بوتين قفز إلى سورية ليهدد الأسد
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

– الموقع الإلكتروني
المؤلف

•لم يكن هدف الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس فلاديمير بوتين يوم الإثنين إلى الشرق الأوسط الاحتفال بانتصار أو إنجاز سياسي، ولا "الحط على عين" الأميركيين كعادة الرئيس الروسي. لقد احتاج بوتين إلى القيام بهذه الزيارة بصورة أساسية لأن جهوده من أجل التوصل إلى تسوية سياسية تحقق الهدوء في سورية وتحدد الإنجازات الروسية هناك، واجهتها صعوبات غير متوقعة.

•لقد اتضح لبوتين أنه على الرغم من أن الأسد يدين لروسيا ببقائه وبقاء نظامه في الحكم، فإنه  لا ينظر "إلى اليوم التالي" للحرب الأهلية تماماً كما تراه روسيا. وليس الأسد وحده، بل الإيرانيون وتركيا أيضاً تختلف نظرتهم إلى تسوية سياسية في سورية  اختلافاً جوهرياً عن التسوية التي يرغب فيها بوتين. تريد روسيا وبوتين التوصل إلى تهدئة ووقف القتال في جميع مناطق سورية بصورة منفردة وبشروط منفردة. وفي المقابل،  فإن الأسد غير مستعد للمصالحة، وهو يطالب بأن تكون سورية كلها تحت سيطرته الحصرية من دون أي مشاركة من جانب المعارضة والمتمردين السوريين، ومن دون الأكراد أيضاً.

•الروس معنيون في البداية، في المرحلة الانتقالية، بالتوصل إلى التهدئة، أو إلى وقف إطلاق نار في كل منطقة على حدة وبحسب شروط منفصلة، وهم يريدون أن يكون للمعارضة وللمتمردين وأيضاً للأكراد حصة في الحكم المدني في كل منطقة، وأيضاً في الحكومة الانتقالية التي ستؤلَّف بوجود الأسد، حتى يحين موعد الانتخابات بعد نحو سنة. كما يرى الروس أيضاً أنه ليس ضرورياً أن تكون عائلة الأسد والعلويون هم الوحيدون الذين يحكمون سورية، بينما الأسد والإيرانيون غير مستعدين لقبول مثل هذه التسوية. وبالنسبة إليهم يجب أن تكون سورية كلها تحت سيطرة الأسد ويجب أن تبقى عائلته في الحكم حتى يقرر هو أمراً آخر.

•هناك أيضاً الأتراك، وهم غير مستعدين حتى للقبول بمنطقة كردية في شمال سورية بالقرب من حدودهم، في حين أن الروس تحديداً يستلطفون الأكراد ويؤيدونهم، شرط أن يتخلوا عن الدعم الأميركي، لكن الرئيس التركي أردوغان يعارض ذلك بقوة وهو ليس مستعداً لإخراج قواته من سورية بصورة تسمح للأكراد بتوحيد المناطق الواقعة تحت سيطرتهم وإنشاء منطقة حكم ذاتي (شبيهة بالمنطقة التي أُقيمت قبل عشرات السنوات في شمال العراق). 

•توجد خلافات في الرأي بين الروس وبوتين وبين الإيرانيين أيضاً. فالروس مثلاً ليسوا مستعدين لأن يحصل الإيرانيون على جزء من مرفأ خاص بهم، مثلما يوجد بلروس في طرطوس، كما أنهم لا  يرغبون في مشاركة الإيرانيين في ترميم وإعادة بناء سورية، وفي بنية النفط التحتية في هذه الدولة، لأنهم يريدون الحصة الأكبر لأنفسهم.

