إسرائيل تحافظ على ضبط النفس في غزة وتتبنى نهجاً هجومياً في الحدود الشمالية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•تبذل إسرائيل في الأيام الأخيرة جهداً واضحاً للحؤول دون نشوب اشتباك عسكري في قطاع غزة. والأسباب واضحة: عدم وجود بديل واضح من سلطة "حماس"، والرغبة في مواصلة بناء العائق ضد الأنفاق، لكن يضاف إلى ذلك اعتبارات إضافية. الاعتبار المركزي بينها يتعلق بالساحة الشمالية وتأثير إيران هناك، وهو القضية المطروحة حالياً في رأس سلم أولويات إسرائيل الاستراتيجية. 

•بالأمس (يوم الأحد) أمر وزير الطاقة يوفال شتاينيتس بأن تعيد إسرائيل تزويد قطاع غزة بالكهرباء إلى الوضع الذي كان عليه قبل 4 أشهر. في الوقت عينه عقد المجلس الوزاري المصغر السياسي- الأمني جلسة مطوّلة في القدس عالجت الوضع على حدود لبنان وسورية. والحدثان مترابطان. على خلفية عدم الاستقرار على الحدود، يتعين على إسرائيل أن تدير طوال الوقت أزمات، وفي المقابل أن تدرس الطريقة التي تنعكس فيها تطورات إحدى الساحتين على الساحة الأُخرى. 

•في حزيران/يونيو الأخير قلصت إسرائيل تزويد القطاع بالكهرباء، بعد أن قررت السلطة الفلسطينية تخفيض المبالغ الشهرية التي تدفعها من أجل تمويل الكهرباء من 40 مليون شيكل إلى 25 مليون شيكل في الشهر. لم يتحمس المستوى السياسي والمؤسسة الأمنية للخطوة التي اتخذتها السلطة، لكنهما قررا الوقوف مع رئيس السلطة، محمود عباس. والضغط غير المباشر الذي مارسه عباس على "حماس" أعطى ثماره: تخفيض تزويد القطاع بالكهرباء إلى ساعات محدودة فقط في اليوم فاقم الضائقة الإنسانية هناك. وكان هذا أحد أسباب استعداد "حماس" للاستجابة لاقتراح المصالحة الذي قدمته مصر، والموافقة مبدئياً على نقل الصلاحيات المدنية في قطاع غزة إلى السلطة. لكن في الأشهر الأخيرة وصلت محادثات المصالحة إلى طريق مسدود. فعباس غير مقتنع بأن المصالحة ستفيده ويرفض المضي قُدُماً في تحمل الصلاحيات ما دامت "حماس" لا تطلب من ناشطيها المسلحين الانضواء تحت لواء السلطة، وهو قرار لا يبدو أن الحركة مستعدة للالتزام به. في هذه الأثناء يتواصل تدهور البنى التحتية للمياه والصرف الصحي، وازداد الاعتماد على التزود بالكهرباء مع مجيء الشتاء. بعد تصريح ترامب في 6 كانون الأول/ديسمبر بشأن القدس عاصمة لإسرائيل، بدأ إطلاق القذائف على النقب من قبل تنظيمات سلفية صغيرة وانضمت إليها حركة الجهاد الإسلامي أيضاَ. 

•بدأت مصر، التي تتخوف من خسارة السيطرة الكاملة على الوضع، في الضغط على جميع الأطراف لإبداء مرونة. وبالأمس زادت إسرائيل، التي تريد تحييد الأطراف التي يمكن أن تشعل مواجهة عسكرية، ساعات التزويد بالكهرباء. وتحدث الموقع الإخباري "كان/هنا" أمس عن أن إسرائيل تدرس تقديم تسهيلات إضافية، بينها زيادة انتقال البضائع إلى القطاع ( انخفض عدد الشاحنات التي تعبر معبر كرم سالم  إلى قرابة النصف، بسبب انخفاض القوة الشرائية في غزة)، وإقرار مشروع في مجال البنى التحتية تموله دول الخليج.

