•بعد سنوات تعاظم فيها نفوذها وامتدّ في أنحاء الشرق الأوسط، تواجه طهران تحدياً ثلاثياً، وهذه فرصة استراتيجية للعمل على إضعافها من خلال مهاجمة منظومة تحالفاتها الإقليمية.
•في الأسبوع الماضي اتهمت الإدارة الأميركية إيران بخرق الاتفاق النووي الموقع في تموز/يوليو 2015، وهاجمت نشاطها "التدميري" في المنطقة. وإلى الرسائل الأميركية الهجومية، أضيفت ضغوط الساحة الداخلية في أعقاب الهزيمة التي لحقت بممثلي النظام من المحافظين في انتخابات الشهر الماضي. والذي حدث ليس فقط فوز الرئيس الحالي حسن روحاني من الدورة الأولى على المرشح المحافظ إبراهيم رئيسي الذي حظي بدعم ضمني من جانب المرشد الأعلى، بل وأيضاً فوز المعسكر البراغماتي بقيادة روحاني في 23 محافظة من أصل 31 محافظة في إيران، وبأغلبية المقاعد في العاصمة طهران. وتكشف هذه النتائج ميل جزء كبير من السكان الإيرانيين نحو الابتعاد عن قيم الثورة التي يمثلها الحكم الحالي والتي تستند إليها السلطة.
•يترافق الضغط في الساحة الداخلية مع ضغط يمارسه خصم إيران الإقليمي، السعودية التي تقود ائتلافاً إقليمياً معادياً لإيران. وعلى الرغم من عدم نجاح هذا الائتلاف حتى الآن في تحقيق انجازات مهمة، فإنه ينجح في زيادة الضغط على حلفاء إيران في المنطقة: هو يحارب في اليمن الحوثيين المدعومين من إيران، ونجح السنة الماضية في تصنيف حزب الله كتنظيم إرهابي في إطار قرار صادر عن الجامعة العربية، وفرض في الفترة الأخيرة عقوبات اقتصادية وسياسية على قطر، واشترط لرفعها تقليص علاقات قطر بطهران. إن مواجهة ضغط متزايد على جبهات ثلاث سيكشف ضعف النظام وعدوانيته أيضاً. وكلما تواصل الضغط وتزايد، تضاءلت قدرة النظام على تحمل المزيد منه.
•لهذا السبب ليس من الصائب محاولة التخفيف من العقوبات المفروضة على الاقتصاد الإيراني على أمل أن يستخدم الرئيس روحاني ذلك لتعزيز مكانته ولزيادة الضغط الداخلي على الحرس الثوري. ومن المتوقع أن تتميز ولاية روحاني بصورة أساسية بنزاعات مع المعسكر المحافظ الذي يسيطر على قيادة الدولة. ولن يسمح هذا المعسكر للرئيس بترجمة تخفيف العقوبات من أجل تحسين الوضع الاقتصادي للسكان بصورة مهمة من خلال الدفع قدماً بالإصلاحات المطلوبة على حساب الحرس الثوري الذي يسيطر حالياً على الجزء الأكبر من الاقتصاد الإيراني. ومن شبه المؤكد أن هذه المجموعة ستعمل على احباط مساعي روحاني وتتهمه بأنه هو المسؤول عن الفشل.
•إن زيادة الضغط الدولي من خلال فرض عقوبات اقتصادية وسياسية اضافية على إيران ليس هو أيضاً الاستراتيجية الصحيحة في الوقت الحالي. وما لم تخرق إيران بصورة فاضحة الاتفاق النووي، فإن مثل هذه الخطوة ستعزز السردية التي يروّجها المعسكر المحافظ والتي تقول إن الغرب بزعامة الولايات المتحدة ليس مستعداً للوفاء بالتزاماته في الاتفاق، أو التعامل باحترام مع الشعب الإيراني. ويمكن أن يساعد تحرك دولي عنيف المحافظين على توحيد الشعب من حولهم في مواجهة التهديد الخارجي ومهاجمة المعارضين في الداخل، أي الرئيس والمعسكر البراغماتي.
•المقاربة الصحيحة هي زيادة الضغط على حلفاء إيران والدائرين في فلكها في المنطقة، وليس على إيران نفسها. وعلى سبيل المثال، يجب زيادة التعاون الإقليمي والدولي من أجل منع وصول المساعدة العسكرية من إيران إلى أهدافها في سورية والعراق ولبنان واليمن. وفي هذا السياق من المهم العمل ضد الجهود الإيرانية لتطوير صناعة سلاح دقيق في لبنان واليمن، كما كشف عن ذلك في الفترة الأخيرة رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية هرتسي هليفي. وإذا ما نجح الجهد الإيراني، فإنه سيزيد التهديد بصورة كبيرة على خصمي إيران: إسرائيل والسعودية. من المهم العمل ضد القوات الشيعية الناشطة في سورية التي تموّلها إيران، وذلك لمنعها من التمركز بالقرب من الحدود، فلا تتحول إلى خطر جدي في المستقبل على المستوطنات الإسرائيلية في الجولان. وبما أن ما يجري لا يشكل مشكلة إسرائيلية فقط، فمن الصائب البحث في إمكانية الدفع قدماً بتعاون سعودي - أميركي بالتنسيق مع إسرائيل، وبموافقة روسية، من أجل منع تصعيد إقليمي.
•بالإضافة إلى إحباط الخطوات الإيرانية، هناك حاجة إلى المبادرة لتطبيق السياسة المنتهجة ضد قطر على لبنان وحزب الله. ويمكن مثلاً زيادة الضغط على حزب الله من خلال اشتراط المساعدة السعودية والأميركية للبنان بفرض قيود على القوة السياسية للحزب، وتقليص العلاقات بين الحكومة اللبنانية وإيران. ويجب أن يُضاف إلى هذا الضغط عقوبات أخرى أكثر إيلاماً من تلك التي تستعمل حالياً ضد التنظيم الإرهابي اللبناني في اطار نقاشات الكونغرس الأميركي بشأن تعديل القانون الحالي ضد الحزب.
•إن تحدي حزب الله، حليف إيران المركزي، بواسطة أدوات اقتصادية وسياسية، وإنشاء بنية تحتية لعمل عسكري ضد تحركاته الأخيرة، عندما تدعو الحاجة، يمكن أن يشكل نموذجاً لإضعاف منظومة التحالفات الإيرانية ووقف تعاظم القوة الإيرانية في المنطقة.