•استهل البيان المشترك للهند وإسرائيل الذي نُشر في نهاية الزيارة التاريخية التي قام بها رئيس الحكومة الهندية ناريندرا مودي إلى إسرائيل في تموز/ يوليو 2017، بالقول إن الصداقة بين الدولتين تم رفعها إلى مستوى "التعاون الاستراتيجي". وسارع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى رد الزيارة للهند بعد نصف سنة من وصول مودي إلى القدس بهدف تأكيد أن ثمة شيئاً حقيقياً في هذا البيان.
•تنجم الشراكة بين الدولتين عن عقيدة تهديد عالية وأجندة استراتيجية مشتركة. وقد قام كل من الهند وإسرائيل بحروب تقليدية كبيرة مع الجيران وجرب الإرهاب والنزاعات بدرجة منخفضة. وتنخرط الدولتان في نزاعات مستمرة ذات مكونات عرقية ودينية معقدة، وهي غير مفهومة للجهات الخارجية. كذلك فإن أعداء الدولتين بحيازتهم أسلحة إبادة شاملة.
•فضلاً عن ذلك، تخاف الدولتان من الإسلام المتطرف الذي يقع معظم مراكزه في العالم العربي. فالهند تخاف من أن يقع السلاح النووي لدى الباكستان في نهاية المطاف في أيدي الإسلاميين، في حين أن إسرائيل تعتبر إيران تهديداً وجودياً لها بسبب الدمج بين التعصب الديني والمشروع النووي. كما أن ناشطي تنظيم "داعش" الذين يشكلون تهديداً لجيوش جارات إسرائيل يشكلون في الوقت عينه مصدر قلق في جنوب وجنوب شرق آسيا.
•ثمة زاوية أميركية أيضاً، فالهند باتت لاعبة مركزية في الساحة الدولية، وقامت بتحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة عما كانت عليه في إبان الحرب الباردة. وترى نيودلهي أن علاقتها مع القدس تُعتبر مصدراً يمكنه مساعدتها في واشنطن. وفهم اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة أهمية الهند بالنسبة إلى إسرائيل والولايات المتحدة، وأفضلية تطوير العلاقة مع الجالية الهندية في الولايات المتحدة التي تزداد قوتها السياسية يوماً بعد يوم. وتعاون اللوبي اليهودي ولوبي الجالية الهندية من أجل الحصول على مصادقة الإدارة الأميركية على بيع أنظمة تجسس محمولة جواً من طراز "فالكون" إسرائيلية الصنع إلى الهند في ربيع 2003. وفي خريف 2008 كان هذا التعاون حيوياً من أجل أن يُمرر الكونغرس صفقة نووية بين الهند والولايات المتحدة، أتاحت للهند إمكان الوصول إلى تكنولوجيا نووية للأغراض السلمية على الرغم من أنها لم توقع اتفاق منع انتشار السلاح النووي.
•ثمة تغييران في النظام الدولي من شأنهما أن يعززا التعاون الاستراتيجي بين إسرائيل والهند: الأول، هبوط مكانة الولايات المتحدة؛ الثاني، تصاعد قوة الصين. وفي منطقة الشرق الأوسط تتسبّب عدم رغبة الولايات المتحدة وخوفها من التدخل في هذه المنطقة بازدياد تطلُّع إيران لتحقيق هيمنة إقليمية. وهناك تداعيات لهذا الضعف الأميركي في أجزاء أُخرى من العالم أيضاً، وتتابع دول آسيا بقلق تقلص الدور العالمي للولايات المتحدة. كذلك فإن العلاقة بين الهند وإسرائيل تمس المحيط الهندي خصوصاً في ضوء الحضور المتزايد للصين. وقد تحوّل المحيط الهندي إلى منطقة مهمة بالنسبة إلى إسرائيل جرّاء خوفها من إيران وباكستان.
•تغلبت الهند بالتدريج على مخاوفها من التعاون الأمني مع إسرائيل، والآن فإن التعاون بين الدولتين لا يتعلق فقط بمكافحة الارهاب التي سبقت استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين سنة 1992، وازدادت في إثر الهجمات الإرهابية في مومباي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2008، إنما تحولت صفقات السلاح إلى مركب مهم جداً في هذه العلاقات، إلى درجة أن إسرائيل وافقت على طلبات الهند نقل تكنولوجيا متطورة إليها. ونتيجة الجهود التي بذلتها إسرائيل أصبحت ثالث دولة تزود الهند بالسلاح فيما يتعلق بالحجم. كما أن قائمة طويلة من الوسائل القتالية الإسرائيلية أصبحت تُنتجَ في الهند.
•وتنطوي الهند العظمى على إمكانات كامنة هائلة للتصدير بالنسبة إلى الاقتصاد الإسرائيلي الذي يرافق ممثلون عنه رئيس الحكومة في زيارته للهند هذا الأسبوع. وهناك مجال واسع للتعاون العلمي في الزراعة والصحة وإدارة المياه والهاي- تيك. ويمكن ملاحظة أن نتنياهو يحاول كـ"مندوب مبيعات" تطوير العلاقات الاقتصادية بين الدولتين وتحسين صورة إسرائيل كدولة تكنولوجية وعضو مهم في المجتمع الدولي.
•كما يدرك نتنياهو أن التغيير في النظام العالمي يحول آسيا بصورة عامة والهند خصوصاً إلى دولة أكثر أهمية عمّا قبل، لذا تستحق هذه المنطقة اهتمام إسرائيل بها. ولا شك في أن وجود نتنياهو في الهند يُعتبر فرصة لتقدير التقدم الذي حدث في العلاقات الثنائية، وللتغلب على العقبات الواقفة أمام إمكان توسيع التعاون وتعزيز الشراكة الاقتصادية بين الدولتين.