•في الشمال يواصل نظام الأسد استعادة سيطرته على مناطق واسعة من سورية، على الرغم من الهجمات المضادة التي يشنها المتمردون السنّة (وأبرزها في شمال غربي سورية حيث نجح المتمردون في تدمير عدة طائرات روسية على الأرض في قاعدة حميميم الجوية). وتدور معارك ضارية في منطقة إدلب في شمال سورية، لكن في المقابل يستعد النظام أيضاَ لإعادة انتشاره في مناطق تقع في جنوبي سورية، بالقرب من الحدود مع إسرائيل. في بداية كانون الثاني/يناير جرى التوصل إلى تسوية تقضي باستسلام وانسحاب المتمردين من الجيب الموجود حول بيت جن إلى نحو 11 كيلومتراً شرقي الحدود في الجولان.

•وتحت غطاء تقدم النظام، بدأت إيران جني المكاسب من انتصار معسكر الأسد، فالشاحنات من إيران تنقل البضائع، وربما أيضاً السلاح، من طريق "الممر البري" الذي انشأته طهران من جديد في أراضي العراق وسورية وصولاً إلى دمشق. كما يُجري الإيرانيون اتصالات مع الأسد من أجل استئجار قاعدة جوية ومرفأ بحري، وإقامة قواعد للميليشيات الشيعية، وبشأن أماكن تمركز الميليشيات الشيعية في الجنوب، وعلى أي مسافة من حدود إسرائيل. بيد أن السؤال الأكثر حساسية من وجهة النظر الإسرائيلية هو المتعلق بتصنيع السلاح الإيراني.

•أعرب مسؤولون كبار في إسرائيل، بينهم رئيس الحكومة نتنياهو ووزير الدفاع ليبرمان عن قلقهم حيال أمرين: إعادة بناء الترسانة الصاروخية للنظام [السوري] التي فرغت تقريباً في الحرب ضد المتمردين، وحيال إقامة مصانع سلاح إيرانية في سورية ولبنان، يمكن بواسطتها تحسين قدرة دقة الإصابة للصواريخ التي يملكها حزب الله. على المدى البعيد، تستطيع إيران أن تهدد بهذه الصواريخ نقاط الضعف في إسرائيل - السكان المدنيين - انطلاقاً من ثلاث ساحات: لبنان سورية وغزة، حيث تتلقى حركة الجهاد الإسلامي، وبصورة أقل الذراع العسكرية لـ"حماس" مساعدة اقتصادية من طهران.

•لقد أملوا في إسرائيل بأن تؤدي موجة الاحتجاج التي اندلعت في نهاية كانون الأول/ديسمبر إلى تركيز النقاش على المساعدة الاقتصادية الضخمة التي تقدمها الحكومة الإيرانية للإرهاب على حساب المواطنين. لكن يبدو أن النظام ينجح في هذه الأثناء في كبح تمدد الاضطرابات، على الأقل الموجة الحالية.

•في الأشهر الأخيرة بذل الرئيس ترامب جهوداً من أجل إقناع المستوى السياسي في إسرائيل بعدم صحة التخوف الذي عبّرت عنه القدس، كأن الولايات المتحدة تنسحب من الشرق الأوسط بعد هزيمة تنظيم داعش، وتترك الساحة مفتوحة أمام الهيمنة الروسية والإيرانية. لقد قرر البنتاغون إبقاء نحو 2000 جندي أميركي في شرق سورية، من أجل الحد من حرية الحركة الإيرانية في الممر البري. وينتهج وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، خطاً متشدداً معادياً لإيران في الإدارة الأميركية، لكن حتى الآن يدعمه الرئيس بالتصريحات أكثر مما يدعمه بالأفعال. من جهة أُخرى، تحت حكم ترامب، بخلاف أوباما، من الصعب رؤية واشنطن تتدخل من أجل  فرض قيود على تحركات إسرائيلية في الشمال، إذا ما قرر نتنياهو أن هذه مثل هذه التحركات مطلوبة.