الوقت ليس مناسباً للانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

 

(أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الأسبوع الفائت، أنه سيوقّع مواصلة تعليق العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، وفق أحكام الاتفاق النووي الذي تم توقيعه بين إيران والدول العظمى الست سنة 2015، مؤكداً أنها ستكون "المرة الأخيرة" التي يوقع فيها الأمر بشأن تعليق هذه العقوبات. عشية هذا القرار، خصص "معهد أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي إحدى منشوراته المركزية ("مباط عال")، التي صدرت الأسبوع الفائت، لموضوع الاتفاق النووي مع إيران وإمكان إلغائه والتداعيات المترتبة على ذلك. وتضمن الإصدار سبعة مقالات لباحثين في المعهد، بينهم وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان السابق موشيه يعلون، سبقتها المقدمة التالية التي كتبها رئيس المعهد عاموس يدلين):

•في هذه الأيام، يدرس الرئيس الأميركي خطوته التالية بشأن الاستمرار في تعليق العقوبات ضد إيران أو إعادة فرضها، وهو ما يعني عملياً انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي جرى توقيعه سنة 2015 بين إيران والدول العظمى الست. 

•"معهد أبحات الأمن القومي" استعدّ لهذا الحدث المهم بإجراء محاكاة متقدمة ونقاشات معمقة بشأن الموضوع خلص باحثو المعهد الرائدون في هذا المجال في ختامها، إلى التوصية بعدم الانسحاب من الاتفاق النووي في الوقت الراهن. 

•هذا الإصدار الذي يشمل تحليلاً للواقع الاستراتيجي الشامل إزاء إيران في الوقت الحالي، يؤكد أن الضرر المترتب على قرار أميركي بالانسحاب من الاتفاق النووي يفوق الفائدة المتوقعة من هذا القرار. يتعين على الولايات المتحدة اليوم قيادة جهود دولية لممارسة الضغط على إيران، من خلال الإصرار على تطبيق الاتفاق بصورة كاملة ودقيقة، ثم معاقبة إيران على أعمالها وخطواتها المتحدّية والاستفزازية في المجالات التي لا تشكل جزءاً من مشروعها النووي: ممارساتها التآمرية في أنحاء الشرق الأوسط المتعددة، نشر الإرهاب والأسلحة، تطوير برنامج الصواريخ البالستية والمساس بحقوق الإنسان.

•شكّل خطاب الرئيس دونالد ترامب يوم 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، نقطة تحوّل واضحة في السياسة الأميركية تجاه إيران. ففي إعلانه أنه لن يعيد التصديق على الاتفاق، أعلن ترامب عملياً استئنافه وتحدّيه الاتفاق النووي (JCPOA) والسياسة الإيرانية في الشرق الأوسط. وقد أثار إعلانه هذا ردات فعل معارِضة من الشريكات الأُخريات في الاتفاق (بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، روسيا والصين)، إلى جانب ترقب حذر لقراره النهائي الذي يُفترض أن يصدر في أواسط الشهر الحالي بشأن ما إذا كان الرئيس الأميركي سيوقّع الأمر الذي يواصل تعليق العقوبات أو يعيدها، وهو ما يعني الانسحاب من الاتفاق بصورة فعلية. 

هذا ليس وقتاً مناسباً للانسحاب من الاتفاق         

•بعد خطاب الرئيس الأميركي مباشرة، تطرقنا إلى الموضوع وأوصينا بعدم فتح الاتفاق، بل بممارسة الضغط على النظام الإيراني على خلفية خروقاته لقرارات مجلس الأمن في قضايا برنامج الصواريخ، نشر الإرهاب والوسائل القتالية وبسبب تعدّياته على حقوق الإنسان. في هذه الأثناء تفجرت الاضطرابات في إيران. في هذه النقطة الزمنية الحاسمة، بين الوضع المرشح للانفجار في إيران وبين قرار الرئيس الأميركي الحاسم في مسألة الاتفاق النووي، نودّ العودة إلى تأكيد تقويمنا أن كلفة انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في الوقت الراهن تفوق الفائدة المتوقعة أو المرجوة منه. ولهذا تبقى على حالها توصيتنا بألاّ تبادر الولايات المتحدة إلى الانسحاب من الاتفاق النووي حالياً. 

•على هذه الخلفية يبدو مشجِّعاً بصورة خاصة تصريح وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون، يوم 5 كانون الثاني/ يناير الحالي، بشأن الجهود المبذولة الآن من أجل إيجاد حل يسمح للولايات المتحدة بالاستمرار في أن تكون طرفاً في هذا الاتفاق. ونحن نأمل بأنه حتى لو لم ينضج الاقتراح المطروح في الكونغرس الآن ولم يثمر تشريعاً خاصاً في غضون الفترة الزمنية القصيرة المتبقية حتى قرار الرئيس، قد يكون في استعداد الكونغرس للبحث في اقتراح آخر يُطرح عليه ضمن إطار زمني مقبول على الرئيس ما يتيح للأخير الامتناع من قرار إعادة العقوبات، التي ستعني انسحاب الولايات المتحدة الفعلي من الاتفاق.   

