التسابق طولاً وعرضاً على بلورة سورية في إثر سقوط تنظيم "الدولة الإسلامية"
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف

•بعد سلسلة الهزائم التي مني بها تنظيم الدولة الإسلامية في الأشهر الأخيرة، تزداد المؤشرات الدالة على سقوطه القريب في سورية. وتشكل المنطقة الشرقية التي ستخلو من سيطرة الكيان السلفي الجهادي، ساحة الصراع الأساسي بين الجهد الأميركي والجهد الإيراني من أجل السيطرة عليها. في مطلع حزيران/ يونيو بدأت المرحلة الأخيرة من الهجوم لاحتلال مدينة الرقة، عاصمة الخلافة الإسلامية في سورية، على يد الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي يضم قوة برية مشتركة كردية (في أغلبيتها) وعربية- قوات سورية الديمقراطية (SDF)- وذلك بمساعدة جوية من الائتلاف الدولي توفّرها طائرات من الولايات المتحدة ودول غربية وعربية. في المقابل أقدمت إيران ووكلاؤها (Proxies) أيضاً وبسرعة على القيام بخطوة هدفها بلورة سورية في اليوم التالي لسقوط "الدولة الإسلامية". وتحاول القوات الموالية للأسد توسيع سيطرتها على منطقة دير الزور، وتحسين وصولها إلى مدينة الرقة وضواحيها، وفي الوقت نفسه السيطرة على نقاط أخرى أساسية على طول الحدود السورية- العراقية.

•يتضمن التسابق على بلورة الساحة السورية، والذي يتمحور في هذه الأيام حول معركة احتلال الرقة والانتصار على تنظيم الدولة الإسلامية، مجهودين استراتيجيين أساسيين:

•الأول تقوده إيران، وهدفه تهيئة الأساس لجسر بري يخضع لسيطرة شيعية يمتد من الشرق إلى الغرب، من إيران مروراً بالعراق ويصل إلى سورية ولبنان، وذلك من خلال سيطرة الأذرعة الإيرانية على نقاط عبور أساسية بين العراق وسورية- ميليشيات شيعية عراقية (الحشد الشعبي) في الجانب العراقي، وقوات التحالف المؤيد للأسد التي تتضمن ما بقي من الجيش السوري الخاضع لإمرة الرئيس السوري بشار الأسد وحزب الله وميليشيات شيعية، في الجانب السوري من الحدود. قال مستشار المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي للشؤون الاستراتيجية، علي أكبر ولايتي، "لقد نشأ ارتباط بين قوات الحشد الشعبي وقوات تابعة للحكومة العراقية وجيشها وبين القوات الموحدة في سورية، وعملياً فإن هذا يشكل نصراً استراتيجياً لحلفاء إيران، ولمحور المقاومة الذي يبدأ في طهران ويصل إلى العراق وسورية ولبنان في مواجهة الصهيونيين".

•في المقابل، يعمل الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة من أجل إنشاء منطقة فاصلة في قلب الشرق الأوسط تمتد من الشمال إلى الجنوب، وتقطع الجسر البري الإيراني والنفوذ الإيراني في سورية ولبنان والأردن وغربي الخليج الفارسي. وهدف هذا الجهد إنشاء فاصل أمني واقع تحت سيطرة حلفاء الولايات المتحدة يمتد من تركيا شمالاً مروراً بالمنطقة الشرقية من سورية، ويمتد جنوباً نحو الأردن ويصل إلى السعودية. وفي الأسابيع الأخيرة وقعت عدة هجمات قامت بها القوات الجوية الأميركية ضد قوات الائتلاف المؤيد للأسد في الجزء الجنوبي- الشرقي من الحدود العراقية- السورية في منطقة التنف السورية التي تبعد نحو 18 كيلومتراً عن الحدود الأردنية. وأعلنت الولايات المتحدة أن هذه المنطقة ممنوع فيها الاشتباك (De –confliction) وأنها خاضعة لسيطرتها، ولن تقبل بانتشار قوات الأسد ومقاتلين إيرانيين فيها. في 18 حزيران/يونيو جرى إسقاط طائرة حربية سورية في منطقة الرقة شرقي سورية، ضمن إطار الغطاء الجوي الذي تمنحه الولايات المتحدة لقوات سوريا الديمقراطية التي تقاتل من أجل تحرير الرقة.

