•سُمع من بيروت نهاية الأسبوع الأخير صوت زعيم حزب الله السيّد حسن نصر الله وهو يحتفي بإنجاز إضافي آخر، هذه المرة في المعركة للسيطرة على حدود لبنان الشرقية مع سورية. تلك المعركة خاضها مقاتلوه ضد مقاتلي "جبهة النصرة" و"داعش" بعد سيطرة التنظيمين الأخيرين على الشريط الحدودي حول بلدة عرسال خلال السنوات الأخيرة، ومنه انطلقوا لتنفيذ عمليات وهجمات ضد أهداف تابعة لحزب الله والجيش اللبناني على الأراضي اللبنانية.
•نجح الهجوم الذي شنه حزب الله ووقف الجيش اللبناني موقف المتفرج بما يدعم حزب الله، وهذا هو الجيش الذي يريد الأميركيون الآن تعزيزه وتقويته. في نهاية المعركة، وافق مقاتلو "جبهة النصرة" على الانسحاب من سورية وتركوا مقاتلي "داعش" وحدهم في معركة كان واضحاً منذ البداية أنها خاسرة ولا أمل فيها. وفي أعقاب الإنجاز العسكري، جاء أيضاً التطهير الإثني للمنطقة، إذ شرع حزب الله في إخلاء لاجئين سوريين وطردهم إلى سورية بالقوة من المنطقة التي لاذوا بالفرار إليها. فقد شكل هؤلاء خطراً على الميزان الديمغرافي الهشّ بين السنة والشيعة في لبنان.
•بيد أن هذا الإنجاز المحدود الذي حققه حزب الله ـ والذي يضخّمه الآن متحدّثو الحزب إلى درجة النصر الإلهي، بل يهددون بأنه خطوة أولى تبشر بل تتيح اقتحام مقاتلي حزب الله لمنطقة الجليل ـ لم يكن نتاج قدرات حزب الله أو عظمته، وإنما نتاج تغيّر الخارطة الاستراتيجية في سورية.
•تُظهر نظرة حذرة إلى التطورات الحاصلة في سورية أن حرب السنوات السبع، تلك الحرب الأهلية والجهادية التي دمّرت كل حيّز جيد في هذه الدولة، تقترب من نهايتها. الحذر واجب حيال التوقعات والتقديرات اللانهائية التي تبددت، وغالبيتها بشأن سقوط بشار الأسد الوشيك والمحتوم. وبرغم ذلك، تبدو وجهة التطورات الميدانية خلال الأشهر الأخيرة واضحة تماماً. فالنيران تهدأ في ظل تسويات لوقف النار تنجح روسيا في فرضها وتطبيقها في أنحاء مختلفة من سورية، بما في ذلك المناطق الجنوبية في محافظة درعا وعلى طول الحدود الإسرائيلية ـ السورية في هضبة الجولان.
•نجح الرّوس ـ بقوة الآلة العسكرية وبسبب تخاذل حلفاء المتمردين أيضاًـ في الإجهاز على التمرد ضد بشار. ويُكمل الصورة أيضاً قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشهر الماضي، وقف المساعدات المالية التي كان يقدمها الأميركيون بواسطة وكالة المخابرات المركزية (سي. آي. إيه) للمتمردين في سورية. يدّعي ترامب بحقّ أن الإدارة الأميركية بذّرت هباءً أموالاً كثيرة دون تحقيق أي نتائج. في كثير من الحالات، كانت المساعدات تصل إلى عناوين وأيدٍ غير صحيحة، أو إلى مجموعات غيّرت جلودها بين ليلة وضحاها وانضمت إلى "داعش" أو إلى "جبهة النصرة". لكنّ الرسالة التي يبثها قرار ترامب واضحة تماماً: واشنطن تدير ظهرها للثورة السورية وستُنجَز عملية الانفصال حين يتم إعلان هَزم "داعش" في المستقبل القريب (حتى لو أبقى هذا التنظيم على نشاطه في قلب الصحراء، مهدداً بالعودة والاقتحام من جديد).
•روسيا إذن هي المنتصر الأكبر في الحرب السورية، فقواتها العسكرية منتشرة في أنحاء الدولة، بما في ذلك الجبهة الشمالية بالقرب من الحدود مع إسرائيل والأردن. ومما يثير مفاجأة كبيرة أن الجنود السوريين حظوا غير مرة باستقبال حميمي حارّ بين القرويين الذين تعرضوا حتى الفترة الأخيرة، إلى قصف عنيف من الطائرات الروسية. فالسكان المحليون في الشرق الأوسط يجيدون تقدير القوة ويعرفون جيداً المطلوب لضمان البقاء على قيد الحياة في الواقع غير المحتمل في منطقتنا.
•غير أنه لم يكن من الممكن أن يبلغ الروس ما بلغوه من دون إيران. فهي ما تزال شريكة حيوية في الجهود الروسية الرامية إلى حفظ الهدوء الهشّ في سورية. ليست الطائرات الروسية ولا وحدات الشرطة العسكرية الروسية المنتشرة اليوم في سورية، هي التي حققت الحسم في نهاية المطاف، وإنما الإيرانيون وحلفاؤهم من المتطوعين الشيعة ومقاتلي حزب الله. لن تسارع إيران إلى رفع يدها عن الفريسة، فهي تتحلى بكل ما يلزم من الصبر والانتظار حتى تتمكن من جني أرباحها. وفي هذه الأثناء تعزز طهران سيطرتها على مناطق متعدّدة حيث يتيح لها الروس ذلك. إنها صفقة مربحة ـ فبدلاً من المواقع على طول الحدود مع إسرائيل، يحصل الإيرانيون على ميناء على الشاطئ السوري وعلى تشكيلة عسكرية متكاملة بين دمشق والحدود العراقية.
•لا شكّ في أن الواقع في سورية ولبنان يشهد تغيرات سريعة، ويجدر بإسرائيل الاستعداد لليوم التالي.