•على الرغم من اختلاف آرائنا بشأن جودة الاتفاق ومدى قدرته على منع إيران من امتلاك سلاح نووي، إلاّ إننا متفقون جميعاً على أن هذا الاتفاق يشكل، في هذه اللحظة الزمنية، حقيقة ناجزة وأن الشريكات الأُخريات لهذا الاتفاق تعارضن إعادة فتحه من جديد. ومن شأن خطوة أميركية من جانب واحد للخروج منه في الوقت الراهن أن تسبب احتكاكاً وتوتراً بين الإدارة الأميركية وحكومات تلك الدول وأن تتيح للنظام الإيراني استغلال انسحاب الولايات المتحدة وتجييره لمصلحته. كان هذا صحيحاً قبل اندلاع الاضطرابات في إيران، فكم بالحري اليوم حيال بحث النظام عن ذرائع لحرف الغضب الجماهيري الموجّه إليه وتحويله نحو جهات خارجية. سيكون خطأ فادحاً من جانب الولايات المتحدة الوقوع في شرك النظام الإيراني ومنحه هذه الفرصة.   

تشديد الضغوط على إيران من دون الانسحاب من الاتفاق 

•إن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي يشكل خطراً على القدرة الحالية على محاصرة وتقييد المشروع النووي الإيراني في المدى المنظور، وعلى إعاقة وتأجيل القدرة الإيرانية على امتلاك السلاح النووي. تبعاً لهذا، ونظراً إلى إمكان ممارسة الضغوط على إيران اليوم فيما يتعلق بتطبيق الاتفاق من دون إعادة فتح ومن دون انسحاب الولايات المتحدة منه، من الأجدر ـ بل من الحيوي ـ استنفاد هذا المسار الآن.

•القضايا التي يتعين التطرق إليها في هذا الإطار هي:  

أ‌.يجب إبراز حقيقة أن إيران قد خرقت شروط وأحكام الاتفاق النووي (NPT) خلال العقدين الأخيرين، وذلك باستثمارها في العمل على مشروع نووي عسكري وخداع الوكالة الدولية للطاقة النووية ومراقبيها، فضلاً عن المجتمع الدولي بأسره. لهذا الإبراز أهمية خاصة لأنه يرسي القاعدة لفقدان ثقة المجتمع الدولي بإيران ولأنه ضروري للتمييز بين النظام الإيراني والأنظمة الأُخرى والتعامل معه باعتباره عنواناً للخروقات والخداع، وهو ما يعني عدم الثقة به وائتمان جانبه.  

ب‌.يجب تطبيق بنود الاتفاق المتعلقة بمراقبة المنشآت العسكرية في إيران، بغية التحقق من أنها تسمح بإجراء تحقيقات ناجعة وخلال وقت معقول في أي شبهات تتعلق بنشاطات في المجال النووي العسكري. وفي إطار ذلك، يجب توضيح بنود الاتفاق التي تشكل موضعاً للتفسير والاختلاف، مثل الفقرات التي تأمر الوكالة الدولية للطاقة النووية بتقديم المواد الاستخباراتية المُدينة إلى إيران أولاً ثم انتظار تعقيبها، من دون تحديد وقت لذلك. بعد هذه المرحلة فقط، يمكن إطلاق الإجراء الذي تستطيع إيران في إطاره إعاقة أو تأجيل التفتيش في منشأة عسكرية لفترة أقصاها 24 يوماً بعد طلب الوكالة الدولية للطاقة النووية إجراء التفتيش. 

ت‌.يجب التحقق من ممارسة الوكالة الدولية للطاقة النووية حقها وواجبها في الكشف عن المنشآت، النشاطات والمواد المحظورة طبقاً للبروتوكول الإضافي. حتى الآن، لم تبادر الوكالة الدولية للطاقة النووية بإجراء تفتيش يقوم على استخدام جميع الإمكانات التي يتيحها هذا البروتوكول. 

ث‌.يجب الاهتمام باعتماد قدر أكبر من الشفافية والتفصيل في التقارير الفصلية التي يقدمها المدير العام للوكالة الدولية للطاقة النووية بشأن نتائج التفتيشات التي تُجرى في إيران وبشأن الجهود الإيرانية (المحظورة) لامتلاك الأسلحة والمواد اللازمة لمشروعها النووي، والتي يجري بحثها ضمن "مجموعة العمل في مسألة المشتريات"، وذلك لإتاحة النقاش الدولي المهم بشأن هذا الموضوع. 

