ليس هذا وقت إلغاء الاتفاق مع إيران، بل وقت توفير شروط استراتيجية لإلغائه مستقبلاً
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

•حتى 15 تشرين الأول/أكتوبر سيكون على الرئيس دونالد ترامب الإجابة على سؤالين مركزيين يتعلقان بالاتفاق النووي الموقع بين إيران والدول العظمى في تموز/يوليو 2015: هل تحترم إيران التزاماتها في الاتفاق؟ وهل يخدم الاتفاق المصلحة الأميركية؟، إذا أجاب الرئيس سلباً على أحد السؤالين، فإنه سيحرك نقاشاً في الكونغرس الأميركي لتجديد جزء من العقوبات أو كل العقوبات ضد إيران والشركات التي تتعامل معها.

•مؤخراً صرّح وزير الدفاع الأميركي جايمس ماتيس بأن المحافظة على الاتفاق مصلحة أميركية، وأكّد رئيس الأركان المشتركة جايمس دانفورد بأن إيران لم تخرق الاتفاق. لكن الرئيس يكرر التصريح بأن الاتفاق سيئ وبأنه يرغب في إلغائه، أو على الأقل طرحه من جديد لمفاوضات مع إيران. أيضاً رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو دعا إلى إلغاء الاتفاق أو تعديله. 

•الاتفاق النووي مع إيران هو بالفعل إشكالي وينطوي على خطر استراتيجي على إسرائيل على المدى البعيد. على الرغم من ذلك، فإنه من الخطأ الاعتقاد بأن إلغاء الاتفاق لا ينطوي على مخاطر استراتيجية. ومن واجب قيادة مسؤولة أن تفحص السيناريوات المعقولة والواقعية التي يمكن أن تتطور بعد إلغاء الاتفاق، وتقويمها بالمقارنة مع وضع إبقاء الاتفاق على ما هو عليه. ويجب أن يركز التحليل على ثلاث مسائل: هل يوجد خيار أفضل من الاتفاق؟ وإذا كان الجواب إيجابياً، فكيف يمكن العمل على إلغاء الاتفاق أو على الأقل تعديله، وما هو الوقت الملائم لذلك؟ إن نتيجة التحليل هي أن هذا ليس هو الوقت المناسب لإلغاء الاتفاق، وإنما هو وقت توفير شروط استراتيجية ملائمة لإلغائه في المستقبل، إذا تقرر أن هناك حاجة إلى ذلك، وبناء أدوات لبديل مستقبلي أفضل بكثير. 

•في معهد دراسات الأمن القومي تقرر أن هذا "اتفاق جيد" وأفضل من بديلين مركزيين: قنبلة إيرانية أو قصف إيران. إن ثمن هذين البديلين باهظ جداً ولذا يجب الامتناع عن معضلة "قنبلة أو قصف" حتى استنفاد كل البدائل الأخرى من أجل منع إيران من إنتاج قنبلة نووية. يدّعي الذين يؤيدون "اتفاق فيينا" (JCPOA) أنه أفضل من كل البدائل لأنه يعيد البرنامج النووي الإيراني إلى الوراء، ويرجع "زمن الاختراق" لمدة سنة (الوقت المطلوب من أجل إنتاج المواد الانشطارية لإنتاج سلاح نووي)، ولأنه يفرض على البرنامج قيوداً قاسية طوال 10-15 عاماً. في المقابل، يدّعي منتقدو الاتفاق أنه عملياً يشق الطريق أمام إيران كي تتمركز على عتبة نووية على "مسافة صفر" من القنبلة. بعد مرور عشر سنوات على توقيع الاتفاق ستتمكن إيران، في العقد الثاني من سريان مفعوله، من اجتياز العتبة النووية من دون أن يكون في الإمكان وقفها. ووفقاً لهذا المنطق، فإن الاتفاق يؤدي إلى القنبلة النووية الإيرانية. وحالة كوريا الشمالية التي وقّعت قبل 20 عاماً اتفاقات مشابهة واليوم لديها سلاح نووي، تعزز هذه الحجة. ويشير معارضو الاتفاق إلى أن زيادة موارد إيران بعد رفع العقوبات تتيح لها بناء قوة عسكرية تقليدية، مع التركيز على الصواريخ الباليستية، والدفاع الجوي المتطور، وكذلك تمويل نشاطات تآمرية تزعزع استقرار الشرق الأوسط لا يتطرق الاتفاق إليها.

