المعضلة النووية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

•في العقود الأخيرة وظفت إسرائيل والمجتمع الدولي برئاسة الولايات المتحدة جهوداً مكثفة لمنع إيران من اجتياز العتبة النووية، وحتى الآن تم ذلك بنجاح. لكن الخطر موجود، وإلى الآن فإن الخطاب الأمني الإسرائيلي أولى القليل من الاهتمام لمواجهته. لكن هناك سيناريو أصعب بكثير، كابوس حقيقي، هو أن تصبح دول أخرى في المنطقة مثل السعودية ومصر وتركيا دولاً نووية.  

•دعونا نفترض، من أجل النقاش، أن جميع جهود المنع فشلت، وإيران أوشكت أن تجتاز العتبة النووية. في مثل هذه الحال، أمام إسرائيل عدّة بدائل أساسية. الأول مهاجمة المنشآت النووية، وهذا أمر ممكن فقط قبل اجتياز إيران العتبة النووية. وفي اللحظة التي تجتاز فيها إيران العتبة ستصبح مثل كوريا الشمالية، محصنة ضد أي هجوم. إن خطر إيران نووية كبير جداً بالنسبة لإسرائيل. وعلى الرغم من أنه ليس خطراً على وجودها، فإنه لن يكون هناك من خيار سوى الهجوم عندما تقترب من اجتياز العتبة. لكن عملية عسكرية لن تحل المشكلة، بل ستؤجلها بضع سنوات، وبثمن أن تلحق إيران وحزب الله أضراراً كبيرة بالجبهة الداخلية الإسرائيلية. والهامش الزمني الذي سيتحقق يمكن استخدامه من أجل العودة إلى استخدام جهود مختلفة ضد إيران مثل عقوبات قاسية، لكن اللحظة التي ستهدد فيها من جديد باجتياز العتبة يمكن أن تتكرر. 

•وفي حال أصبحت دول إضافية دولاً نووية، يبدو أن إسرائيل لن تستطيع تكرار تنفيذ "عقيدة بيغن" والتحرك عسكرياً مثلما فعلت ضد المفاعل النووي العراقي في 1981، وكذلك مثلما تحركت، وفقاً لتقارير أجنبية، ضد المفاعل السوري في 2007. هناك علاقة سلام تربط بين إسرائيل ومصر وتركيا، والاثنتان ومثلهما السعودية، حلفاء للولايات المتحدة، وتحظيان بضمانات أميركية لأمنهما. كما أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي، وعملية عسكرية ضد أهداف نووية في هذه الدول تكاد تكون مستحيلة.

•هناك بديل ثان هو إزالة الغموض بشأن القدرة النووية المنسوبة إلى إسرائيل وتبني سياسة نووية علنية من أجل تعزيز الردع. لكن على افتراض أن إيران لاعب "عقلاني"، فإن الردع الإسرائيلي يجب أن يكون فعالاً حتى ضمن إطار سياسة الغموض. وسواء كانت التقديرات في العالم بشأن قدرة إسرائيل النووية صحيحة أم لا، فإن إيران ودولاً نووية مستقبلية يجب أن تفترض أن إسرائيل تملك مثل هذه القدرة، وأن تتصرف بحذر. لا يبدو أن الإضافة الثانوية على الردع التي ستحصل عليها إسرائيل من جراء تخلّيها عن سياسة الغموض، تبرر ثمن المس بالعلاقات مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي ودول الجوار.

•بديل ثالث هو السعي للحصول على ضمانة أمنية أميركية، ربما على صورة اتفاقية دفاعية، على الرغم من وجود إمكانات ملزمة أقل. ما دام أن المقصود هو فقط إيران، يبدو أن الردع الإسرائيلي يكفي. وحتى من دون وجود اتفاقية دفاع أميركية يجب على الإيرانيين أن يقدروا أن الولايات المتحدة ملتزمة عملياً بأمن إسرائيل، وأنها بالفعل تحظى بردع واسع من جانبها.  

•في مقابل ذلك، في سيناريو نووي متعدد الأطراف، تختلف الاعتبارات. ففي ظروف عدم وجود علاقات دبلوماسية بين جزء من اللاعبين الإقليميين، وعدم وجود قنوات اتصال وحتى عدم اعتراف دول بدول أخرى، فإن خطر نشوب مواجهة كبير جداً بحيث إنه من غير الواضح إذا كان ممكناً قيام ميزان نووي مستقر. 

•وحتى وجود ضمانة أميركية لن يكون كافياً لمنع حدوث تدهور، لكن بالتأكيد سيكون هذا عاملاً مساعداً على الاعتدال والاستقرار بالنسبة إلى إسرائيل، خصوصاً إذا شمل أيضاً دولاً أخرى ونظاماً أمنياً إقليمياً أكثر اتساعاً. 

•في مثل هذا السيناريو يوجد بديل يبدو اليوم وهمياً، هو على صورة اتفاق إقليمي لمراقبة السلاح غير التقليدي، ونزعه أخيراً. ولكن الخطر الأساسي في هذا البديل بالنسبة إلى إسرائيل هو أن يخرق أعداؤها بمن فيهم إيران والعراق وسورية وليبيا، اتفاقات دولية ملزمة وقعوها. وإلى أن تتحول هذه الدول إلى ديمقراطيات مستقرة، الأمر الذي من غير المتوقع حدوثه في العقود القادمة، فلا نستطيع الاعتماد على أنهم سيتصرفون بصورة مختلفة. لكن في واقع نووي متعدد الأطراف، يمكن أن يحدث بعد عقود، فمن المحتمل ألا تبقى بدائل أفضل، والمستحيل سيصبح واقعياً.

 

•إن إيران نووية ستضع إسرائيل أمام معضلة صعبة، لكن الأمر الآن ما يزال بعيداً ولا حاجة إلى الحسم منذ اللحظة. إن الخطوات والقرارات في المجال النووي يستغرق اتخاذها وإنجازها سنوات، ومن الأصح أن نفكر في التخطيط لها منذ الآن بهدوء ومن دون ضغط، وألا نترك كل شيء للحظة الأخيرة. سنحتاج إلى سنوات كي نتوصل إلى اتفاقية دفاعية مع الولايات المتحدة، وللتخطيط للخروج من الغموض من دون أن يترافق ذلك بثمن باهظ، أو من أجل بلورة ترتيبات مراقبة سلاح تخدم المصالح الإسرائيلية. الآن يجب تركيز الجهود لضمان مستقبل الاتفاق مع إيران الذي هو السبيل الأفضل لمنع تحولها إلى دولة نووية. في مرحلة ثانية يجب محاولة معالجة مساوئ الاتفاق وفي طليعتها انتهاؤه خلال 10 إلى 20 عاماً. ومنذ الآن يتبلور اتفاق بين الولايات المتحدة وحلفائها على اتفاق انتقالي هدفه ضمان عدم تحول إيران إلى دولة نووية أيضاً بعد انتهاء الاتفاق الحالي. ومثل هذه الخطوة أفضل من جهود عقيمة لتطوير الاتفاق أو إلغائه.