•دروز قرية حضر القريبة في الجولان السوري ليسوا من الذين يحبون إسرائيل، فأغلبية سكان القرية من المؤيدين لنظام الأسد علناً. والأخطر من ذلك، أن شباناً دروزاً من سكان القرية حاولوا، بل حتى نجحوا في إلحاق أذى بجنود إسرائيليين بتعليمات من حزب الله. ففي سنة 2013 جرحوا مقاتليْن من المظليين، ومرة أخرى سنة 2015 أحبط الجيش هجوماً وقتل أربعة من أبناء القرية. والذي أرسل أبناء قرية حضر هو ابن طائفتهم، القاتل في عملية نهاريا، سمير القنطار، الذي نشط من قبل حزب الله في الجولان السوري إلى حين اغتياله قبل عامين. وغض أهالي القرية النظر عن نشاطاته.
•إن هذه المعلومات عن القرية وعن علاقاتها بإسرائيل مهمة كي نفهم اللفتة التي قامت بها اليوم الحكومة الإسرائيلية والمؤسسة الأمنية تجاه الدروز الإسرائيليين. إن اعلان العميد رونان منليس أن "الجيش الإسرائيلي جاهز ومستعد لمساعدة سكان القرية وسيمنع إلحاق الأذى بقرية حضر أو احتلالها"، هو بمثابة تعهد كانت الحكومة الإسرائيلية حتى الفترة الأخيرة غير مستعدة لتقديمه علناً وبصورة رسمية. لقد قررت حكومة إسرائيل الآن عدم الوقوف موقف المتفرج، وأعلنت رسمياً انطلاقاً من واجبها تجاه أبناء الطائفة الدرزية في البلد، أن الجيش الإسرائيلي سيمنع احتلال حضر على يد المتمردين الإسلاميين الذين يقودهم أعضاء القاعدة (منظمة فتح الشام التي تقود الهجمات على حضر هي في الواقع الصيغة الجديدة لما عرفناه سابقاً باسم جبهة النصرة).
•ليست هذه سياسة الجيش الإسرائيلي فقط. إن إعلان الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي معناه أن حكومة إسرائيل قررت من حيث المبدأ الخروج عن سياستها التي ثابرت عليها بعدم التدخل في الحرب الأهلية في سورية، ونشر مظلة دفاع فوق الدروز في سورية. إن حادثة حضر محدودة، لكن في الإمكان بالتأكيد أن نرى فيها مؤشراً على ما يتعلق بالمستقبل وبالمواطنين الموجودين على مسافة أبعد، على سبيل المثال في السويدا (جبل الدروز)، والذين هم أيضاً من الدروز الذين يتعرضون للهجوم من حين إلى آخر.
•إن إعلان الجيش الإسرائيلي اليوم ليس فقط لفتة تطوعية تعبر عن النية الحسنة للأغلبية اليهودية حيال الطائفة الدرزية في البلد، بل تهدف أساساً إلى إحباط محاولات التحريض، ومنع تظاهرات عنيفة من شأنها أن تؤدي إلى حدوث شرخ بين دولة إسرائيل ومواطنيها الدروز. يوجد بين الدروز في الجولان السوري وأيضاً يوجد في إسرائيل أشخاص يحرضون أبناء الطائفة من على جانبي الحدود بحجة أن إسرائيل تساعد جبهة النصرة عسكرياً في حربها ضد نظام الأسد وضد الدروز الموالين له. وتدّعي هذه الجهات أن إسرائيل تريد وتدعم سراً الإسلاميين السنّة في جهودهم لاحتلال حضر وانتزاعها من يد النظام السوري الذي لديه موقع في أراضي القرية.
•هناك دروز في منطقة مجدل شمس يحاولون مراقبة العمليات الانسانية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي لمساعدة سكان الجولان السوري كي يثبتوا أن إسرائيل تقدم مساعدة عسكرية إلى جبهة النصرة وتنظيمات إسلامية سورية أخرى. والهدف من هذه الادعاءات ليس فقط تحريض الدروز في إسرائيل كي يهبوا إلى نجدة أشقائهم في الجولان السوري، بل أيضاً دفعهم إلى الضغط على حكومة إسرائيل كي تطلب من الجيش الدخول في قتال فعلي مع المتمردين السوريين بخلاف سياستها.