•وأوضحت مصادر إيرانية أن انتشار القـوات المواليـة لإيران فـي الحــدود العراقية – السورية هدفه منع خطة الولايات المتحدة لتقسيم سورية. ووفقاً لكلامهم تسعى أميركا إلى ربط الجزء الشمالي الشرقي من سورية الواقع تحت سيطرة الأكراد بالجزء الجنوبي الشرقي في اتجاه الأردن، ولهذا السبب زادت من عملياتها وهجماتها في منطقة التنف. وبحسب الأصوات التي تتردد في إيران يجري الحديث عن عدد من المهمات: 1- الدفاع عن الهيمنة الإيرانية في العراق، وعن صمود نظام الأسد، وعن عمق استراتيجي إيراني، وجسر بري يمتد من طهران حتى بيروت؛ 2- القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية على الحدود العراقية- السورية؛ 3- تحييد الخطة الأميركية لتقسيم سورية؛ 4- منع القوات المدعومة من الولايات المتحدة من السيطرة على شرق سورية. ولم يكن مصادفة اختيار إيران الرد على هجمات داعش في طهران من خلال إطلاق صواريخ أرض- أرض من أراضيها نحو أهداف تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في منطقة دير الزور في شرق سورية. وهي بذلك تثبت قدرتها في مجال الصواريخ الباليستية، وتنشر رسائل بأنها تحارب داعش، وأنها لا تخاف العمل في منطقة تسعى الولايات المتحدة إلى ترسيخ نفوذها فيها.

•لا يبدو الموقف الروسي في هذا الشان واضحاً البتة. فمن جهة، يتحدث نظام الأسد ومصادر في موسكو عن مشاركة روسيا في تحرك نظام الأسد بمساعدة إيران وحزب الله في شرقي سورية ضد الخطة الأميركية. لكن من جهة أخرى، يجري الحديث عن تنسيق بين جهات أميركية وروسية جرى في الأردن، وأن روسيا تعمل على منع الاحتكاك بين قوات النظام وحلفائه وبين القوات الأميركية وتسعى للتفاهم مع الولايات المتحدة ومع الأردن فيما يتعلق بمنطقة منع الاحتكاك والهجمات المتبادلة في جنوب سورية. ورداً على إسقاط الطائرة السورية في منطقة دير الزور أعلنت روسية أن "كل طائرة سواء كانت مع طيار أو من دون طيار تابعة للائتلاف تنشط غربي نهر الفرات، ستعتبر هدفاً من جانب منظومة الدفاع الروسية"، ومعنى ذلك إنشاء منطقة حظر للطيران تحت سيطرة روسية غربي الفرات.

•ومع استمرار الصراع للسيطرة على جنوب شرق سورية، نشرت الولايات المتحدة بطاريات منصات إطلاق للصواريخ المتحركة من نوع HIMARS في قاعدة القوات الخاصة الأميركية بالقرب من مدينة التنف. ورداً على ذلك، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن كل محاولة لإدخال سلاح أجنبي إلى سورية يجب أن تحصل على موافقة الحكم المركزي في دمشق، وأن نشر هذا السلاح لا يدل على أن الولايات المتحدة تركز على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، كما تدعي. كما اتُهمت الولايات المتحدة بتسهيل فرار مقاتلي داعش من الرقة في اتجاه دير الزور.

•يبدو أن الائتلاف المؤيد للأسد بقيادة روسيا وإيران يتابع بقلق النشاط الأميركي في جنوب وشرق سورية، الذي بالإضافة إلى إنشاء منطقة أمنية في شمال الحدود الأردنية – السورية، ومهاجمة القوات المؤيدة لنظام الأسد، يشمل أيضاً استخدام بنية تحتية لتدريب وإعداد قوات معارضة لنظام الأسد، ونشر قوات خاصة أميركية مجهزة بسلاح مدفعي، بالإضافة إلى مظلة جوية من جانب الائتلاف الغربي. ومن وجهة نظر إيرانية، وربما روسية أيضاً، فإن هذا يشكل مرحلة جديدة في معركة بلورة سورية قبيل اليوم التالي لسقوط تنظيم الدولة الإسلامية، ويهدف إلى تحييد النفوذ الإيراني في سورية.

