معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
•تولّد خلال الأسابيع الأخيرة انطباع عام بأن إدارة دونالد ترامب تميل إلى تأييد اتخاذ خطوات تؤدي إلى تغيير النظام في إيران. ويرتكز هذا الانطباع، بين أشياء أخرى، على تصريحات وزير الخارجية ريكس تيلرسون أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب في حزيران/ يونيو 2017. فقد أعلن تيلرسون أن سياسة الإدارة الحالية تجاه إيران ما زالت في طور التبلور، غير أنها تهدف في نهاية الأمر إلى لجم سعيها لتحقيق هيمنة إقليمية، وإعاقة جهودها لامتلاك قدرات نووية، ودعم الأطراف القائمة فيها والساعية إلى تغيير النظام بوسائل سلمية.
•كذلك قال مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية الحالي مايكل بومبيو في تموز/ يوليو 2016، حين كان عضواً في الكونغرس، إن على الكونغرس أن يدفع نحو تغيير النظام في إيران.
•وعلى خلفية هذه التصريحات أفادت وسائل الإعلام الأميركية أن شخصيات رفيعة في إدارة ترامب تطالب باتخاذ خطوات عملية لإسقاط النظام في إيران. ومثل هذا التوجه قائم في الكونغرس أيضاً. وعبر عنه بصراحة تامة السيناتور الجمهوري توم كوتون مثلا حين قال إن سياسة الولايات المتحدة يجب أن تؤدي إلى تغيير النظام الإيراني. وأضاف: "لا أفهم كيف يمكن للولايات المتحدة أن تكون آمنة وهناك نظام ثيوقراطي مستبدّ كالذي يحكم في إيران". وهو يؤيد المزج بين خطوات اقتصادية، دبلوماسية وسرية، لممارسة الضغوط على النظام الإيراني ويقترح توفير الدعم للجهات المعارضة للنظام في داخل إيران ومن بينها الأقليات الإثنية غير المتحمسة للعيش في ظل نظام إيراني مستبد.
•نظر النظام الإيراني بعين الخطورة إلى هذه التطورات واعتبرها دليلاً على أن إدارة ترامب تتبنى سياسة غير قانونية تقوم على الأوهام. وأصدر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف رداً حاداً جداً وقدمت إيران شكوى إلى الأمم المتحدة ضد التدخل الأميركي في شؤونها الداخلية. ويجدر التأكيد هنا أن قادة النظام الإيراني وفي مقدمهم المرشد الأعلى علي خامنئي يعتقدون منذ سنوات كثيرة أن الإدارات الأميركية المتعاقبة تسعى إلى اختراق المنظومة الداخلية في إيران وإسقاط النظام الإسلامي الحاكم.
•تشكل تصريحات تيلرسون انحرافاً عن سياسة الرئيس السابق باراك أوباما الذي أعلن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2013 أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى تغيير النظام الحاكم في إيران. وجدير بالذكر أن إدارة أوباما كانت تتوقع ـ استناداً إلى اتصالاتها مع الفريق الإيراني الذي شارك في المفاوضات حول المشروع النووي ـ أن يغير النظام الإيراني مسلكه الراديكالي. لكن هذا لم يحدث حتى الآن، لأن الجناح الراديكالي في هذا النظام لجم ويلجم أي محاولات للاعتدال.
•من السابق لأوانه أن نتوقع الآن كيف ستتعامل إدارة ترامب مع احتمال التغيير في إيران وما إذا كانت ستكتفي بأن يكون الأمر جزئياً وتدريجياً. ولذا ثمة أهمية قصوى لتصريح تيلرسون لأنه يُعتبر أحد الأشخاص الأكثر اعتدالاً واتزاناً بين كبار مسؤولي الإدارة الحالية. مع ذلك وبرغم وجود مؤيدين لخطوات تؤدي إلى تغيير النظام الإيراني، سواء في إدارة ترامب أو في الكونغرس، فإن هذه ليست سياسة الإدارة حتى الآن. وبالفعل، فالبيان الرسمي حول شهادة تيلرسون في اللجنة لم يتضمن أي إشارة إلى تصريحه بشأن تأييد خطوات تؤدي إلى تغيير النظام في إيران، حتى إن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي أصدر بياناً ملتوياً يقول إن التدخل في الحياة السياسية الداخلية في إيران ليس هدفاً أميركياً في الوقت الحالي. أما ترامب نفسه فلم يتطرق إلى مسألة تغيير النظام في إيران.
