صراع السعودية ضد إيران يمكن أن يورّط إسرائيل في حرب في لبنان
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

•في نهاية الأسبوع الماضي، وخلال أقل من 24 ساعة، حدثت سلسلة صدمات داخل المملكة وفي الشرق الأوسط، ساهمت في تصعيد الصراع على النفوذ الإقليمي مع إيران. إن الخطة السعودية الكاملة، في حال وجودها، لم يُكشف عنها بعد. لكن سلسلة التطورات رفعت مستوى التوتر في عواصم الدول المجاورة،  وولّدت موجة من التكهنات بشأن الخطوات القادمة للسعودية.

•في البداية جاء إعلان استقالة سعد الحريري من رئاسة الحكومة اللبنانية. وجرى تبرير الاستقالة في الساعات الأولى بتخوف الحريري من مؤامرة لاغتياله من جانب حزب الله بطلب من إيران. لكن بمرور الأيام بدت الاستقالة مفروضة من الرياض، التي لم تكن راضية عن الطريقة التي دُفع بها الحريري إلى تعاون سياسي مفروض مع حزب الله في الحكومة. وزعمت مصادر في الحكومة اللبنانية أن الحريري محتجز في الرياض رغماً عنه. وبالأمس أمرت السعودية والكويت رعاياهما بمغادرة لبنان فوراً.

•وبعد ساعات [على إعلان  استقالة الحريري] أعلنت السعودية عن حملة توقيف واسعة شملت أمراء ورجال أعمال بتهم فساد. وفي هذه الأثناء وقعت حادثة جوية غريبة على الحدود الجنوبية للسعودية، وتبين في اليوم التالي أن الأمير الذي كان على متن الطوافة التي سقطت حاول الفرار إلى خارج المملكة، وأن الذي أسقط طوافته هو سلاح الجو السعودي. وقُتل الركاب التسعة وأفراد الطاقم الذين كانوا على متن الطوافة. وفي هذه الأثناء أطلق المتمردون الحوثيون في اليمن المدعومون من إيران، صاروخاً على مطار الرياض فجرى اعتراضه بواسطة صواريخ أميركية. وردت السعودية على ذلك بفرض حصار بري وبحري على اليمن.

•لكن هذه ليست هي التطورات الوحيدة المرتبطة بالسعودية هذا الأسبوع. فقد غرد الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تويتر معرباً عن تأييده للخطوات التي اتخذها الملك سلمان، والرجل القوي في المملكة ولي العهد محمد بن سلمان (وكان صهر ترامب، جاريد كوشنير زار السعودية وإسرائيل قبل أيام معدودة من موجة التطهيرات)؛ وفي إسرائيل بحسب القناة العاشرة، بعثت وزارة الخارجية إلى سفاراتها رسائل مطابقة تماماً للتفسير السعودي لاستقالة الحريري، وحمّلت في رسائلها إيران المسوؤلية الكاملة عن الأزمة في لبنان؛ وقام رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بزيارة عاجلة إلى مصر والسعودية؛ وإلى بروكسل وصل إعلان مفاجئ بشأن رغبة وفد سعودي الحضور في الأسبوع المقبل للمشاركة في حلقات نقاش حول أساليب محاربة الإرهاب رداً على دعوة وجهت إليه قبل 10 أشهر.

•هل يوجد خط واحد يربط بين جميع هذه النقاط، وبينها وبين الأزمة التي أثارتها السعودية واتحاد الإمارات ومصر مع قطر في الصيف الماضي؟ وهل هذه النقاط مرتبطة أيضاً بعملية المصالحة بين السلطة الفلسطينية و"حماس"، التي بدأ تطبيقها الأسبوع الماضي في غزة بقيادة القاهرة؟ وفقاً لفهم شائع لدى رجال الاستخبارات والخبراء الأكاديميين فإن ما يجري هو خطوات تهدف إلى ترسيخ نفوذ ولي العهد محمد بن سلمان قبيل انتقال الحكم إليه من والده الذي هو في الـ82 من عمره.

•ليس واضحاً ما إذا كان السعوديون سيكتفون بذلك. إن العائلة المالكة السعودية قريبة بصورة خاصة من إدارة ترامب، والسعودية كانت الدولة الوحيدة، بالإضافة إلى إسرائيل، التي استقبلت بحرارة فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية قبل عام. وفي السنة الأخيرة نشرت تقارير كثيرة في وسائل الإعلام العالمية عن تزايد التنسيق السياسي بين الرياض والقدس، المترافق أيضاً مع تنسيق استخباراتي. تعتبر إسرائيل والسعودية إيران عدواً مشتركاً، ويشعران بالإحباط حيال عجز الغرب عن مواجهة صعود النفوذ الإيراني في المنطقة في ما يسمى "الهلال الشيعي".

