول الخليجية، وهي علاقات ستخدم المصالح الأميركية أيضاً، وخصوصاً مصلحتها في تحسين موازين القوى الإقليمية والقدرة على مواجهة التحديات والتهديدات المشتركة.
•تبعاً لهذا، تلقي المقاربة الأميركية جملة من المهمات على عاتق الدول العربية السنية البراغماتية، في مقدمتها المساعدة في جلب الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات وإسباغ الشرعية على التنازلات التي سيكون من الحتمي تقديمها على طول الطريق. هذا بالإضافة إلى الفوائد الاقتصادية والسياسية التي يمكن لهذه الدول تقديمها في اليوم التالي لتوقيع اتفاقية السلام كمحفزات لإجراء المفاوضات.
مقاربة تجارية
•يبدو أن ما يحرّك طاقم الرئيس ترامب هو الاعتبارات السياسية القائمة على المصالح، أكثر مما هو قواعد قائمة على القيم التي يدين بها الجزء الأكبر من المجتمع الدولي، والتي تمسكت بها أيضاً إدارات أميركية سابقة. وبناء على هذا، يبدو أن الجهود التي يبذلها هذا الطاقم تنطلق من نظرة تستشرف المستقبل وتطمح إلى حل المشاكل بما يخدم المصالح الأميركية الإقليمية، أكثر من كونها جهوداً تستند إلى قيم تطرح حلولاً مثالية لما يُعتبر إجحافاً من الماضي أو مطالب تاريخية، بعضها يصطدم ببعضها الآخر. هذا منظور يفتح الباب أمام احتمال تبنّي مقاربات جديدة لحل مشاكل قديمة. وكما يثبت إعلان الرئيس ترامب بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فقد نجح طاقم الرئيس ترامب في كسر المسلّمات السياسية التي حددتها وكرستها إدارات أميركية سابقة. ومن المرجح أن تكون الإدارة الحالية أكثر تقديراً وتفهماً للمقترحات التي قد يقدمها الطرفان، طبقاً لمدى فائدتها العملية لا لمدى شرعيتها التاريخية.
جلب الطرفين إلى مائدة المفاوضات
•يبدو أن طاقم المفاوضات الأميركي يعتبر انعدام المرونة من الجانب الفلسطيني العقبة الأساسية أمام استئناف المفاوضات. خلال جولة الوساطة الأميركية السابقة سنة 2014، سُجل إحراز تقدم في المحادثات بين إسرائيل والولايات المتحدة، بينما كان الفلسطينيون الطرف الذي انسحب من العملية السلمية (كما فعلوا سنة 2008 حين عرض عليهم رئيس الحكومة آنذاك إيهود أولمرت اقتراحاً لاتفاقية السلام). وكان الرئيس باراك أوباما قد عرض على الرئيس الفلسطيني أبو مازن، في 17 آذار/ مارس 2014، مقترحات كان بعضها يميل لمصلحة الطرف الفلسطيني بوضوح. لكن أبو مازن امتنع من جانبه من إعطاء جواب وطلب إمهاله بعض الوقت للنظر في هذه المقترحات وبحثها. وقد حصل على مهلة حقاً حتى يوم 25 من الشهر نفسه، غير أنه لم يعطِ جوابه عليها حتى هذا اليوم. وبدلاً من ذلك أطلق الفلسطينيون حملة لتدويل الصراع وسط محاولة لتدفيع إسرائيل ثمناً باهظاً على الجمود في العملية السلمية ولتحسين موقفهم التفاوضي. من جهة أُخرى، وبالنظر إلى تعلق إسرائيل بالولايات المتحدة وتقديرها الكبير للإدارة الحالية وموقفها حيال مسألة القدس، يبدو أن تحدي العودة إلى مائدة المفاوضات ـ حتى بوجود حكومة الائتلاف اليميني الحالي ـ هو أسهل كثيراً. وهذا شريطة أن يتخلى الفلسطينيون عن الشروط المسبقة المتشددة التي كانوا قد طرحوها من قبل.
•بناء على هذا، اتخذت الإدارة الأميركية جملة من الخطوات التي استهدفت التأكيد أمام القيادة الفلسطينية أن الحديث يدور الآن حول لعبة جديدة متعددة جوهرياً، يعود فيها استمرار حالة الجمود بخسائر على الفلسطينيين وبأرباح على إسرائيل. وجاء الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل في سياق هذا الطرح ولخدمة هذا الهدف، إذ إنه ينمذج للفلسطينيين كيف يمكن إصلاح الضرر وتعويض خسارتهم فقط من خلال التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل بشأن المكانة الدائمة لمدينة القدس في ختام مفاوضات بين الطرفين.
•كما يشكل رفض الرئيس ترامب إعلان التأييد العلني الكامل لـ"حل الدولتين" رسالة إضافية أُخرى إلى الفلسطينيين. فحديثه عن أنه سيدعم "حل الدولتين إذا كان مقبولاً على الطرفين"، يرمز إلى أن الولايات المتحدة قد تؤيد وضعاً يحظى فيه الفلسطينيون بـ"سيادة ناقصة"، إذا لم يتم استئناف المفاوضات أو إذا لم تتكلل المفاوضات بالنجاح.
•تستخدم الولايات المتحدة الآن في كل ما يتعلق بإسرائيل، محفزات إيجابية (إعلان القدس، امتيازات إقليمية وغيرها) لحثها على العودة إلى مائدة المفاوضات. أما فيما يتعلق بالفلسطينيين، فتحاول الولايات المتحدة تأكيد الخسائر العينية الملموسة التي سيتكبدونها جرّاء عدم مرونتهم، بالإضافة إلى التشديد على أن الفرص الأفضل المتاحة أمامهم لتحقيق الإنجازات تكمن في العودة إلى طاولة المفاوضات.
إسقاطات
•تبدي إدارة الرئيس ترامب التزاماً واضحاً بالعمل على الدفع قدُماً بعملية السلام الإسرائيلية ـ الفلسطينية سعياً لتحقيق "صفقة القرن". الجدول الزمني في هذا السياق مرن جداً ويبدو أن التأجيل عائد إلى التردد الفلسطيني في العودة إلى طاولة المفاوضات برعاية أميركية، وذلك في إثر الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل. في هذه الأثناء، تواصل الولايات المتحدة جهدها في إعادة تحديد وبلورة نموذج جديد للمفاوضات وضم أطراف إقليمية أُخرى لتكون شريكة في هذه العملية التي من شأنها أن تهيئ لإسرائيل جملة من الفرص حتى في ظل انعدام المفاوضات، وأن تحسن مكانتها الإقليمية.
•ستجد إسرائيل صعوبة في رفض مبادرة أميركية لاستئناف المفاوضات من أجل تحقيق سلام في المنطقة، إذا ما طرحت مثل هذه المبادرة. وعلى أي حال وبغية تجنيد تأييد أميركي لمواقفها، يوصى بأن تحدد إسرائيل مواقفها بمفاهيم استراتيجية، وسط تقديم نماذج عن كيفية ارتباط هذه المواقف بالأهداف الأميركية في المنطقة، بدلاً من عرض مواقفها من منطلقات تاريخية وأخلاقية.