•حتى لو لم تطرح إدارة ترامب موقفاً واضحاً بشأن تغيير النظام الإيراني، فليس ثمة شك في أن لديها مصلحة كبيرة في ذلك، فهي تنظر إلى النظام الإيراني بوصفه مصدر تهديد استراتيجي مركزي بسعيه إلى امتلاك السلاح النووي، وبتدخله وتوغله في دول أخرى في الشرق الأوسط، وبتأثيره المتزايد في المنطقة، وبتطلعه إلى تقليص الوجود والتأثير الأميركيين فيها قدر المستطاع، وببناء منظومة الصواريخ الهائلة، وبالتهديد المباشر الذي يشكله ضد الدول الحليفة في المنطقة، وبتوجهاته الراديكالية واستخدامه الإرهاب. من الواضح للإدارة الأميركية أنه إذا بقي النظام الإيراني على حاله فستبقى هذه المخاطر والتهديدات على حالها أيضاً، بل ستتصاعد وتزداد حدة في حال نجاح إيران في إنتاج سلاح نووي. في المقابل، من شأن إسقاط النظام الحالي واستبداله بآخر أكثر اعتدالاً أن يزيل جزءاً كبيراً من هذه التهديدات والأخطار المحدقة بالولايات المتحدة وحليفاتها، وأن يتيح إمكان بناء علاقات سليمة وطبيعية مع النظام الجديد.
•لكن ما من سبيل سهل ومضمون لإسقاط النظام الإيراني. إن الطريقة الوحيدة هي التدخل العسكري الذي سيؤدي إلى إسقاط النظام بالقوة. وبمثل هذه الطريقة، أسقطت الولايات المتحدة النظامين في أفغانستان والعراق خلال العقد الفائت. بيد أن التجربة في كلتا الدولتين المذكورتين أثبتت مدى محدودية القوة. صحيح أنه تم إسقاط نظام حركة "طالبان" في أفغانستان ونظام صدام حسين في العراق بالقوة، لكن النظامين اللذين حلّا مكانهما لم يكونا معتدلين وصديقين للولايات المتحدة. وأسفر التدخل العسكري في كلتا الحالتين، عن قيام نظام ضعيف، اندلاع حرب أهلية، نشوء دفيئة للإرهاب والعنف الوحشي لم يتوقف بعد، وظهور مشاكل جديدة اضطرت بسببها القوات الأميركية إلى البقاء هناك لسنوات طويلة جداً. وفي المحصلة النهائية لا يُعتبر التدخل الأميركي في العراق وأفغانستان قصة نجاح ولا حتى في الولايات المتحدة نفسها. أما إيران فهي حالة أكثر تعقيداً بكثير، ومن الواضح أن التدخل العسكري فيها سينطوي على مخاطر جسيمة جداً تفوق تلك السابقة بكثير، ولذلك فهو ليس وارداً في الحسبان خصوصاً على ضوء دروس التورط الأميركي في جارتيها المذكورتين.
•الطريقة الثانية التي يمكن من خلالها محاولة تغيير النظام الإيراني هي تقديم الدعم والعون لقوات محلية وربما تفعيلها مباشرة لكي تقوم هي بالمهمة. هذه الطريقة تدمج عدداً من الوسائل معاً، من بينها: دعم قوى محلية معارضة وتقويتها، بما في ذلك تشجيع الأقليات المعادية للنظام؛ التعهد للمعارضة بتأييدها ودعمها في حال تحركها الفعلي لتغيير النظام؛ ممارسة الضغوط الاقتصادية والإعلامية الدعائية من أجل توفير حالة من الغليان وعدم الاستقرار في الدولة. وهذا هو التوجه الذي قصده تيلرسون عملياً في حديثه عن إمكانية نشاط أميركي يساعد في تغيير النظام الإيراني. لكن هذا التوجه أيضاً لا يضمن نتائج كبيرة في الحالة الإيرانية.
•ما من شك في أن قطاعات واسعة من الجمهور في إيران ترغب في تغيير النظام وطابعه ليكون أكثر ليبرالية من طريق دمقرطة المنظومة السياسية الإيرانية، تقليص تدخل النظام في حياة الفرد وتوسيع الحقوق الفردية، تحسين الوضع الاقتصادي وخفض مستوى الفساد. وهذه القطاعات هي التي أوصلت حسن روحاني مرة أخرى إلى الحكم في أيار/مايو 2017 بأغلبية كبيرة. ويمكن أن تُضاف إليها أيضاً مجموعات متعدّدة من الصعب تقدير حجمها ووزنها بين الأقليات الإثنية والدينية غير الراضية عن طابع النظام.