•إن الطرفين، المؤيد للاتفاق ومنتقدوه، يقدمان تحليلاً صحيحاً لكنه جزئي بالنسبة للنتائج. في المدى القريب (5- 8 سنوات) يشكل الاتفاق واقعاً استراتيجياً أفضل من بديل "قنبلة أو قصف"، لكنه بعد ذلك يتيح بالتدريج نشوء واقع خطير للغاية، تتمركز فيه إيران على العتبة النووية. في مثل هذا الواقع سيكون من الصعب جداً، وربما من المستحيل، وقف إيران إذا قررت إنتاج سلاح نووي. في ضوء ذلك، فإن الوقت الملائم لتفحص إلغاء الاتفاق أو تعديلة ليس اليوم، بل قبل وقت قليل من رفع القيود عن البرنامج النووي الإيراني (2023-2025). قبل هذا الوقت، فإن الاتفاق أفضل من كل البدائل الأخرى ما دامت إيران لا تخرقه. في هذه الفترة يجب التركيز على رقابة شاملة وثاقبة على البرنامج النووي الإيراني. ويجب الحرص على ألاّ تكون إيران أقرب من سنة من إنتاج سلاح نووي، وكبح نشاطها الذي يعرض للخطر المصالح الأميركية والإسرائيلية ولا يدخل في إطار الاتفاق النووي: كبح مشروع الصواريخ وضرب المساعدة الإيرانية لتنظيمات إرهابية وتآمرية في المنطقة. بعد ذلك وتدريجياً، سيخسر الاتفاق تميزه عن البدائل الأخرى. ولا يمكن الوصول إلى هذا الوضع من دون تحضير، وعند الحاجة سيكون المطلوب استبدال الاتفاق أو إلغاؤه.  

•يبدو أن الرئيس ترامب يقدر بأن هناك بديلاً أفضل للاتفاق في المدى الزمني القصير أيضاً. في الأيام الأخيرة نُشر أنه لا ينوي التخلي عن الاتفاق، لكنه أيضاً لا يريد أن يقر للمرة الثالثة بأن إيران تتقيد به وبأنه يخدم المصالح الأميركية. وعلى ما يبدو ينوي الرئيس أن يعلن أن إيران تخرق الاتفاق، وأن يفتح نقاشاً في الكونغرس بشأن إعادة فرض العقوبات. وفي إمكان الكونغرس أن يقرر خلال فترة 60 يوماً إعادة فرض العقوبات، وعملياً "قتل الاتفاق". ثمة خيار آخر هو اتخاذ قرار بعدم فرض العقوبات ومواصلة النقاش، وبذلك المحافظة على إطار الاتفاق وعلى "عصا" العودة الفورية للعقوبات. وهذا البديل يخدم محاولة أميركية للضغط على إيران للموافقة على تعديل الاتفاق، بحيث تجري معالجة نقاط الضعف فيه: استمرار جهود البحث والتطوير الإيرانيين التي تحسن قدرات تخصيب اليورانيوم وتقصر زمن الانطلاق نحو القنبلة؛ رقابة مشددة على منشآت عسكرية إيرانية، علنية وغير علنية؛ الاستمرار في كبح البرنامج النووي. نظرياً، ما نقصده هو بديل يخدم المصالح الإسرائيلية والأميركية، لكن ثمة حاجة إلى ضغط غير مسبوق على إيران كي توافق على كل هذه التغييرات في الاتفاق.

•لم توافق إيران على هذه التغييرات في إطار المفاوضات التي جرت معها عهد إدارة أوباما. ومن الصعب رؤية كيف يمكن أن يؤثر مثل هذا الضغط عليها بينما ترفض كل القوى العظمى باستثناء الولايات المتحدة حجة أن إيران لا تعمل وفقاً للاتفاق أو "روح" ذلك الاتفاق. وقبل بلورة ائتلاف صارم برئاسة الولايات المتحدة يضم الشركاء الأوروبيين في الاتفاق: بريطانيا وفرنسا وألمانيا، فإن الأدوات التي يمكن استخدامها للضغط على إيران ستكون أضعف من تلك التي استخدمت خلال المفاوضات التي دارت في السنوات 2012 إلى 2015. ومن أجل ضمان ضغط فعال على إيران، يتعين على هذا الائتلاف التنسيق مع دول أخرى تقيم علاقات تجارية واسعة النطاق مع إيران (من بينها الهند وتركيا وكوريا الجنوبية). وهناك أيضاً خطر ألا يستطيع الرئيس الأميركي السيطرة لوقت طويل على مجلسي النواب والشيوخ، اللذين فيهما اليوم أكثرية جمهورية معارضة للاتفاق. إن إلغاء الاتفاق أو فتحه للنقاش بطريقة أو في وقت ليسا صحيحين يمكن أن يؤديا إلى واقع تتحرر فيه إيران من قيود الاتفاق ويصبح الطريق أمامها ممهداً لصنع القنبلة، بينما واشنطن معزولة، ولا شرعية لها لإيقافها. وهذا واقع خطر جداً، ويعقد أكثر معضلة "قنبلة – قصف".