•وبسبب  كل هذا الاختلاف في الآراء، وغير ذلك، فشلت القمة التي دعا إليها بوتين في منتجع سوتشي في روسيا الشهر الماضي، وكان قد التقى قبل ذلك بالأسد، وبالرئيس الإيراني روحاني وبأردوغان، كما تحدث هاتفياً مع نتنياهو ومع الجنرال السيسي في مصر، لكن كل هذا لم ينفع، فقد انتهت قمة سوتشي بخلافات في الرأي، ولهذا أيضاً تتعثر المحادثات التي تجري في أستانة عاصمة كازخستان، وفي جنيف برعاية الأمم المتحدة.

•يريد بوتين تحريك الأمور في الاتجاه المطلوب ولذلك يزور سورية، ويعلن خلال زيارته أنه أمر قواته بالاستعداد للخروج من هناك. يجب ألاّ نذهب بعيداً، فالروس ينوون الاستمرار في السيطرة على مطار حميميم، و على مرفأ طرطوس الذي يملكون حقوقاً  في استخدام جزء كبير من أرصفته حيت ترسو سفن حربية وتجارية روسية. لكن بوتين يريد إخراج القوات الأُخرى، وبينها جزء كبير من بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات، وأجهزة الرادار، وقواته البرية، ومستشاريه العسكريين الموجودين مع القوات السورية في سورية كلها.

•يهدف هذا الكلام الذي يبدو وكأنه إشارة إلى نية روسيا الخروج من سورية، هو في الواقع تهديد مباشر موجّه إلى الأسد مفاده: إذا لم تقبل بخطتي للتسوية السياسية في بلدك، ستضطر إلى تدبير أمرك بنفسك مع المتمردين وأيضاً مع الجهاد العالمي. نحن لن نكون هنا لمساعدتك. وما يقوله بوتين فعلاً له، هو إننا سنقلص إلى حد كبير عدد طائراتنا الحربية وطوافاتنا الهجومية التي تتدخل في كل مرة تواجه فيها قواتك مصاعب، وهذا تهديد جدّي للأسد، ويتعين على الإيرانيين أيضاً، الذين يعلمون أن بوتين وحده هو الذي منع هزيمة مؤكدة في الحرب الأهلية السورية، أن يأخذوا ذلك في اعتبارهم.

•ومن سورية ذهب بوتين إلى مصر، من أجل الحصول على تأييد السيسي التسوية التي، كما يبدو، ترغب فيها روسيا في سورية وأيضاً من أجل تعميق علاقاته مع مصر بصورة تؤدي إلى ترسيخ مكانة روسيا كقوة عظمى مهيمنة في الشرق الأوسط محل الولايات المتحدة. وليس هناك أدنى شك في أن بوتين يحاول استغلال إعلان ترامب أن القدس عاصمة لإسرائيل، كوسيلة لتعميق علاقاته مع العالم العربي ومع الإيرانيين. ترامب هو الرجل الشرير، وبوتين هو الذي يفهم ما يفكر به المسلمون ويؤيد قضاياهم.

•سيقلل بوتين بالتأكيد من حقيقة إعلان روسيا قبل بضعة أشهر علناً أنها تعتبر القدس الغربية عاصمة لإسرائيل. لكن مثل هذه الأمور التافهة يجب ألاّ  تزعج بوتين وتمنعه من تعميق علاقاته مع العرب، عندما يكون الهدف النهائي تشجيعهم على شراء سلاح وعتاد من الصناعات الأمنية الروسية. فروسيا تنجح في بيع سلاح وعتاد عسكري بمليارات كثيرة، ويشكل هذا مصلحة اقتصادية واضحة يدفع بها بوتين قُدُماً من خلال وصوله المفاجىء إلى الشرق الأوسط.

 

•بالنسبة إلى إسرائيل فإن هذه الزيارة لا تشكل خبراً سيئاً. فخطة التسوية الروسية في سورية هي من وجهة نظر استراتيجية إسرائيلية أفضل من الخطة التي يسعى لها الرئيس الأسد والإيرانيون. لكن من الصعب الحكم على هذه الخطوة لأنها لا تزال في بدايتها والحرب في سورية تراوح مكانها، ومن المحتمل أن تستمر عدة أشهر أُخرى، وربما أكثر من سنة.