•يدرك النظام في إيران حقيقة وجود هذا المزاج وهذه الأجواء وقد طور عبر سنواته الـ38 أدوات ووسائل مضادة متعدّدة لحماية وجوده وضمان بقائه واستقراره. وتشمل هذه الأدوات والوسائل تشكيل "الحرس الثوري" ووحدات المتطوعين في "الباسيج" التي على رأس مهماتها حماية النظام في وجه خصومه حتى لو استلزم الأمر استخدام القوة. وتجسد استخدام القوة هذا في إبان موجة التظاهرات والاحتجاجات التي شهدتها إيران في أعقاب الانتخابات الرئاسية التي جرت في حزيران/ يونيو 2009 حين خرج مئات آلاف المتظاهرين إلى الشوارع وهم يهتفون "الموت للدكتاتور"، فقُتل منهم عشرة على الأقل واعتُقل الآلاف. وكان لهذه القبضة الحديدية وما يزال أثر رادع عميق. فمنذ قمع موجة الاحتجاجات المذكورة وحتى اليوم، خفض المعسكر الإصلاحي صوته ووتيرة نشاطه متجنّباً تحدي النظام بصورة علنية، خوفاً من ردة فعل عنيفة أخرى. وكان لهذا الحذر دور أيضاً في عدم وصول الهزة التي تجتاح العالم العربي منذ أواخر 2010 إلى داخل إيران، وذلك ـ إلى حد كبير ـ لأن المعسكر الإصلاحي خائف على نفسه من إجراءات العنف التي قد يلجأ إليها النظام. وبناء على هذا يصح افتراض أن الإجراءات الوقائية التي يتخذها النظام قادرة على ردع المعارضة الإيرانية من التعاون مع أي محاولة أميركية لزعزعته وإضعافه.
•قد يكون هناك سببان إضافيان للحذر الذي يمكن أن يعتمده المعسكر الإصلاحي في إيران حيال أي محاولة أميركية ـ إن جرت محاولة كهذه أصلاً ـ لتشجيع موجات احتجاجية هناك. الأول، من المشكوك فيه ما إذا كانت أطراف معارضة إيرانية معنية وراغبة في الاستعانة بالإدارة الأميركية بصورة ملحوظة في مقاومة النظام، إذ سيعني ذلك وصم نفسها بوصمة التعاون مع الأميركيين. لدى هذه الأطراف رغبة في تغيير النظام حقاً لكن ليس بواسطة التدخل الخارجي كما يبدو. والثاني، أن النظام يستغل هذا المعسكر للدعاية والردع. وفي إيران نفسها كما في دول أخرى في المنطقة، ينظرون إلى الهزة العنيفة التي تعصف بسورية ولا يرغبون، بما في ذلك أوساط معارضة متعدّدة، في أن يجري تغيير النظام أو طابعه بواسطة العنف، الدمار والمعاناة الرهيبة، كما يحدث في سورية. وثمة صعوبة أخرى إضافية: إذا ما احتاجت الإدارة الأميركية إلى مساعدة من الدول المجاورة لإيران في حال تدخلها المحتمل، فثمة شك كبير في ما إذا كانت تلك الدول ستجرؤ على التورط مع النظام الإيراني.
•تعني هذه الأمور أن الإدارة الأميركية لا تمتلك في الظروف الحالية قدرة حقيقية على إحداث تغيير في النظام الإيراني في الاتجاه المرغوب، لا عن طريق دعم جهات داخلية معارضة ولا عن طريق التدخل العسكري بالتأكيد. وإذا ما حصل تغيير في طابع النظام الإيراني في المستقبل، فمن المنطقي افتراض أن ذلك سيكون نتيجة لتطورات وخطوات داخلية وليس نتيجة لتدخل خارجي. ويبدو أن هزة كبيرة في قواعد النظام نتيجة خطوات وتطورات داخلية، هي الوحيدة التي يمكن أن تشكل لحظة مواتية لقيام الإدارة الأميركية بتقديم الدعم والعون لأطراف في المعارضة الداخلية. ومن المرجح افتراض أن الإدارة الأميركية ستفضل الانتظار ورؤية ما إذا كانت المعارضة الداخلية ستبدي قوة وتماسكاً ذاتيين كافيين، قبل أن تقرر إن كانت ستقف إلى جانبها وتدعمها أم لا.
•تتزامن تصريحات المسؤولين الكبار في الإدارة الأميركية والكونغرس بشأن الحاجة إلى مساندة مساعي تغيير النظام في إيران مع توجهات سلبية موازية أخرى بشأن العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران من ضمنها: تصريحات مسؤولين أميركيين بشأن الحاجة إلى إلغاء أو إعادة فتح النقاش حول الاتفاق النووي؛ فرض عقوبات إضافية على إيران؛ التوتر حول مسألة تطوير منظومة الصواريخ الإيرانية؛ الجهود الأميركية الرامية إلى عزل إيران وكبح تدخلها العسكري في سورية والعراق؛ الصدامات المتفرقة بين القطع البحرية الإيرانية والأميركية. وهذه كلها قد تؤدي إلى تصعيد التوتر بين الدولتين حتى لو كانت كل واحدة منهما غير معنية بذلك.