•إن تعديل الاتفاق بديل يجب السعي إليه في المدى الزمني المتوسط والبعيد، لكن فقط بعد تهيئة ظروف دولية للضغط على إيران كي تقبل القيود المقترحة. يجب التأكد من إمكانية التحرك ضد إيران إذا قررت التخلي عن الاتفاق، أو بدلاً من ذلك الاندفاع نحو قنبلة نووية. من أجل ذلك، يتعين على الولايات المتحدة أن تشن من اليوم معركة دبلوماسية دولية من أجل التأسيس لائتلاف مع حلفائها في أوروبا وآسيا لتحسين الاتفاق. ويجب بلورة اجماع بشأن التعديلات المطلوبة في الاتفاق، والتصويت على استراتيجية متفق عليها للتحرك إذا لم تستجب إيران للمطالبة بتعديل الاتفاق.

•في المدى الزمني القصير الذي يشكل فيه الاتفاق البديل الواقعي الأفضل، وما لم يتبلور ائتلاف لتغيير الاتفاق، فإنه يتعين على الإدارة الأميركية توجيه سياستها بحيث يأتي إلغاء الاتفاق نتيجة قرار إيراني أو خرق إيراني فاضح. في المدى الزمني البعيد، وعندما يفقد الاتفاق ميزاته المركزية، يتعين على واشنطن أن تقود نحو تغيير الاتفاق، وفي حال لم يحدث التغيير يتم الانسحاب منه، أو عندئذ، قدرة الولايات المتحدة على قيادة ائتلاف في عملية مصيرية ضد إيران لمنعها من الحصول على سلاح نووي ستكون حاسمة. 

•إن تأجيل القرار بشأن مستقبل "اتفاق فيينا" ليس معناه سياسة سلبية في مواجهة إيران. بالإضافة إلى الجهود لإقامة ائتلاف دولي ضد إيران، يجب أيضاً العمل ضد النشاطات الإيرانية السلبية التي لا يغطيها الاتفاق. إن الحجج الصادرة عن رئيس الحكومة نتنياهو ضد الاتفاق القائلة بأن إيران لا تظهر اعتدالاً سياسياً، وتطور منظومة صواريخ باليستية وإرهاباً، هي حجج قوية، لكنها ليست مدرجة رسمياً في الاتفاق. من المهم ومن الممكن العمل ضد إيران على جميع هذه الأصعدة، لأنها بالتحديد غير مدرجة في اطار الاتفاق. إن إدارة ترامب وبخلاف إدارة أوباما، لا تخشى من انسحاب إيران من الاتفاق، لذا هي تستطيع التحرك بحزم للدفع قدماً بقرار جديد في مجلس الأمن يمنع إيران من القيام بتجارب صاروخية أو صواريخ بحرية يمكن أن تحمل في المستقبل رأساً حربياً نووياً، والعمل أيضاً لإحباط العمليات التآمرية والإرهاب الإيراني في سورية واليمن ولبنان والعراق، وفرض عقوبات إضافية على النظام الإيراني بسبب تأييده للإرهاب وإجرائه تجارب صاروخية تتعارض مع قرار مجلس الأمن، وأيضاً عدم احترام إيران لحقوق الإنسان. ويمكن لهذا الضغط أن يساعد أيضاً في محاولة مستقبلية لاستبدال الاتفاق النووي بآخر أفضل منه.

•في المقابل، يتعين على الولايات المتحدة وإسرائيل (التي لم توقع الاتفاق النووي مع إيران) الدفع قدماً بـ"اتفاق مقابل"، يحدد ما هي النشاطات الإيرانية التي تعتبر خرقاً فاضحاً للاتفاق، وبلورة توافق بشأن التحركات المطلوبة رداً على هذه الخروقات. ويتعين على هذا الاتفاق البديل أن يتطرق إلى تنسيق الجهد الاستخباراتي في مواجهة برنامج إيران النووي، وإلى السياستين الإسرائيلية والأميركية اللتين سيجري اتباعهما في حال جرّبت إيران، علناً أو سراً، إنتاج سلاح نووي، وبلورة خطة لبناء قدرة إسرائيلية مستقلة لمواجهة مثل هذا السيناريو. ختاماً يجب أن يتضمن الاتفاق سياسة مشتركة ضد التهديد الإيراني غير النووي الموجه ضد إسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. 

•في المدى البعيد في مواجهة إيران، يجب أن يكون تعديل الاتفاق وتطويل فترة التفكير في البديل المفضل، هدفاً إسرائيلياً – أميركياً. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، ومواجهة التهديدات التي ينطوي عليها الاتفاق الحالي، هناك حاجة إلى معركة دبلوماسية مسبقة وتنسيق إسرائيلي- أميركي محكم. هناك رغبة في إسرائيل لاستغلال اصرار الرئيس الأميركي على  استبدال الاتفاق، أو عند الحاجة إلغائه. على الرغم من ذلك من المهم أن نتذكر أن القيام بخطوة ملموسة قبل أن تكون الظروف الدولية ملائمة يضع الدولتين في مواجهة تهديدات خطيرة أكثر من تلك التي تنبع من الاتفاق الحالي، ويعرّض للخطر إمكانية الدفع قدماً بهدفهما المشترك، الذي هو منع إيران من الحصول على سلاح نووي.