•هذه الحملة الدعائية التي تستند إلى "أخبار كاذبة" دفعت شباناً من الدروز من أصحاب الرؤوس الحامية في الجليل، إلى مهاجمة سيارة إسعاف تابعة للجيش وقتل جريح سوري أثناء نقله إلى المستشفى. ونتيجة لهذا التحريض حاول، ويحاول اليوم، دروز يعيشون في إسرائيل اقتحام السياج الحدودي، وهم خلعوا قفل أحد البوابات، وعبروا منه إلى ما وراءه، لكنهم ظلوا داخل أراضي إسرائيل ولم يجد الجنود الإسرائيليون الذين طاردوهم صعوبة في إعادتهم. يجب الحرص على أن لا يكون بمقدورهم في المرة القادمة فعل ذلك بمثل هذه البساطة والسهولة لأنه في المرة المقبلة لن يكون هذا سهلاً أو بسيطاً.
•إن القرار المبدئي [الذي اتخذته الحكومة] ستكون له انعكاسات منافية للعقل:
مثلاً احتمال دخول الجنود الإسرائيليين براً مع دبابات أو من دونها إلى داخل الأراضي السورية، وتعريض حياتهم للخطر من أجل قطع الطريق على المتمردين السنة والدفاع عن دروز سوريين معادين لها وعن سيطرة الأسد على المنطقة؛ بالإضافة إلى ذلك وكنتيجة للتدخل في الجولان السوري يمكن أن تخرق إسرائيل توازن الرعب والتفاهمات الهشة التي نجح الجيش الإسرائيلي في إقامتها تجاه جبهة النصرة ومنظمات أخرى. في إطار هذه التفاهمات يمتنع هؤلاء من الاقتراب من الحدود ومن مهاجمة الجولان، ولقاء ذلك لا يقاتلهم الجيش، ونقدم نحن مساعدة إنسانية إلى القرى السورية وإلى جرحى المعارك.
•لذا، يوضح مسؤولون كبار في المؤسسة الأمنية أنه كي لا نتورط في حرب ليست لنا، ولكي نحول دون تكبدنا خسائر، فمن المعقول افتراض أن التدخل الإسرائيلي في الجولان السوري لصالح الدروز يجب أن يكون انطلاقاً من الالتزام الصارم بمبدأين أساسيين:
•الأول؛ أن يحدث التدخل فقط في حال كان هناك تهديد حقيقي بتعرض الدروز إلى مذبحة في الجولان، أو عندما تكون قرية حضر معرضة إلى خطر الاحتلال من جانب الإسلاميين، وهو أمر لم يحدث الآن.
•ثانياً؛ ينفذ التدخل عند الحاجة إليه بواسطة إطلاق النيران وليس بواسطة مناورة برية داخل أراضي الجولان. وما يساعد على ذلك أن منطقة قرية حضر مكشوفة جيداً من مواقع المراقبة ومن النيران في جبل الشيخ، ومن مواقع الدبابات والمدفعية في هضبة الجولان. هذا كي لا نتحدث عن المدفعية والطائرات، بما فيها الطوافات الحربية والطائرات من دون طيار. ويوجد بين أبناء الطائفة الدرزية في إسرائيل من يفهم ماذا يمكن فعله بواسطة الاستخبارات وأهداف محدثة ونيران دقيقة.
•يشار في هذا السياق إلى أن الجيش لاحظ منذ بضعة أسابيع استعدادات يقوم بها المتمردون الإسلاميون من أجل مهاجمة حضر، ولهذه الغاية رفعوا درجة المتابعة. وأعدّ الجيش أيضاً خطة عمل تدريجية هدفها منع احتلال القرية، بالاضافة إلى خطة عمل أخرى هدفها منع دروز جرى تحريضهم من اختراق السياج الحدودي لمساعدة أبناء طائفتهم في القرية التي تتعرض للهجوم.
•لقد كان الجيش مستعداً. وخلال الأحداث التي حصلت اليوم في القرية جرى تقييم للوضع برئاسة رئيس الأركان غادي أيزنكوت وقائد المنطقة الشمالية يوئيل ستريك، ونتيجة لذلك أصدر الناطق بلسان الجيش بيانه الذي يهدف إلى تهدئة أبناء الطائفة الدرزية في إسرائيل، وفي الوقت عينه ردع المتمردين عن احتلال القرية. ومن الجيد أن نشير إلى أن الوسائل المادية والدعائية التي استخدمها الجيش فعلت فعلها، وفي ساعات بعد الظهر تبدد الحادث.
•لكن هذا الحادث يشكل مرة أخرى نموذجاً على عدم القدرة على التنبؤ بالوضع على الحدود مع إسرائيل ومدى قابليته للانفجار. لا يوجد حالياً خطر مباشر للتصعيد في الشمال أو في الجنوب، لكن حال التأهب والاستعداد في الجيش الإسرائيلي يجب أن تبقى في أقصى درجة.