•يوم الأحد دخل وقف إطلاق النار في جنوب سورية حيز التنفيذ، وحتى الآن يحرص الطرفان على المحافظة عليه. وتوقف انزلاق القذائف إلى أراضي إسرائيل، وعاد هدوء موهوم مرة أخرى ليسود على طول الحدود في هضبة الجولان.
•الاتفاق هو جزء من "ترتيب" تقوده روسيا والولايات المتحدة من أجل التخفيف من قوة نيران الحرب السورية، والتوصل ربما إلى وضع حد لها. وضمن هذا الإطار يعمل الروس بالتعاون مع تركيا وإيران، وحالياً مع الأردن والولايات المتحدة، وعلى ما يبدو مع إسرائيل أيضاً، من أجل إنشاء أربع مناطق تهدئة (عدم تصعيد)، ومعناها عملياً تقسيم سورية بين بشار وخصومه.
•إلى جانب المنطقة التي يسيطر عليها بشار الأسد (نحو ربع مساحة الدولة ويعيش فيها ثلاثة أرباع السكان) سيكون هناك أيضاً أربع مناطق في شمال سورية وفي وسطها وحول دمشق وفي النهاية في جنوبها، حيث يسيطر المتمردون، سواء بحماية تركية أو أردنية، وفي المستقبل حتى بحماية روسية وأميركية.
•في الأسابيع الأخيرة، جرت في العاصمة الأردنية اتصالات بمشاركة عسكريين أميركيين وروس، هدفت إلى ترسيم الحدود والفصل بين المنطقة في جنوب سورية التي يقع أكثرها تحت سيطرة النظام وبين تلك المناطق، ومن بينها قطاع الحدود مع إسرائيل حيث ستبقى السيطرة بيد المتمردين. وبعد أن انتهت هذه الاتصالات وحصلت على رضا جميع المشاركين، كان في الامكان إنهاء المهمة وإعلان وقف اطلاق النار، مع الأمل بأنه سيكون من الصعب هذه المرة خرقه سعياً من المتقاتلين إلى تحسين وضعهم كما فعلوا في مرات سابقة.
•إن الرابح الأكبر من عملية التسوية التي يقودها الروس هو بالطبع الأسد، فبقاؤه في السلطة أصبح مضموناً والتهديد الأميركي له، إذا كان موجوداً، حُذف من جدول الأعمال. كذلك لم يخرج المتمردون خاسرين، لأنه في المدى القصير سيتوقف الضغط الروسي - السوري - الإيراني الذي قرّبهم من هزيمة مؤكدة تقريباً. وهذا بالنسبة إلى المتمردين إنجاز قصير المدى. في المقابل، يملك بشار الأسد طول النفس الذي يمكن أن يسمح له عندما يحين الوقت، بمعاودة القتال والسيطرة من جديد على سورية كلها.
•هناك رابح سعيد آخر هو فلاديمير بوتين الذي حوّل روسيا بمباركة واشنطن، إلى كونها من يحكم في سورية. وفي المقابل، ما يزال الأميركيون يركزون على حربهم ضد داعش وليست لديهم استراتيجية أو خطة عمل حيال مستقبل سورية، وبالتأكيد حيال الجزء الجنوبي القريب من حدود الأردن وإسرائيل.
•في يوم إعلان الهدنة في جنوب سورية، بُشر العالم بخبر تحرير الموصل على يد الجيش العراقي. بعد 8 أشهر طويلة من القتال الشرس خسر تنظيم داعش سيطرته على المدينة التي سقطت في يده تحديداً في تموز/يوليو قبل 3 سنوات، ورسمت حينها بداية الطريق لقيام الخلافة [الإسلامية] في أراض شاسعة من سورية والعراق.
•لقد أظهرت الصور من الموصل رئيس الحكومة محاطاً بمقاتليه، لكن في الأيام المقبلة سنشاهد صوراً أخرى من الموصل، لمقاتلي الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران والقادة الإيرانيين يحتفلون على أنقاض الموصل. وهذه الصور هي التي ستدلنا على المنتصر الفعلي في اللعبة الكبيرة الدائرة حالياً في سورية والعراق.
•لقد كررت إسرائيل مجدداً خطوطها الحمراء بشأن الوجود الإيراني في هضبة الجولان. وتصغي روسيا إلى الأصوات الصادرة من إسرائيل، لكنها لا تكفي لإقناعها بالانفصال عن إيران. فالروس وبشار الأسد بحاجة إلى القوات الإيرانية للمحافظة على استمرار سلطة الأسد في سورية، لذا من الصعب أن نرى أحداً ما يحاول أو ينجح في إبعاد الإيرانيين عن سورية.
•إن وقف إطلاق النار في الجولان وإنشاء منطقة عازلة يسيطر عليها المتمردون تبعد الإيرانيين عن الحدود مع إسرائيل والأردن، وهما بلا شك إنجاز تكتيكي مهم، لكنه إنجاز موقت ليس فيه ما يغيّر الصورة الكبيرة في سورية المطبوعة بألوان إيران والميليشيات المدعومة منها. ومثل حالة تهديد حزب الله في لبنان، ستكتشف إسرائيل أن ثمن إبعاد التهديد عن السياج الحدودي سيجعلها مضطرة لأن تقبل بوجود إيراني في قلب سورية يلقي بظلاله على الجولان وما بعد الجولان.