•يوجد في إدارة ترامب جهات معادية جداً لإيران تضغط باتجاه توسيع الحرب في سورية، واعتبار ذلك فرصة للدخول في مواجهة مع إيران في منطقة "مريحة". وقد طرحت هذه الجهات فكرة إنشاء منطقة فاصلة تكون خاضعة للنفوذ الأميركي في شمال شرق سورية والاحتفاظ بها، من أجل قطع واحتواء المطامع الإقليمية لإيران. من جهة أخرى، يعارض وزير الدفاع جيمس ماتيس ورؤساء الجيش الأميركي فتح جبهة واسعة ضد إيران وفروعها في سورية، ويرون في هذه الخطوة خطراً يحول دون تركيز مسعى المضي قدماً في تحقيق الهدف الأساسي- تفكيك الدولة الإسلامية والانتصار عليها. ولذا يطالب قادة الجيش الأميركي، في هذه الفترة على الأقل، بالامتناع عن الاحتكاك مع الروس.

•يبدو التسابق على السيطرة على مناطق في سورية كأنه سباق بين إيران والولايات المتحدة من أجل إنشاء مسارين عمودي وأفقي الجهد العمودي الأميركي (من الشمال وحتى الجنوب) والجهد الأفقي الإيراني (من الشرق إلى الغرب). وما يجري الحديث عنه هو مرحلة أخرى في عملية بلورة سورية في اليوم التالي لسقوط تنظيم الدولة الإسلامية. حتى الآن، يمكن أن نرى في سورية لوحة ألعاب متعددة الزوايا وأي تحرك في زاوية معينة سينعكس على وضع الزوايا الأخرى. في البداية "رتبت" روسيا أدواتها في الزاوية الوسطية الغربية من اللوح، من حلب إلى دمشق بما في ذلك منطقة الساحل. بعدها بلورت تركيا قواتها في الزاوية الشمالية، على طول الحدود التركية- السورية، وتضمن ذلك مسعى للمحافظة على مصالحها في الجيب الكردي. من ناحيتها، ركزت الولايات المتحدة على محاربة داعش خاصة في شمال شرق سورية، وتحاول حالياً إعادة تنظيم أدواتها في الزاوية الشرقية - الجنوبية لسورية.

•ونظراً لأن المنطقة الجنوبية - الغربية في سورية، والممتدة من درعا إلى هضبة الجولان بقيت مفتوحة أمام تحرك ونفوذ إسرائيل والأردن، يتعين على الدولتين المضي قدماً والتحرك قبل فوات الأوان. ويبدو أن هناك اتصالات من أجل بلورة استراتيجية مشتركة بين إسرائيل والأردن والولايات المتحدة هدفها منع نفوذ إيران وانتشار فروعها- خاصة حزب الله وميليشيات شيعية- في الزاوية الجنوبية من "لوحة الألعاب السورية". وبالإضافة إلى ذلك يتعيّن على إسرائيل والأردن الاستعداد لمواجهة احتمال فرار مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية من شمال شرق سورية وانزلاقهم نحو الجنوب وتوحدهم مع مقاتلي داعش في مثلث الحدود جنوبي هضبة الجولان. بالإضافة إلى ذلك، يجب ألا تنسى إسرائيل النفوذ الروسي في سورية والحاجة إلى التوصل إلى تفاهمات، على الأقل سرية، مع موسكو بشأن كل خطوة في هذا الاتجاه. من المحتمل أن تكون روسيا فهمت ذلك، ولهذا زاد الائتلاف المؤيد للأسد من قوة الهجمات الجوية في منطقة درعا خلال الأسبوعين الأخيرين. وعلى الرغم من ذلك، تدرك روسيا أن إسرائيل تستطيع أن تؤذي سورية بشدة، ولهذا فهي تفضل إقامة منظومة تفاهمات مع إسرائيل، تعالج مخاوفها جدياً.