ج‌.يجب إعادة فحص بنود الاتفاق التي تتعلق بالأبحاث والتطوير في موضوع أجهزة الطرد المركزي المتطورة. في الوقت الحالي، وبسبب القيود التي تضعها إيران على الرقابة والتفتيش الدوليين، ثمة خطر يتمثل في أن تتمكن إيران من تطوير وإنتاج أجهزة طرد مركزي متقدمة من دون علم الوكالة الدولية للطاقة النووية بذلك، على الرغم مما في الأمر من خرق فاضح للاتفاق. 

ح‌.يجب التشديد على العمل الاستخباراتي، في موازاة الرقابة والتفتيش من الوكالة الدولية للطاقة النووية. ويكتسب هذا العمل أهمية خاصة إزاء حقيقة أن جهات استخباراتية وعناصر مناوئة للنظام ـ وليس الوكالة الدولية للطاقة النووية ـ هي التي كشفت خروقات النظام الإيراني في مشروعه النووي.   

•على ضوء هذا كله، من الأصح أن تواصل الولايات المتحدة قيادة السياسة الدولية التي تتحدى النظام الإيراني وتفرض عليه الالتزام الدقيق ببنود وأحكام الاتفاق النووي، من دون إعادة فتح الاتفاق لمفاوضات مجددة، من خلال تجنيد الدول الشريكة في هذا الجهد.  

خروقات النظام الإيراني بالإضافة إلى الاتفاق النووي  

•تزداد الحاجة الملحة إلى مواصلة ممارسة الضغوط على النظام الإيراني وتصعيدها، بالتوازي مع فرض تطبيق بنود الاتفاق بصورة دقيقة، حيال الخروقات والانتهاكات المتكررة والدائمة لقرارات مجلس الأمن ولحقوق الإنسان في إيران:

أ‌.خرق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 من خلال دعم الإرهاب وتزويد تنظيمات إرهابية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط بالأسلحة. 

ب‌.إجراء أربع تجارب صاروخية على الأقل، بعد توقيع الاتفاق النووي: التجارب التي أُجريت في تشرين الأول/ أكتوبر ـ تشرين الثاني / نوفمبر 2015 شكلت خرقاً واضحاً لقرار مجلس الأمن رقم 1929 (الذي كان ما يزال ساري المفعول وقتذاك)، بينما تعارضت التجارب الأُخرى مع "روح" قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، كما أكدت إدارتا الرئيسين باراك أوباما ودونالد ترامب. 

ت‌.انتهاك نظام القانون الدولي والأعراف في مسائل حقوق الإنسان. فإيران تتصدر قائمة الدول عالمياً في مجال تنفيذ أحكام الإعدام، الاعتقالات الجماعية بحق معارضي النظام، المساس بالنساء، وبمثليي الجنس، وبالأقليات وغيرها. 

خلاصة  

•عشية قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مسألة العقوبات الاقتصادية على إيران والانسحاب المحتمل من الاتفاق النووي معها (JCPOA)، نوصي بما يلي:

أ‌.عدم إعادة فرض العقوبات ضمن إجراء يعني عملياً انتهاك الاتفاق، وإنما مطالبة إيران بتطبيق الاتفاق كاملاً ومطالبة الوكالة الدولية للطاقة النووية بتشديد المراقبة والتفتيش على التطبيق ونشر جميع نتائج التفتيش والمراقبة كما كان متّبعاً في الماضي، وذلك من أجل تعزيز الشفافية بشأن التطبيق الإيراني للاتفاق. 

ب‌.رفع الوعي الدولي للانتهاكات الإيرانية لقرارات مجلس الأمن الدولي ومطالبة جميع الدول الشريكة في الاتفاق النووي بالانضمام إلى العقوبات جرّاء هذه الانتهاكات. في هذا الإطار، يجب العمل من أجل إصدار قرار جديد في مجلس الأمن الدولي يعيد تأكيد الحظر الوارد في قرارات سابقة على تنفيذ أي عمل، بما في ذلك التطوير، الإنتاج أو إجراء تجارب على صواريخ بالستية وصواريخ موجَّهة قادرة على حمل رؤوس نووية حربية. 

ت‌.عزل النظام الإيراني وممارسة الضغوط عليه على خلفية انتهاكاته لحقوق الإنسان بصورة عامة، وقمع التظاهرات الأخيرة بصورة خاصة. في هذا الإطار، يجب على الولايات المتحدة استنفاد جميع العقوبات والأدوات التي يخوّلها إياها البندان 402 و 403 في قانون Iran Threat Reduction and Syria Human Rights Act of 2012، ضد الجهات التي تساهم في انتهاك حقوق الإنسان الإيراني.

ث‌.فرض عقوبات ثنائية أميركية على النظام الإيراني جرّاء هذه الانتهاكات، إلى جانب تجنيد الدول الأُخرى المشاركة في الاتفاق وغيرها من الدول لتبنّي هذه العقوبات وتطبيقها.