•إن تسلسل الأحداث التي بدأت مع أزمة قطر، يعزز التقدير بأننا حيال تحرك سعودي واسع - محاولة طموحة لتشكيل نظام إقليمي جديد. جزء منه المصالحة الفلسطينية الداخلية، التي هي بحاجة إلى دعم اقتصادي من السعودية ومن اتحاد الإمارات. وعلى ما يبدو لن يقتصر الأمر على ذلك. وتستعد المؤسسة الأمنية والمستوى السياسي الإسرائيليان لاحتمال معقول بأن تقوم الإدارة الأميركية بتقديم وثيقة سياسية جديدة إلى إسرائيل والسلطة الفلسطينية، من أجل محاولة تحريك عملية السلام المتوقفة. ومثل هذه الخطوة يمكن أن تكون واشنطن نسقتها مع السعودية.

•لكن الطموحات السعودية قد تكون لها نتائج أخرى أيضاً. لقد كان عنوان المقال الذي نشره في بداية هذا الأسبوع سفير إسرائيل السابق في واشنطن، دان شابيرو، في النسخة الإنكليزية من صحيفة "هآرتس" هو: "هل تدفع السعودية إسرائيل إلى حرب مع حزب الله وإيران؟". يطرح شابيرو، الذي كان مستشاراً للرئيس باراك أوباما لشؤون الشرق الأوسط ، احتمال أنه في ضوء نجاح نظام الأسد في الصمود في الحرب الأهلية في سورية، يريد السعوديون نقل ساحة المعركة مع الإيرانيين من سورية إلى لبنان، ومعنيّون بأن تقوم إسرائيل نيابة عنهم بالعمل القذر. وبحسب تقدير شابيرو تأمل السعودية التالي: أن تجبر استقالة الحريري حزب الله على مواجهة الانعكاسات السياسية والاقتصادية في لبنان، وأن يبادر التنظيم الشيعي إلى خوض مواجهة عسكرية مع إسرائيل من أجل توحيد الجمهور اللبناني من حوله. وحذّر شابيرو من أنه "يجب ألاّ تسمح إسرائيل للسعودية بأن تجرّها إلى مواجهة سابقة لأوانها".

•وشابيرو ليس الوحيد الذي يطرح سيناريو من هذا النوع، فقد كتب دڤ زكهايم، الذي شغل مناصب رفيعة في البنتاغون في إدارتي ريغان وبوش، هذا الأسبوع في مجلة "فورين بوليسي"، عن التحالف بين الولايات المتحدة، والسعودية، والإمارات وإسرائيل، وذكّر بأن زيارة كوشنير للرياض هي الثالثة من نوعها منذ دخول ترامب إلى البيت الأبيض. وفي رأيه أنه في ضوء ترابط الزعماء الثلاثة: ترامب ونتنياهو وبن سلمان، فجميع الاحتمالات مفتوحة، وكتب: "هؤلاء الثلاثة يخططون لشيء ما، وهذا يبدو كخطة للضغط على إيران".

•إسرائيل، كما كتبت هنا من قبل، تتصرف حالياً في الشرق الأوسط ضمن ظروف حساسة للغاية. فنجاح معسكر الأسد في الحرب الأهلية، والوجود الروسي المتزايد في سورية، والنفوذ الكبير لإيران، كل ذلك أوجد وضعاً جديداً وغير واضح. ولهذا السبب، في رأي رئاسة الأركان في الجيش الإسرائيلي، هناك حاجة إلى تحديد قواعد لعبة تحافظ على حرية التحرك العسكري لإسرائيل في الجبهة الشمالية. وهذا على ما يبدو سبب التقارير الكثيرة عن هجمات لسلاح الجو في سورية. لكن هذه الظروف تزيد أيضاً بصورة دراماتيكية خطر تدهور غير مخطط له نتيجة حادث محدود قد يخرج عن السيطرة. فإذا كانت السعودية فعلاً تؤجج النار بين الأطراف عن قصد، فإن الأمر يتحول إلى خطر فعلي.

•في قيادة الجيش الإسرائيلي يصرون على أن تستند كل عملية [عسكرية] إلى استخبارات دقيقة وتفكير كثير قبل الحصول على موافقة المستوى السياسي عليها. ويبدو أن هذه هي فترة متوترة حتى بالمقارنة مع الأحداث المختلفة التي حصلت في السنوات السابقة للاضطرابات التي سيطرت على المنطقة العربية، منذ العاصفة التي ضربتها في كانون الأول/ديسمبر قبل 7 سنوات.